الاخبار العاجلةسياسة

الطائرات العالقة.. ساحة صراع بين روسيا والغرب

دخل مجال الطيران المدني بأنواعه في صلب الأزمة الأوكرانية، بسبب العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا؛ فبعد إغلاق المجال الجوي لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وبلدان أخرى أمام الطائرات الروسية، طلبت الحكومات الغربية من شركات التأجير سحب طائراتها من روسيا بنهاية مارس/آذار الماضي.

لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سرعان ما وقع قانونا يسمح لشركات الطيران الروسية بالاحتفاظ بالطائرات الأجنبية لاستخدامها في الرحلات الداخلية، مما أدى إلى بقاء ما يقرب من 400 طائرة مملوكة لشركات أجنبية عالقة داخل روسيا. وعلى الجانب الآخر، احتجزت عدة دول ما يقرب من 79 طائرة مملوكة لروسيا بموجب العقوبات الغربية.

هذه الإجراءات المتبادلة بين أطراف النزاع أدت إلى لجوء كل طرف لتطبيق عدة إستراتيجيات لمحاولة تقليل خسائره وتعظيم مكاسبه؛ فقد رصدت وكالة سند هذه الإستراتيجيات في تحقيق اعتمد على مصادر مفتوحة، أبرزها تحليل البيانات الملاحية وصور الأقمار الصناعية، والاطلاع على تقارير ترصد حركة الطيران، وغيرها.

بيانات حصرية

حصل فريق تحقيق وكالة سند على بيانات حصرية لأكثر من 40 ألف رحلة جوية مرتبطة بالمطارات الروسية من موقع “رادار بوكس” (Radar Box)، وذلك في الفترة من يناير/كانون الثاني حتى أبريل/نيسان الماضيين. وقد أظهرت البيانات انخفاضا كبيرا في عدد الرحلات الدولية المرتبطة بروسيا بعد بدء الحرب، كما أظهرت أن تركيا حافظت على أعلى عدد رحلات شهرية، مع الحفاظ على نسبتها من الرحلات الدولية المرتبطة بروسيا قبل الحرب وبعدها، وذلك بسبب عدم اشتراكها في العقوبات الغربية على موسكو.

ووفقا للبيانات، تراجعت أوكرانيا ومصر وألمانيا ودول أوروبية عن صدارة الدول المرتبطة برحلات طيران مع روسيا، في حين ظهرت دول أخرى متحالفة مع موسكو، مثل أرمينيا وطاجيكستان وكازاخستان وأذربيجان وقرغيزستان وصربيا، وحافظت أوزبكستان أيضا على موقعها المتقدم ضمن أهم الدول المرتبطة بحركة طيران مع روسيا قبل العقوبات وبعدها. وأكد تحليل وكالة سند أن حركة الطيران الروسية توجهت ناحية دول آسيا الوسطى بشكل كبير عقب العقوبات الأوروبية.

بيانات
الدول المرتبطة بأكبر عدد رحلات مع روسيا منذ يناير/كانون الثاني وحتى أبريل/نيسان الماضيين (سند)

تأثير العقوبات الغربية على قطاع الطيران الروسي

يعد قطاع الطيران من نقاط الضعف لدى روسيا، بسبب عدم امتلاكها التكنولوجيا اللازمة لتصنيع طائرات تلبي احتياجاتها. وحتى الطائرات المصنعة داخل روسيا مثل “سوخوي سوبرجيت” (Sukhoi Superjet)، و”إركوت إم سي-21″ (Irkut MC-21) التي تطمح لمنافسة “إيرباص إيه 320″ (Airbus A320) و”بوينغ 737” (Boeing 737)، فإنها تستخدم محركات وبرامج وإلكترونيات من الولايات المتحدة وأوروبا. وتحاول شركة روسية مملوكة للدولة تطوير محرك محلي، إلا أن الأمر سيستغرق وقتًا، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post). لهذه الأسباب، اعتمدت روسيا على استئجار طائرات من شركات غربية لتسيير جزء كبير من رحلاتها الخارجية. وقد بلغ عدد الطائرات المستأجرة 515 طائرة من إجمالي 968 طائرة في الأسطول التجاري الروسي.

حظرت العقوبات الغربية أيضا بيع قطع الغيار والخدمات لشركات الطيران الروسية، مما يعني استحالة إجراء عمليات الصيانة لخطوط الطيران الروسية، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم قدرة تلك الطائرات على التحليق بعد فترة قصيرة، ولن تصلح إلا للتفكيك وبيع أجزائها.

مطار شيريميتييفو الدولي
طائرات متوقفة في مطار شيريميتييفو الدولي يونيو/حزيران الماضي (إيزري)

الاستحواذ على طائرات وإعادة تأجيرها

بعد فشل شركات التأجير في استعادة طائراتها العالقة من روسيا، طالبت شركات التأمين بتعويضات تقدر بمليارات الدولارات، أما روسيا فقد أعلنت أنها ستؤمم الطائرات الموجودة داخل أراضيها؛ ولذلك بذلت شركات التأجير جهودا كبرى في محاولة للاستيلاء على أكبر عدد ممكن من الطائرات الروسية العالقة في الخارج لتعويض جزء من خسائرها. وتتوزع أماكن احتجاز أغلب الطائرات الروسية في الخارج بين مطارات تركيا ومصر والإمارات.

في الأول من يوليو/تموز الماضي، أعلنت شركة خطوط الطيران الأيسلندية منخفضة التكلفة “فلاي بلاي” (Fly Play) ضم طائرة إيرباص من نوع “إيه 320-215 إن” (A320-251N) لأسطولها الجوي برقم تسجيل “تي إف- بي بي دي” (TF-PPD) بعد دهنها بألوان الخطوط الجوية والشعار الرسمي للشركة. لكن ما لم تذكره فلاي بلاي أن الطائرة الجديدة كانت في الأصل طائرة تابعة للخطوط الروسية “سمارت إيفيا” (SmartAvia) برقم تسجيل “في بي- بي أو إف” (VP-BOF) ومؤجرة من شركة “إيركاب” (AerCap). تشير بيانات الطائرة إلى أنها كانت موجودة في مطار صبيحة بإسطنبول في التاسع من فبراير/شباط الماضي، أي قبل اندلاع الحرب بأسبوعين، بسبب الصيانة. ولكن بعد اندلاع الحرب أصبحت عالقة في المطار نتيجة العقوبات الغربية على الخطوط الروسية.

https://www.facebook.com/PlayAirlines/posts/pfbid02pzyQfAy6PFYsWRREdMWiVnJ2Z9VNMuL4EX4pGkQabVqf1CuPEvpx7N5UCZ3yX4pQl
إعلان شركة فلاي بلاي ضم الطائرة الجديدة (مواقع التواصل)

تعد شركة إيركاب أكبر شركة لتأجير الطائرات في العالم، وفي الوقت نفسه أكثرها عرضة للخسارة بسبب احتجاز عدد كبير من طائراتها في روسيا. فقد أجرت الشركة 135 طائرة و14 محركًا لخطوط الطيران الروسية، ولذلك طالبت إيركاب شركات التأمين بتعويض قيمته 3.5 مليارات دولار لتغطية الخسارة المحتملة، بعدما تمكنت من استعادة 22 طائرة و3 محركات فقط.

وحسب تقرير من شركة “سي إتش إيفييشن” (CH-Aviatoin)، رفضت شركة سمارت إيفيا الروسية تسليم إيركاب أي طائرات مستأجرة داخل روسيا أو خارجها، مما يزيد من احتمال أن تكون إيركاب استحوذت على الطائرة الروسية “في بي- بي أو إف” بالإجبار مع تغيير رقم تسجيلها، لإعادة تأجيرها بعد ذلك؛ إذ سُجلت الطائرة باسم إيركاب في السادس من أبريل/نيسان الماضي قبل إقلاعها إلى مطار شاتورو الفرنسي في السابع من الشهر نفسه، لتستقر في مطار شاتورو لأكثر من شهرين لإنهاء أعمال الدهان.

https://www.flightradar24.com/data/aircraft/vp-bof
الطائرة أقلعت إلى مطار شاتورو في السابع من أبريل/نيسان الماضي (فلايت رادار 24)

وقد نشرت الصفحة الرسمية لخطوط فلاي بلاي يوم 21 يونيو/حزيران الماضي صورة للطائرة “تي إف- بي بي دي” التقطت في أثناء دهنها بألوان الشركة وشعارها، ثم التقطت صورة لها بمطار شاتورو بعد دهنها بالكامل يوم 28 يونيو/حزيران الماضي. وتشير بيانات “في بي- بي أو إف” إلى أن الطائرة توجهت لمطار ريكيافيك في أيسلندا يوم 30 من الشهر نفسه، ثم توقفت بيانات الطائرة عند هذا اليوم قبل أن تبدأ أولى رحلاتها برقم التسجيل الجديد في الرابع من يوليو/تموز المنصرم.

https://www.facebook.com/PlayAirlines/posts/pfbid02NQi48LEunWZCePR876RNZmTqLFaYaU893yehxFkzJBcp6eCKJaw6EBv8D3gp8Rp6l
عملية دهان الطائرة المستحوذ عليها من شركة سمارت إيفيا الروسية (مواقع التواصل)

احتجاز طائرات شحن روسية

يوم 23 فبراير/شباط الماضي، تحركت طائرة شحن من طراز أنتونوف تحمل رقم التسجيل “آر إيه 82046” (RA82046) إلى مطار لايبزغ هال في ألمانيا، لكنها لم تعد إلى روسيا؛ كانت تلك الرحلة الأخيرة للطائرة قبل احتجازها في المطار نفسه. تتبع الطائرة لإحدى الشركات الرائدة في مجال الشحن الجوي الثقيل، وهي شركة “فولغا دنبر” (Volga Dnper) الروسية. تمتلك الشركة أسطولا مكونا من 12 طائرة أنتونوف “إيه إن-124” (An-124)، وهي من أكبر طائرات النقل الجوي الإستراتيجي في العالم.

أظهرت قواعد البيانات التي اطلع عليها فريق سند أن الطائرة المحتجزة لم تكن وحدها. فقد احتجزت 3 طائرات من الطراز نفسه، 2 في مطار لايبزغ هال، وهما “آر إيه 82043″ (RA82043) و”آر إيه 82045” (RA82045)، فضلا عن طائرة ثالثة تحمل رقم التسجيل “آر إيه 82078” (RA82078) في مطار تورونتو الدولي بكندا؛ أي أن ربع أسطول الشركة محتجز خارج روسيا. كما تظهر صور الأقمار الصناعية تغيير مكان احتجاز الطائرات الثلاث في ألمانيا، تمهيدا لتخزينها.

Google Earth
صورة عالية الجودة ملتقطة في مارس/آذار الماضي بعد احتجاز الطائرات وقبل تغيير مكانها في مطار لايبزغ هال الألماني (غوغل إيرث)

 

Planet.com
صورة بتاريخ 18 أبريل/نيسان الماضي تظهر الطائرات الثلاث في مطار لايبزغ هال الألماني (بلانيت دوت كوم)

أظهرت صور أقمار صناعية خاصة -حصلت عليها وكالة سند- تغيير موضع احتجاز الطائرة “آر إيه 82078” في مطار تورنتو الكندي مارس/آذار الماضي إلى أطراف المطار.

 

Skywatch
صورة حصلت عليها وكالة سند يوليو/تموز الماضي تظهر موضع الطائرة الروسية المحتجزة بمطار تورنتو الكندي (سكاي ووتش)

إعادة تسجيل أرقام طائرات وتغيير خطوطها الملاحية

تحصل كل طائرة على رقم تسجيل خاص بها من هيئة الطيران المدني الدولية. ويميز هذا الرقم الطائرات المختلفة، لذلك لا يمكن أن تحصل طائرتان على رقم التسجيل نفسه، كما لا يمكن منح طائرة واحدة رقمي تسجيل مختلفين، وذلك حسب اتفاقية الطيران المدني الدولي عام 1944 والمعروفة باسم اتفاقية شيكاغو.

وبعد فرض العقوبات على المجال الجوي الروسي، سعت الحكومة الروسية لإعادة تسجيل الطائرات التي تستأجرها من شركات أجنبية بأرقام تسجيل أخرى تابعة لها. وتستخدم روسيا تلك الإستراتيجية بهدف الالتفاف على مطالبات الشركات المؤجرة باستعادة طائراتها.

طبقت شركة “بيغاس فلاي” (Pegas Fly) الروسية تلك الإستراتيجية، إذ غيرت أرقام تسجيل طائرات مستأجرة تابعة لأسطولها، مثل الطائرة التي تحمل رقم التسجيل “آر إيه 73343” (RA73343) التي كانت تحمل رقم “في بي- بي زد في” (VP-BZV)، وكذلك الطائرة “آر إيه 73307” التي كانت “في بي- بي بي إس”. وحسب البيانات المتوفرة لدى وكالة سند، غيرت الشركة أرقام تسجيل 5 طائرات، بالإضافة إلى طائرة أخرى متوقفة بمطار نابولي الإيطالي منذ يناير/كانون الثاني الماضي. وطبقت شركة النحاس الروسية تلك الإستراتيجية أيضا مع طائرة تابعة لها، إذ غيرت رقم تسجيلها من “بي 4- آر سي سي” (p4-rcc) إلى “آر إيه 2747” (RA2747) واستأنفت رحلاتها بعد ذلك داخليا ومع كازاخستان.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى