فورين أفيرز: الجفاف في الصين ينذر بكارثة تشمل تداعياتها العالم كله
حذر خبيران دوليان في مجال البيئة والتغير المناخي من أن الصين على شفا كارثة مائية جراء موجة جفاف غير مسبوق، قد تشمل تداعياتها العالم برمته.
جاء هذا التحذير في مقال مشترك، بمجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية، للخبيرين غابرييل كولينز الباحث في شؤون الطاقة والبيئة بمعهد “بيكر” للسياسات العامة بجامعة “رايس”، وغوبال ريدي مؤسس منصة “ريدي فور كلايمت” (Ready for Climate).
وورد في المقال أن الجفاف الذي يعصف بالصين منذ سنوات قد يدفع البلاد نحو أزمة مياه كبيرة، لن يقتصر تأثيرها على إنتاج الحبوب والكهرباء في تلك الدولة، بل ربما تؤدي أيضا إلى نقص عالمي في المواد الغذائية والصناعية على نطاق أكبر بكثير من تلك التي أحدثتها جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) والحرب في أوكرانيا.
ونظرا للأهمية البالغة التي تتمتع بها الصين في الاقتصاد العالمي، فإن أي اختلال محتمل ناجم عن أزمة المياه هذه سوف يتردد صداه سريعا في أسواق المواد الغذائية والطاقة والمواد الأخرى في جميع أنحاء العالم، وسوف يتسبب في اضطرابات اقتصادية وسياسية تستمر سنوات قادمة، كما يتوقع الباحثان.
وأشار الكاتبان إلى أن الماء عنصر حيوي في التطور السريع للصين التي تستهلك يوميا 10 مليارات برميل من المياه، أي ما يعادل نحو 700 ضعف استهلاكها اليومي من النفط، غير أن نسبة كبيرة من تلك المياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي.
ويعتقد الخبيران في مقالهما أن الصين لن تتمكن من استغلال مواردها المائية غير الكافية أصلا، إلا بعد ضخ مزيد من الاستثمارات لإقامة بنية تحتية لمعالجة المياه وزيادة استخدامها للكهرباء بشكل كبير لإمداد عمليات المعالجة بالطاقة.
ويعتقد كل من كولينز وريدي أن بكين عمدت إلى إخفاء الأبعاد الكاملة لمشاكلها البيئية للحد من رد الفعل الشعبي المحتمل، وتفادي التشكيك في كفاءة الحزب الشيوعي الصيني وقدرته.
الضخ الجائر
ووفق المقال، يعدّ الضخ الجائر من مستودعات المياه الجوفية في سهل شمال الصين (Northern China Plain) المحرك الأساسي لأزمة المياه التي تلوح في الأفق في هذا البلد.
وقد انخفضت مستويات المياه الجوفية في أجزاء من شمال الصين بمقدار متر واحد سنويا، وتسبّب ذلك في انهيار طبقات المياه الصخرية التي تحدث بشكل طبيعي لتخزين المياه الجوفية، ومن ثمّ انخساف التربة وتعريض إمكانية إعادة تغذية تلك المستودعات للخطر في المستقبل.
وإدراكا منها للحاجة العاجلة لحل المشكلة، أطلقت الحكومة الصينية في 2003 مشروعا لنقل المياه من الجنوب إلى الشمال بقيمة 60 مليار دولار، وذلك بسحب المياه من نهر يانغتسي لسد النقص الذي تعاني منه مناطق في شمال البلاد.
ولزيادة معدلات هطل الأمطار، نشرت الصين أيضا طائرات وصواريخ لربط الغيوم بمادة يوديد الفضة أو النيتروجين السائل، وهي عملية تُعرف باسم “استمطار السحب”، كما نقلت الصناعات الثقيلة بعيدا عن المناطق التي تعاني من شح المياه، ولجأت إلى الاستثمار في البنية التحتية لإدارة المياه. ورغم ذلك، فإن تلك الجهود قد لا تكون كافية لمنع حدوث أزمة، في نظر كولينز وريدي.
مياه أقل.. طعام أقل
تدرك القيادة الصينية جيدا أن المجاعات التي أحدثها الجفاف أدت إلى الإطاحة بـ5 على الأقل من السلالات الحاكمة في الصين من أصل 17 أسرة. ومع انخفاض مستويات المياه الجوفية، يكافح كثير من المزارعين للعثور على مصادر جديدة، ويقوم بعضهم بحفر آبار أكبر وأعمق، بتكلفة باهظة في كثير من الأحيان؛ لكن عمليات السحب الجائر المستمرة قد تجعل من المتعذر الوصول إلى تلك المياه.
وإذا عانى سهل شمال الصين من فقدان 33% من المحاصيل الزراعية بسبب نقص المياه، فقد تحتاج البلاد إلى تعويض ما فقدته عبر استيراد نحو 20% من الذرة المتداولة في الأسواق العالمية و13% من القمح.
ومع أن الصين درجت على تخزين أكبر احتياطيات من الحبوب في العالم، إلا أنها ليست في مأمن من نقص في الغلال يدوم سنوات عديدة.
وحسب مقال فورين أفيرز، فإن كل ذلك من شأنه أن يرفع أسعار المواد الغذائية في البلدان ذات الدخل المرتفع، ويجعل المواد الغذائية الرئيسة غير متاحة اقتصاديا لمئات الملايين من الناس في البلدان الفقيرة.
مشكلة الطاقة ونفاد الخيارات
إن مشاكل المياه في الصين تتجاوز حدود قطاعها الزراعي، لتشمل قطاع الطاقة الذي يعدّ الأكبر في العالم حيث لا يزال 90% من إمدادات الكهرباء في البلاد بحاجة إلى موارد مائية كبيرة، سواء التي تُنتج من الفحم أو محطات الطاقة النووية.
وكما أشار الدبلوماسي البريطاني السابق تشارلي بارتون، فإن “بإمكان الصين طباعة النقود، لكنها لن تستطيع طباعة المياه”.
ويرى كاتبا المقال أن المخرج المحتمل للصين من هذا المأزق محكوم بحقائق اقتصادية ومادية وسياسية قاسية.
ومن الحلول التي يقترحها كولينز وريدي تحلية المياه، رغم أنها ستكون مهمة “ضخمة”.
ويختم الخبيران مقالهما بالقول إن الصين تواصل الإفراط في استغلال المياه الجوفية، وتقترب كل سنة من حدوث أزمة مياه كارثية، و”مع ذلك فهناك متسع من الوقت إذا أقدمت على اتخاذ خطوات فعالة”.