كيف تتعامل إسرائيل مع غزة عسكريا منذ إعلانها كيانا معاديا؟
غزة- زاد حجم الدمار الذي خلفته نحو 56 ساعة من العدوان الإسرائيلي، مطلع أغسطس/آب الماضي، المشهد قتامة في قطاع غزة الذي يعاني أصلا من بطء شديد في إعادة إعمار ما دمرته الهجمات العسكرية الإسرائيلية السابقة.
وانضم العدوان الأخير إلى سلسلة من 4 حروب مدمّرة وعشرات من “جولات التصعيد”، منذ إعلان الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة “كيانا معاديا” في 19 سبتمبر/أيلول 2007. ومنذ ذلك الحين قبضت إسرائيل بيد بطش ثقيلة، عسكريا واقتصاديا، على نحو مليوني فلسطيني يعيشون في هذا الجيب الساحلي الصغير.
وفرض هذا الإعلان من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي على الغزّيين واقعا مأساويا وداميا تمثّل في 15 عاما من الحصار الخانق، والقيود المشددة على حركة تنقل الأفراد والبضائع.
خسائر فادحة
يقدّر وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، ناجي سرحان، الخسائر الناجمة عن العدوان الأخير بنحو 5 ملايين دولار، تضاف إلى الخسائر الكلية للحروب والتصعيد المتكرر المقدرة بنحو 3 مليارات دولار وتشمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة.
ويوضح سرحان -للجزيرة نت- أن 16 ألف وحدة سكنية دمرها القصف الإسرائيلي كليا، وما يزيد على 200 ألف وحدة لحق بها دمار بدرجات متفاوتة منذ الحرب الأولى أواخر عام 2008، وما زالت 2300 وحدة مدمرة كليا و70 ألف وحدة مدمرة جزئيا بحاجة إلى إعادة إعمار.
معركة الفرقان
شنّت إسرائيل أولى حروبها الواسعة على غزة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2008، واستمرت 21 يومًا، وأطلقت عليها “الرصاص المصبوب”، أما المقاومة فأسمتها “معركة الفرقان”.
لم تكن هذه الحرب الأعنف من بين الحروب الأربعة على غزة، لكنها شكلت “صدمة” للغزيين فقد كانت التجربة الأولى، وجاءت مباغتة مع كثافة نيران غير مسبوقة، وارتكبت إسرائيل فيها جرائم قتل مروعة وتدميرا على نطاق واسع.
وحسب إحصاءات رسمية، فقد استشهد بنيران الاحتلال 1436 فلسطينيا، بينهم نحو 410 أطفال و104 نساء، وأصيب أكثر من 5400 آخرين بجروح متفاوتة نصفهم من الأطفال، فضلا عن تدمير أكثر من 4100 وحدة سكنية بشكل كلي، ونحو 17 ألف وحدة بشكل جزئي.
معركة حجارة السجيل
بدأت هذه الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل “عمود السحاب”، وأسمتها المقاومة “حجارة السجيل”، بعملية اغتيال غادرة استهدفت أحمد الجعبري القيادي البارز في “كتائب الشهيد عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي كان يوصف بـ”قائد أركان المقاومة”، يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، مخترفة بذلك اتفاق تهدئة كان ساريا آنذاك برعاية مصرية.
وخلال 8 أيام من القصف، أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن استشهاد 162 فلسطينيا، بينهم 42 طفلا و11 امرأة، وجرح 1300 آخرين. وتسببت الغارات في هدم نحو 200 منزل كليا، ونحو 1500 منزل جزئيا، فضلًا عن دمار متفاوت لحق بعشرات المنشآت المدنية.
معركة العصف المأكول
هذه الحرب هي الأطول والأعنف، وأطلق عليها الاحتلال مسمى “الجرف الصامد”، أما المقاومة فأسمتها “العصف المأكول”، وبدأت في السابع من يوليو/تموز 2014، واستمرت 51 يوما، وأسفرت عن استشهاد 2322 فلسطينيا، من بينهم 578 طفلا، و489 امرأة، وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين.
وماديا، دمرت هذه الحرب كليا 11 ألف وحدة سكنية، و160 ألف وحدة جزئيا، إضافة إلى دمار متفاوت لحق بنحو 500 منشأة اقتصادية، وعشرات المساجد، وأراض زراعية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 رصد مؤتمر للمانحين عقد في القاهرة مبلغ 5.4 مليارات دولار، نصفها تقريبًا خُصص لإعادة إعمار غزة، والباقي لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين. وحسب سرحان، فإن 20% فقط من هذه الأموال وصلت للمؤسسات التي لها علاقة بالإعمار.
معركة سيف القدس
استمرت هذه الحرب التي سمتها إسرائيل “حارس الأسوار”، وأطلقت عليها المقاومة “سيف القدس” 11 يومًا، كانت من بين الأعنف من حيث كثافة النيران الإسرائيلية، التي أوقعت دمارًا هائلًا في المنازل السكنية والمنشآت العامة والخاصة والبنى التحتية، فضلًا عن استشهاد 260 فلسطينيا، بينهم 66 طفلًا، و41 امرأة، وجرح أكثر من 1900، من بينهم 560 طفلًا، و380 امرأة.
ونال الدمار الكلي من 1700 وحدة سكنية، و60 ألف وحدة لحقت بها أضرار جزئية بدرجات متفاوتة. وحسب سرحان، فإن خسائر غزة المباشرة وغير المباشرة جراء هذه الحرب بلغت 420 مليون دولار، منها 145 مليونا في قطاع الإسكان.
لماذا يتأخر الاعمار؟
يقول سرحان إن المانحين سئموا من تكرار الحروب على غزة، وتدمير ما يقومون بإعادة إعماره في كل مرة، فضلًا عن تراجع الاهتمام الخارجي بملف غزة، ولسان حال المانحين يتساءل: “هل يعقل أن نعيد بناء المنزل ذاته 3 مرات؟”.
وتتلخص أسباب تأخر عملية إعادة الاعمار، وفق سرحان، بالآتي:
- تكرار الحروب والعدوان الإسرائيلي، وتراجع الاهتمام الخارجي بملف غزة.
- عدم التزام المانحين بالأموال التي تعهدوا بها بعد حرب 2014.
- القيود الإسرائيلية التي تعيق عمل المانحين، وتؤثر في سياسات الدول تجاه غزة.
- غياب الجداول الزمنية وآلية ومجالات صرف الأموال، وبعض المانحين يحسم كلفة الدراسات وأجور المستشارين والمشاريع السابقة من القيمة الكلية لمنحة الإعمار.
- الانقسام الداخلي وتداعياته، وغياب الدور الفاعل للسلطة الفلسطينية، وعدم بذلها الجهد المطلوب لمتابعة تعهدات المانحين.
وبينما لم تتعهد أي جهة بإعادة بناء الأبراج السكنية المدمرة، يقول سرحان إن أحدًا لم يتقدم -حتى اللحظة- للإسهام في إعادة إعمار ما دمرته أيام التصعيد الثلاثة الأخيرة، وهناك مبانٍ ومنازل ما زالت مدمرة منذ حرب 2014، والأرقام تتزايد مع كل حرب وتتفاقم معها الأزمة.
متغيرات سياسية منها التطبيع
ويتفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسام الدجني مع سرحان على أن منحنى اهتمام المانحين والمجتمع الدولي بملف غزة في تراجع ملموس عما كان عليه في سنوات سابقة، والسبب تجدد الحروب مع غياب أفق حل سياسي، الأمر الذي يفاقم من المعاناة الإنسانية.
وحدد الدجني -للجزيرة نت- أسباب هذا التراجع بالتغير في السياسات الدولية فمعها تراجع الدعم عمومًا، بما في ذلك الدعم العربي الذي تأثر بتطبيع عواصم عربية مع إسرائيل، إضافة إلى تأثير الانقسام الفلسطيني الداخلي.
ولاستعادة الزخم والاهتمام، وضع الدجني خريطة طريق من 3 نقاط، هي:
- التوافق الوطني الفلسطيني وتبنّي إستراتيجية محددة الأهداف.
- التواصل الفاعل مع العالم العربي بغية تحقيق تنمية حقيقية في غزة.
- ملاحقة إسرائيل ومقاضاتها دوليا على جرائمها التي لا تتوقف ضد الفلسطينيين، خاصة في غزة.