الاخبار العاجلةسياسة

أعاد ذكريات هدم المباني التاريخية وقطع الأشجار.. طريق الساحل الدولي بمصر وتكليف رئاسي بمراجعته

القاهرة- بعد ما يقرب من شهر من المناشدات الجماهيرية والإعلامية أعلن وزير النقل المصري كامل الوزير، أخيرا تشكيل لجنة لمعاينة المشاكل التي يعاني منها الطريق الساحلي الدولي بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

واشتكى عدد من المواطنين من وجود مشاكل في تصميم الطريق الساحلي الدولي، تسببت في سيطرة العشوائية على أجزاء من الطريق، خاصة من سيارات النقل الثقيل، وطالبوا بسرعة حل هذه المشكلات خاصة مع بدء موسم الإجازات الصيفية، والتي يزدحم فيها الطريق برواد منطقة الساحل الشمالي.

ورغم الطفرة الكبيرة التي شهدتها مصر خلال الأعوام الماضية في مشروعات الطرق، فإن بعض هذه الطرق شهدت عددا من السلبيات، بسبب ظهور عيوب بها، سواء من حيث التصميم أو التنفيذ، فضلا عن كون المرور عليها أصبح بمقابل مالي، مما ألقى أعباء إضافية على المصريين.

سوء تخطيط

وطوال الشهر الماضي، انتشرت على مواقع التواصل تحذيرات من الطريق الدولي، والعشوائية التي تستخدمه بها سيارات النقل في ظل غياب تام لشرطة المرور.

وعدّد مغردون عيوب الطريق الجديد، وأهمها التعقيدات فيما يتعلق بالجسور والمنحنيات الخاصة بالدوران للخلف، وضعف الإضاءة عند المخارج وعدم وجود لافتات كافية.

في المقابل، أثنى البعض على جودة الطريق العالية وحسن تصميمه، ملقين باللوم على سلوكيات السائقين، وبخاصة سائقو سيارات النقل الذين يسيرون في مسارات عكس اتجاه الطريق.

تصاعد الجدل حول الطريق لم يتوقف عند مواقع التواصل، حيث انتقل إلى البرلمان، وتقدم وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أيمن أبو العلا، ببيان عاجل لرئيس الوزراء ووزير النقل، بشأن ما سمّاه “سوء التخطيط الذي صاحب أعمال تطوير الطريق، وما قد يترتب عليه من كوارث وحوادث”.

وقال أبو العلا، في بيانه، إن أعمال التطوير تمت وفق نظام عالمي متطور، ولكنها لا تتماشى مع طبيعة الطريق، وما ينتشر حوله من قرى سياحية، وهو ما يترتب عليه كثافة مرورية، خاصة خلال فترات الأعياد والإجازات، مضيفا “سنكون أمام كوارث بشكل شبه يومي، كما أن البعض سيكون مضطرا للسير في الاتجاه المعاكس”.

مطالبات إعلامية واستجابة رئاسية

ومع استمرار التجاهل الحكومي للانتقادات الموجهة للطريق، دخل الإعلام المصري على خط الأزمة، وأعلن المذيع أحمد موسى، أنه تلقى عدة مقاطع فيديو من مواطنين يسافرون على الطريق الساحلي الدولي، كشفت وجود مشكلة كبيرة في الطريق، مشيرا إلى أنه يعرض فقط مخاوف الناس.

وأضاف موسى خلال تقديم برنامجه “على مسؤوليتي” عبر فضائية “صدى البلد”، الأحد الماضي، أنه ينتظر خروج أحد المسؤولين للكشف عن فكرة تصميم الطريق والمشاكل التي تحتاج للإصلاح.

وطالب المذيع عمرو أديب المسؤولين بالرد على مخاوف الناس من الطريق، ونداءاتها التي استمرت طوال الشهر الماضي، خاصة أن الأوضاع في مصر لا تحتمل مزيدا من الانتقادات.

وطالب أديب، خلال تقديم برنامجه “الحكاية” على “شاشة إم بي سي مصر”، الأحد، بإصدار بيان يتضمن رسما توضيحيا وكشف التفاصيل حول هذا الطريق، مؤكدا أن البيان لا بد أن يبين سلبيات الطريق بشكل واضح، خاصة في وجود كل هذا الحديث عن خطورة الطريق على الأرواح.

وقبل أن تنتهي حلقة البرنامج، نقل أديب عن وزير النقل كامل الوزير، أن السيسي قد وجّه بتشكيل لجنة أجرت معاينة للمشكلات على الطريق، وجار التعامل معها بشكل فوري.

طفرة غير مسبوقة

وشهدت مصر خلال الأعوام الأخيرة طفرة كبيرة على مستوى مشروعات الطرق، أحدثت نقلة نوعية في مجال إنشاء وتطوير شبكة الطرق للوصول بمستوى جودة الطرق إلى مقاييس عالمية، بحسب ما تقوله الحكومة المصرية.

والعام الماضي، أعلن وزير النقل كامل الوزير أن التطور الذي شهده قطاع الطرق والجسور انعكس على ترتيب مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق خلال الفترة 2014 – 2019، حيث تقدمت مصر 90 مركزا لتصل للمركز 28 عام 2019، مقارنة بالمركز 118 عام 2014، وذلك وفقا لتقارير التنافسية العالمية.

وحسب صحف مصرية، فقد وضعت وزارة النقل خطة لتنفيذ مشروعات الطرق والجسور حتى عام 2024 بإجمالي 1769 مشروعا بتكلفة 464 مليار جنيه (نحو 25 مليار دولار)، وحتى منتصف هذا العام تم الانتهاء من تنفيذ 1052 مشروعا بإجمالي تكلفة 254.3 مليار جنيه (نحو 13 مليار دولار)، (الدولار = 18.79 جنيها).

ومن أهم مشاريع الطرق التي نفذتها الدولة تطوير طريق الصعيد – البحر الأحمر (سوهاج – سفاجا) بطول 180 كيلومترا وتكلفة مليار جنيه، وتطوير طريق وادي النطرون – العَلَمين بطول 135 كيلومترا، وإنشاء طريق شبرا – بنها الحر بطول 40 كيلومترا، وإنشاء القوس الشمالي من الطريق الدائري الإقليمي بطول 90 كيلومترا، وأيضا إنشاء طريق الجلالة بطول 82 كيلومترا، وتطوير طريق النفق – شرم الشيخ بطول 350 كيلومترا.

مذبحة الأشجار

أزمة الطريق الساحلي ليست الأزمة الوحيدة التي أثارتها الطرق الجديدة في مصر، فشبكة الطرق تسببت في أزمات عدة، أبرزها إزالة الأشجار في أحياء عدة، مثل مصر الجديدة ومدينة نصر شرق القاهرة، مرورا بحي المعادي العريق، وإزالة حديقة عرب المحمدي بأكملها وسط القاهرة.

واعترض أهالي حي المعادي جنوبي القاهرة -أكثر أحياء القاهرة تشجيرا- قرار الحكومة بإزالة المشاتل الزراعية واختراق الحي لإقامة محور مروري جديد، وأطلق السكان حملة جمع توقيعات لوقف خطة تنفيذ محور الجزائر (مروري)، الذي من شأنه تغيير طبيعة المكان وهويته ونسيجه العمراني وطبيعته الخضراء الهادئة، وتمزيق الحي إلى نصفين.

في المقابل، قالت الحكومة إن المحور ضروري لتسهيل حركة المرور، وإنها ستحافظ على الأشجار المعمرة والمشاتل النباتية النادرة بنقلها لمكان آخر.

وفي العام الماضي، اعترض سكان منطقة مصر الجديدة على اقتطاع مساحات خضراء كبيرة من الحي مثل شوارع هيليوبوليس ومنطقة روكسي، وحديقة الميريلاند التي طالما كانت تمثل رمزا من رموز المنطقة الجمالية.

كما تم أيضا إزالة كميات هائلة من أشجار حديقة المنتزه التاريخية في محافظة الإسكندرية شمالا، الأمر الذي أثار غضب كثير من المصريين، لِما كانت تتّسم به المنطقة من طبيعة أخّاذة وأشجار نادرة أنهت ذكريات الماضي لهذه الحديقة التي يتعدّى عمرها 100 عام.

هدم التراث

وأثارت شبكة الطرق أزمة أخرى بتعديها على مناطق تاريخية في العاصمة المصرية، أبرزها منطقة جبانة المماليك التاريخية، التي تم هدم جزء منها لإنشاء محور مروري باسم “محور الفردوس”.

ورغم تأكيد الحكومة أنها لم تقم بإزالة أي مقبرة مسجلة في الآثار المصرية، وأن عملية الهدم طالت مقابر خاصة غير تاريخية، فإن عددا كبيرا من النشطاء اعترض على تخريب أقدم الجبانات في العالم، وقال متخصصون إن الهدم طال عددا من المقابر التراثية.

ومن أبرز الأماكن التي طالها الهدم أسوار مقبرة حسن باشا صبري، رئيس وزراء مصر وقت الحرب العالمية الثانية، وواجهة قبر أحمد باشا لطفي السيد، الفيلسوف والمفكر المصري وأحد مؤسسي الحزب الوطني مع مصطفى كامل باشا، وسور المدفن الخاص بأحمد عبود باشا أحد أعمدة الاقتصاد المصري في القرن الـ20 ومن مؤسسي بنك مصر، وأول مصري في مجلس إدارة شركة قناة السويس العالمية.

كما تم هدم مدفن مراد باشا محسن، ناظر الخاصة الملكية في عهد الملك فاروق الأول والذي تسمى باسمه شارع مراد الشهير بالجيزة. وهُدم أيضا السور الخارجي لمدفن نازلي هانم حليم، حفيدة محمد علي باشا الكبير. كما هُدمت أسوار مقابر زكي محمد المهندس الذي كان يعمل عميدا لدار العلوم سابقا، وهو والد الفنان فؤاد المهندس والإذاعية صفية المهندس.

في المقابل، أكد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، أسامة طلعت، أنه “لم يتم هدم أي أثر، وإن المقابر الواردة في الصور المتداولة هي مبانٍ غير مسجلة كآثار إسلامية أو قبطية”، مشيرا إلى أنها “مقابر حديثة خاصة بأفراد”.

وأوضح طلعت أنه على الرغم من كونها مقابر غير مسجلة كآثار، فإن الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، “وجّه بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية، ليتم دراستها وبحث إمكانية عرض جزء منها في بعض المتاحف، كجزء من تراث مصر المتميز”.

محور الملك سلمان

وقبل أعوام أيضا اندلعت موجة سخرية من ظهور جسر ملاصق لشرفات عمارات سكنية على طول امتداد الجسر، ويطلق عليه “محور الملك سلمان”، حيث يتم إنشاؤه في منطقة “ترعة الزمر” بمنطقة الهرم غرب القاهرة.

ووصل الأمر لتندر مجلة “إيكونوميست” البريطانية على الجسر الذي يمر قريبا من بنايات سكنية، وقال أحد سكانها لصحيفة محلية إنه يستطيع الوصول إليه من شرفة شقته، ويدعو المارين بسياراتهم عليه للتوقف وشرب الشاي معه.

وقالت “إيكونوميست” إن بناء الطرق والجسور لم يخطط له بشكل جيد؛ فالجسور تثير القذى في العين لقبحها، وإن جسر الملك سلمان ليس فقط محلا للسخرية بقدر ما هو رمز لـ”عدم كفاءة الحكومة”.

بينما ألقى رئيس الجهاز المركزي للتعمير في مصر، محمود نصار، باللوم على العمارات التي وصفها بالمخالفة لخط التنظيم، حيث تتعدى على حرم الطريق، الأمر الذي تسبب في اقتراب “البلكونات” من الجسر، وأكد أن عمليات تنفيذ الجسر تتم بشكل سليم، لكن تنفيذ العمارات بشكل مخالف تسبب في هذه الأزمة.

 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى