قرية سلواد الفلسطينية.. حصار ومواجهة من عمر الاحتلال
رام الله- على صوت إطلاق الرصاص استيقظت نعيمة فرج من بلدة سلواد (شرق رام الله). لم تعرف مصدر الرصاص وعلى من أُطلق، ولكنه كان قريبا، وبعد دقائق تلقت اتصالا هاتفيا من جارتها أخبرتها أن المستهدف هو ابنها البكر عبد الرحمن، وقبل أن تخرج من البيت لتفقده اقتحمت قوة كبيرة من جنود الاحتلال المنزل.
احتجز جنود الاحتلال نعيمة وزوجها وأبناءها الثلاثة، وسط تهديد باعتقالهم جميعا، وقاموا بالتحقيق معهم والبحث في المنزل ومحيطه عن سلاح يدّعي الاحتلال أنه يخص عبد الرحمن.
العائلة لا تعرف مصير ابنها عبد الرحمن (24 عاما) ولا مصير 3 شبان آخرين اعتقلوا في عملية واسعة لجيش الاحتلال في البلدة التي تعيش منذ أكثر من 10 أيام على وقع حصار مشدد وإغلاق مداخلها، ومداهمات واعتقالات طالت عشرات الشبان.
وفي حديث للوالدة مع الجزيرة نت، قالت إن اعتقال عبد الرحمن كان من قِبل قوة خاصة أعدت له كمينا عند عودته للمنزل، وعندما حاول الهرب استُهدف بالرصاص الحي وأصيب في قدمه.
وتقول نعيمة إن استهداف الاحتلال ابنها واعتقاله يأتي ضمن حملة ممنهجة لاعتقال شبان البلدة، وتُوضح أن “كل يوم هناك اعتقال لشاب أو أكثر من البلدة، والحجة أنهم قاموا بإطلاق النار”.
ليست فقط عائلة عبد الرحمن التي تم تهديدها وتفتيشها بحثا عن السلاح، فقد قامت قوات الاحتلال بتخريب صالون الحلاقة الذي يملكه معتقل آخر في القرية، وهو عبد القادر باسم حماد الذي افتتح الصالون ليكون مصدر رزق له ولعائلته بمنحة مالية كونه أسيرا محررا، وهو الذي قضى 7 سنوات سابقا في سجون الاحتلال.
وتشهد القرية استهدافا يوميا وإغلاق مداخلها الرئيسية منذ 20 أغسطس/آب الجاري، حيث أغلق الاحتلال المدخل الجنوبي بحاجز عسكري يتواجد الجنود فيه طوال اليوم، ويمنعون الدخول أو الخروج منه، كما أغلق المدخل الغربي بسواتر ترابية مرتفعة، مع عرقلة وتضييق دخول وخروج أهالي البلدة من مدخل ثالث؛ مما يجعل الأهالي مضطرين للسفر نحو ساعة للوصول إلى مركز المدينة، بعد أن كانت المسافة لا تستغرق 15 دقيقة.
عقاب جماعي
وبحسب رئيس البلدية رائد حامد، فإن الاحتلال يسعى عبر هذه الإجراءات إلى القضاء على عمليات إطلاق النار التي استهدفت حافلة للمستوطنين وقواته على الشارع الرئيسي (شارع 60) وحاجز “عيون الحرامية” المقام على أراضي البلدة من الجهة الشمالية الغربية.
وأضاف حامد -في حديثه للجزيرة نت- أن “حصار القرية يندرج ضمن سياسة عقاب جماعي لكل أهالي البلدة والقرى المحيطة بها؛ فإغلاق المداخل لم يوقف عمليات إطلاق النار، ولكن الاحتلال مستمر في عرقلة حياة المواطنين اليومية”.
ويسكن البلدة أكثر من 10 آلاف مواطن، وتمتد أراضيها على مساحة 20 ألف دونم، صادر الاحتلال ربعها لأغراض عسكرية، حيث أقيم معسكر لجيش الاحتلال على مئات الدونمات من جبل العاصور، وصودرت أراضي منطقة “عيون الحرامية” بالكامل، بالإضافة إلى مستوطنة “عوفرا” المقامة على مداخل البلدة، وشارع 60 الاستيطاني الذي يلف القرية من معظم الجهات، ونقطة عسكرية دائمة.
ورغم أن إغلاق مداخل القرية وحصارها جاءا بعد إطلاق النار الذي وقع في 15 أغسطس/آب الجاري، فإن شرارة المواجهة في القرية اندلعت في 24 يونيو/حزيران الماضي عندما قتلت قوات الاحتلال الفتى محمد عبد الله حامد (16 عاما) بعد إطلاق النار عليه على الطريق الالتفافي القريب من البلدة واحتجاز جثمانه أياما، فكان الرد بعملية إطلاق نار على حاجز “عيون الحرامية”، وتبعته اقتحامات متتالية وفي كل مرة يعلن فيها جيش الاحتلال اعتقال منفذي هذه العمليات، وبعد ساعات يكون الرد بعملية إطلاق نار جديدة من قبل المقاومين، الذين استهدفوا حافلات المستوطنين والنقاط العسكرية.
ومنذ ذلك الحين والقرية تعيش على وقع الاقتحامات والتواجد الدائم لقوات الاحتلال داخل القرية وعلى أطرافها، مع حملة اعتقالات يومية اتخذت أحيانا شكل الاعتقالات الجماعية حين تم اعتقال 30 شابا مرة واحدة في أحد الأيام، وهو ما لم تشهده القرية منذ الانتفاضة الثانية، كما يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، وهو أيضا أحد أبناء القرية.
وأوضح فارس -في حديثه للجزيرة نت- أن “الاحتلال يستخدم الاعتقالات أداة للقمع، خاصة عمليات الاعتقال الجماعية والاعتداء على العائلات وتهديدها وتخريب منازل المعتقلين، وتحويل معظمهم للاعتقال الإداري، و”كثير من المعتقلين يتم الإفراج عنهم في يوم الاعتقال نفسه، وهو ما يعكس حجم التخبط لدى الاحتلال”.
وبحسب فارس، فإن الاحتلال يسعى لاستعادة قوة الردع على البلدة في ظل القراءات الإسرائيلية بأن جيش الاحتلال فشل في بسط السيطرة عليها، وأن عمليات المقاومة مرشحة للتصاعد.
وقال فارس إن هذه السياسة أثبتت فشلها في كل مرة، في فلسطين وسلواد تحديدا؛ فمع تصاعد العنف يخرج مقاومين من البلدة بعمليات نوعية تكبد الاحتلال خسائر باهظة، وتابع “بحسابات بسيطة يمكن أن نلاحظ أن عدد قتلى العمليات التي نفذها أبناء سلواد يفوق عدد شهدائها”.
سلواد.. الأخطر في وسط الضفة
ما يجري في سلواد من عمليات مقاومة لا ينفصل عن تاريخ القرية الحافل بمقاومة الاحتلال منذ الاحتلال البريطاني وحتى الآن، حيث سجل أبناء القرية عمليات نوعية؛ أهمها عملية “عيون الحرامية” التي نفذها ثائر حماد ببندقية قديمة، وقتل خلالها 11 جنديا إسرائيليا وأصاب 9 آخرين، من دون أن يتمكن الاحتلال من اعتقاله إلا بعد فترة طويلة.
هذه الحالة الوطنية التي شكلتها القرية فرضت على الاحتلال التعامل معها على أنها “بؤرة مقاومة متجددة”، ويتم التعامل معها وفقا لحسابات عسكرية خاصة.
يقول المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور إن هذا الوصف لم يغب عن الحسابات العسكرية الإسرائيلية، وأعيد تداوله في وسائل الإعلام العبرية مؤخرا بعد سلسلة العمليات التي أعقبت استشهاد الطفل محمد حامد وجنازته التي خرج فيها عشرات المسلحين، على غرار ما يقوم به مسلحو كتيبة جنين أو نابلس في الجنازات.
وبحسب ما قاله منصور للجزيرة نت، فإن الحديث الإسرائيلي يدور عن مقاومة متجددة في البلدة يشارك فيها مقاومون من مختلف التنظيمات، خاصة حركة فتح، وربطها مع تاريخ البلدة النضالي.
وأشار منصور إلى أن القراءات الإسرائيلية تشير إلى أن سلواد أخطر بلدة في منطقة وسط الضفة الغربية، ومرشحة لأن تكون امتدادا لما يجري من مقاومة في شمال الضفة الغربية، وحينها سيكون من الصعب -حسب التقديرات الإسرائيلية- السيطرة على الضفة الغربية.