الاخبار العاجلةسياسة

عميد المحامين التونسيين للجزيرة نت: النظام السياسي في تونس سيتحول إلى نظام رئاسي

قال إبراهيم بودربالة عميد المحامين التونسيين ورئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية -وهي إحدى اللجان التي أشرفت على صياغة مقترحات مسودة الدستور الجديد- إن النظام السياسي في تونس سيتحول إلى نظام رئاسي.

وأكد بودربالة -في حوار خاص مع الجزيرة نت- أنه في حال وقع إقرار مشروع الدستور الجديد خلال الاستفتاء المرتقب في 25 يوليو/تموز المقبل فإنه سيسهم بشكل كبير في توضيح المسار السياسي والاقتصادي بالنسبة لتونس في المستقبل.

نص الحوار:

هو محام مارس مهنة المحاماة لنحو 5 عقود وتقلد مسؤوليات عدة بهياكل المهنة وأصبح عميدا للمحامين في هذه العهدة وبموجب المرسوم الرئاسي 30 لسنة 2022 المحدث للهيئة الاستشارية المشرفة على إعداد مسودة الدستور الجديد كُلف برئاسة اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية التي صاغت مقترحات مسودة الدستور.

  • ما الهدف من توجه الرئيس لصياغة دستور جديد؟ وما مآخذكم على دستور 2014؟

لقد أقر دستور 2014 نظاما رئاسيا معدلا أو برلمانيا معدلا، وهذا النظام تسبب في تعثر الحياة السياسية ووقوع تنازع في السلطات بين رأسي السلطة التنفيذية؛ أي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كما تسبب في ترذل الحياة البرلمانية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.

  • كيف تنظرون إلى مقاطعة اتحاد الشغل أكبر نقابة عمالية مؤثرة في البلاد وعدم إشراك مكونات سياسية في أعمال اللجان الاستشارية المشرفة على كتابة الدستور؟

عدم مشاركة اتحاد الشغل في أعمال اللجان الاستشارية لكتابة مسودة الدستور هو في الحقيقة أمر مأسوف عليه؛ وعلى كل حال اتحاد الشغل له هياكله ومؤسساته التي ارتأت عدم المشاركة على عكس بقية المنظمات التي شاركت بصفة إيجابية وكان دورها فعالا وإيجابيا في صياغة مقترحات مسودة الدستور.

  • ولكن ألا يؤثر ذلك على مصداقية الحوار الوطني وعلى مشروع الدستور في حد ذاته؟

المصداقية النهائية للدستور ستحسم يوم الاستفتاء بنسبة المشاركة ونسبة المساندة.

  • ما المدة التي قضيتموها في كتابة الدستور؟

لقد انطلق عملنا من الرابع من يونيو/حزيران الجاري إلى 20 من الشهر ذاته.

  • ألا يعد هذا حيزا زمنيا ضيقا لكتابة دستور البلاد؟

فعلا كنا نشتكي من ضغط الوقت، لكن كل من شارك في إعداد الأوراق ضمن اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية قدّم عملا جيدا، ورغم ضغط الوقت فإن الهيئة الاستشارية المشرفة على كتابة الدستور أنهت عملها في الوقت المحدد وقدمت مسودة الدستور للرئيس في 20 يونيو/حزيران الجاري.

  • ما حقيقة أن اللجنة الاستشارية القانونية لم تعقد أي جلسة عمل نظرا لرفض عمداء كليات الحقوق المشاركة في صياغة دستور جديد؟

ما أستطيع تأكيده هو أن التواصل مع كل اللجان وقع بشكل حضوري وعن بعد بمشاركة أساتذة من ذوي الكفاءة في القانون الدستوري وعلى رأسهم رئيس “الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” المشرفة على صياغة الدستور العميد الصادق بلعيد؛ وهو عميد سابق لكلية الحقوق منذ 50 عاما وله قيمة أكاديمية وعلمية.

  • هل اطلعتم بوصفكم رئيس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية على مسودة الدستور؟ وكيف تقيمونها؟

صحيح لقد اطلعت على نسخة المسودة قبل تسليمها لرئيس الجمهورية وفعلا كان عملا متكاملا من التوطئة إلى آخر الأحكام الانتقالية. وبالتالي أستطيع القول إن الدستور الجديد أفضل من دستور 2014 الذي كانت فيه شبه ألغام.

  • كيف سيكون موقفكم إن لاحظتم وجود فرق شاسع وتغييرات جوهرية في مشروع الدستور مقارنة بما كتبتموه قبل عرض الدستور على الاستفتاء؟

وقتها سيكون لكل حادث حديث. عندما يقع نشر المشروع النهائي في أجل أقصاه 30 يوليو/حزيران الجاري سنقيّم المشروع؛ فإن كانت هناك تغييرات سطحية لا تمس من الجوهر فهذا أمر عادي. ولكن إذا كانت هناك تغييرات جوهرية ربما عند ذلك سنصدع بموقفنا.

  • ما مدى رضا الرئيس قيس سعيد على مسودة الدستور الجديد؟

عند تسليمه مسودة الدستور لم يطلع الرئيس بشكل مدقق على بنوده، وبالتالي أخذ مسافة من الاحتراز، ولذلك وعندما قال الرئيس ربما سيقع تغيير بعض الفصول فهذا أمر طبيعي باعتبار أن رئيس الجمهورية على اطلاع أكثر برأي كل المؤسسات التي تقوم بشؤون الدولة.

  • كم يتضمن الدستور من فصول؟ وكيف وقع تبويبها؟

مسودة الدستور تضمنت 140 فصلا مبوبة في 11 بابا.

  • ما أبرز ملامحه الجديدة؟

خلافا لدستور 2014 الذي أقر نظاما رئاسيا معدلا أو برلمانيا معدلا؛ فإن الدستور الجديد أقر نظاما رئاسيا.

وكان توجهنا هو تحديد الجهة المسؤولة على السلطة التنفيذية التي كانت في دستور 2014 برأسين؛ مما خلق تنازعا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كما أن الأحزاب الحاكمة آنذاك كانت تحكم ثم تدعي أنها شاركت فقط في الحكم مع أحزاب أخرى وترفض تحمل المسؤولية عن إخفاقها.

وبالتالي أقرت مسودة الدستور الجديد أن رئيس الجمهورية هو المسؤول على السلطة التنفيذية، وهو الذي يعين الوزير الأول وأعضاء الحكومة، وهو مسؤول على النجاح والإخفاق، فيما يلعب البرلمان دور المراقبة والمساءلة لتحقيق التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وقد خُصص الباب الأول من الدستور للمسألة الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن تونس تحتاج الآن إلى ثورة اقتصادية واجتماعية وإعلاء قيمة العمل مع المحافظة على الدور التعديلي للدولة حتى تقوم بمسؤوليتها لفائدة الطبقات الهشة الضعيفة وذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة؛ فضلا عن دعمها لحقوق المرأة وضمان الحريات.

  • إذن هل تغير النظام السياسي في الدستور الجديد من برلماني إلى رئاسي؟

نعم، بالفعل لقد أصبح النظام السياسي في الدستور الجديد ذا طابع رئاسي بعدما كان في دستور 2014 شبه برلماني أو شبه رئاسي.

  • ما صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد؟ وهل تقلصت صلاحيات الحكومة والبرلمان؟

بطبيعة الحال رئيس الجمهورية في النظام السياسي الجديد هو الذي يعين الحكومة ويختار الوزير الأول وبقية الوزراء، وهو من يحدد السياسات العامة للدولة، وهو مسؤول على النجاح والإخفاق، وقد تم التنصيص على الدور الرقابي للبرلمان من أجل تحقيق التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

كما لرئيس الجمهورية الحق في حل البرلمان إذا وصلنا إلى عدم توافق سياسي من أجل العودة للشعب لأخذ رأيه عن طريق انتخابات جديدة.

لقد كان تفكيرنا منصبا على جعل الدولة قوية وأن تكون كل المؤسسات في خدمة الدولة وتقوم بوظيفة تجاه الدولة بينما تبقى للشعب سلطة مراقبة الأداء وتعيين من يقومون بتلك الوظائف.

وفي الدستور الجديد لم يعد هناك تسمية بمصطلح رئيس حكومة؛ بل أصبح هناك “وزير أول” يعمل مباشرة مع رئيس الدولة ويقوم بدور المنسق بين مختلف الوزراء، في حين تعود الكلمة الأخيرة لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية.

  • العديد من المكونات السياسية والمدنية حذرت من مخاطر عودة الدكتاتورية. ألا تخشون من الانزلاقات التي يمكن أن تحدث بتركيزكم أغلب السلطات في يد الرئيس؟

الرئيس لا يستحوذ في مسودة الدستور الجديد على جميع السلطات؛ وإنما سيكون مسؤولا على السلطة التنفيذية، أما السلطتان القضائية والبرلمانية فليستا تحت إشراف الرئيس. والحديث عن مثل هذه الانزلاقات يتغذى من بعض الشكوك، وعلى كل حال علينا أن ننتظر المشروع النهائي للدستور وننتظر التطبيقات لنقيم.

  • ما الهدف من تغيير الفصل الأول بالدستور الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة؟ وما الإشكال الذي كان يمثله الإبقاء على هذا الفصل؟

عندما وقع التنصيص في دستور 1959 على أن الإسلام دين الدولة كان هناك هاجس المشرِّع؛ وهو تأكيد الهوية العربية الإسلامية لتونس ضد كل محاولات التبشير والتنصير التي مرت بها البلاد قبل الاستقلال في 1956. والآن بعد نحو 60 عاما أصبحت هذه المسألة محل إجماع وليس هناك خلاف بين أفراد الوطن.

وبالتالي قررنا الحسم في جميع البديهيات بوضعها في توطئة الدستور؛ حيث أكدنا على الانتماء الحضاري لتونس سواء العربي الإسلامي كمجتمع، أو الإنساني بشكل عام، مع المساواة بين جميع الأقليات.

وفضلا عن ذلك فالدولة هي “ذاتٌ معنوية”، وبالتالي هل يمكن لـ”ذات معنوية” أن تكون مسلمة أم غير مسلمة؟ والمولى عز وجل خاطب البشرية بقوله “يا أيها الذين آمنوا” ولم يقل لهم “يا أيتها الدول”.

  • لماذا لم يقع التنصيص على تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في الدستور؟ هل كانت هناك ضغوط خارجية تمنع التنصيص على ذلك؟

التنصيص على تجريم التطبيع هو اعتراف ضمني بالكيان الإسرائيلي الذي سلب الشعب الفلسطيني أرضه وحقوقه، ونحن نرى أنه من البديهي أن يقف الشعب العربي صفا واحدا للدفاع عن القضية الفلسطينية حتى يسترد أرضه وكامل حقوقه. وقد نص الدستور الجديد على أن تونس مع كل القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

  • هل ستكون الحريات مضمنة في الدستور الجديد بما في ذلك حرية التعبير وحق العمل النقابي وحق الإضراب؟

لا شك في ذلك؛ فالحريات مضمونة في الدستور الجديد وفق أسس قانونية سيقع إعدادها من قبل مجلس النواب المقبل. ونصت مسودة الدستور على ضمان الحريات العامة والفردية وحرية التعبير وحق العمل النقابي ما عدا داخل الجيش الوطني.

كما يضمن الدستور الجديد حق الإضراب؛ لكنه ممنوع في بعض القطاعات على غرار القوات الحاملة للسلاح (أفراد الأمن والحرس والجمارك وأعوان السجون)، والقضاة لأنهم يقومون بوظيفة سامية تعد من ركائز الدولة ولا يعقل أن تبقى المحاكم معطلة.

  • هل تضمن الدستور الجديد مادة لمكافحة اقتصاد الريع؟

بالنسبة إلى المبادرات الاقتصادية وبعث المشاريع؛ لقد نص الدستور الجديد على أن الأصل هو الحرية، والاستثناء لا يكون إلا بقانون؛ بهدف وضع حد للمكبلات البيروقراطية والمعطلات التي تتسبب فيها التراخيص المسبقة.

  • متى تتوقعون أن ينشر الرئيس مشروع الدستور؟ وهل تعتقدون أن الشعب التونسي سيشارك بالاستفتاء في 25 يوليو/تموز المقبل للموافقة عليه؟

على كل حال نتوقع نشر مشروع الدستور في الآجال المحددة وأقصاها 30 يونيو/حزيران الجاري. وفعلا أنا أتوقع مشاركة قوية في الاستفتاء على الدستور؛ لأنه هو من سيحدد مصير تونس في المستقبل، وبالتالي من الضروري أن يشارك الشعب بالاستفتاء لنعرف في أي طريق ستسير تونس.

  • ما تعليقكم على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس في 25 يونيو/حزيران 2021 كحل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة وحل المجلس الأعلى للقضاء وعزل قضاة؟

كما قلت سابقا؛ إن تعثر الحياة السياسية وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي التي دفعت رئيس الجمهورية لاتخاذ التدابير الاستثنائية لمحاولة إنقاذ البلاد. ونحن على يقين أن طريق الإصلاح والقضاء على الفاسد محفوف بالأشواك والعراقيل، ولكن لا بد من العمل على تخطيها.

  • هل يتجه الوضع في البلاد إلى مزيد من التعقيد أو الانفراج؟

أعتقد أنه لو وقع إقرار مشروع الدستور الجديد؛ فإنه سيسهم بشكل كبير في توضيح المسار السياسي والاقتصادي بالنسبة لتونس في المستقبل.

  • ما ردكم على الانتقادات التي توجهها المعارضة للرئيس بأنه يسعى إلى إعادة البلاد لمربع الدكتاتورية وأن الدستور جاهز وصيغ على مقاس الرئيس؟

من حضر اجتماعات اللجان الاستشارية يستطيع التأكيد أنه لا صحة لهذه الانتقادات، ووضع البلاد يحتاج إلى طوق نجاة قدمه رئيس الجمهورية لإنقاذها من وضعها المتردي. أما النحيب والبكاء بدون تقديم أي مبادرة فهذا لن يخلص البلاد من هذا الوضع، وبالتالي هي مبادرة وتجربة تحتمل النجاح والإخفاق؛ لكن فرص نجاحها أكثر من فرص الإخفاق.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى