اقتصاد

بعد رحيل جونسون وترامب.. كيف تبخّر وهم أكبر اتفاق تجاري في التاريخ بين أميركا وبريطانيا؟

لندن- تبخّرت آمال البريطانيين في إبرام اتفاق تبادل حرّ مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو الوعد الانتخابي الذي كان يبشّر به رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون وهو يروّج لفكرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وبخلاف الحماسة المنقطعة النظير التي كان يبديها بوريس جونسون، وكذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان يصف هذا الاتفاق بأكبر اتفاق تجاري في التاريخ، فإن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن يتعامل مع هذا الاتفاق بحالة من الفتور ولا يراه أولوية لإدارته على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن توقعات الإدارة الأميركية السابقة كانت تقول إن اتفاق التبادل التجاري الحرّ مع بريطانيا سوف يرفع حجم المبادلات بين البلدين 3 أضعاف، من حوالي 320 مليار دولار إلى تريليون دولار تقريبا، فإن هذا لم يمنع أن الأميركيين وضعوا حائط صدٍّ أمام الطموح البريطاني لأسباب اقتصادية وسياسية.

المعضلة الإيرلندية

وبنبرة من الخيبة، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس أن إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة “لن يحدث على المدى المنظور ولا المتوسط، وليس هناك أي مفاوضات بين الجانبين حاليا”، لتغلق بذلك صفحة الاتفاق التجاري الأكبر الذي كان قاب قوسين أو أدنى من التوقيع على عهد كل من ترامب وجونسون.

وتعلم تراس -وهي المتحمسة لمفاوضات متشددة مع الأوروبيين بخصوص الوضع الخاص لجزيرة أيرلندا بعد البريكست- أن الرئيس الأميركي جو بايدن هو أكبر مدافع عن بقاء الأوضاع على ما هي عليه في أيرلندا بشقيها (أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، وجمهورية أيرلندا)، خصوصا أن بايدن ذو أصول أيرلندية يعبّر عن فخره بها، ويرى أن عليه دَينا يجب أن يؤديه لأجداده من خلال الحفاظ على الوضع على ما هو عليه.

وذلك لأن الولايات المتحدة هي راعية اتفاق السلام بين شطري الجزيرة الأيرلندية، وهي ضامنة اتفاق السلام العظيم الذي ينص على أن الحدود بين الشطرين يجب أن تبقى مفتوحة، وألا تكون هناك نقاط تفتيش للأشخاص على الحدود.

وهذا ما تريد الإدارة الأميركية الإبقاء عليه، إلا أن الحكومة البريطانية تفاوض الأوروبيين وتهدد بالانسحاب من البرتوكول الخاص بأيرلندا الذي يضع نقاط تفتيش بحرية على البضائع التي ترد إلى الجزيرة، وهو ما تقول لندن إنه مسّ بوحدتها.

ويضغط الأميركيون -سواء الإدارة الأميركية أو الكونغرس- لمنع فرض بريطانيا أي نقاط تفتيش بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا التابعة للاتحاد الأوروبي، وإلا فلن تكون هناك أي مفاوضات حول الاتفاق التجاري في أي وقت من الأوقات، كما هددت بذلك رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي.

اقرأ ايضاً
الصندوق السعودي للتنمية يُفَعِّلُ خطتَه الإستراتيجيةَ المعتمدةَ في مجال التقييم

ليست أولوية

وبالعودة إلى الموقف الأميركي من اتفاق التبادل الحرّ مع البريطانيين، سيظهر أن واشنطن لم تكن تضع أبدا هذا الملف في سلم أولوياتها، فمنذ عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما والأميركيون يؤكدون على فكرة أن بريطانيا ستكون في آخر الصف في قائمة الدول التي قد تحصل على هذا الاتفاق.

وكانت فترة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استثناء، حيث أظهر حماسة كبيرة لتوقيع هذا الاتفاق كنوع من المكافأة، لأنه كان من داعمي البريكست.

وبوصول جو بايدن، عاد الموقف التقليدي القاضي بضرورة التروي قبل التوقيع على الاتفاق. وتقوم وجهة نظرة بايدن على أن المستثمرين الأميركيين وكبار الشركات لن يسمح لهم بالاستثمار في الخارج والاستفادة من ثمار اتفاقيات التبادل الحر، حتى يستثمروا في السوق الأميركية.

وتعتبر وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من أشد المعارضين لتوقيع أي اتفاق تبادل حرّ، وترى الوزيرة والخبيرة الاقتصادية أنه يجب الحفاظ على القيود القائمة مع كل دول العالم إلى حين القيام بالاستثمارات الكافية في السوق الأميركية.

الأرقام لا تكذب

وبينما كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون السابق يفاخر بكون اتفاق التبادل الحرّ مع الولايات المتحدة سيكون الأكبر في تاريخ بلاده، وسيعوض ما ستفقده بلاده من خروجها من الاتحاد الأوروبي؛ أظهرت وثائق حكومية مسربة أن تأثير هذ الاتفاق سيكون محدودا جدا  على الاقتصاد البريطاني.

وبحسب التقديرات الحكومية، فإن تأثير توقيع اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة لن يتعدى زيادة 0.2% للناتج الداخلي الخام، في المقابل سيخسر الاقتصاد البريطاني حوالي 4% من الناتج الداخلي الخام بسبب الخسائر التجارية مع الاتحاد الأوروبي.

أما رئيسة الوزراء الحالية ليز تراس، فتقول إن أولويتها هي الأخرى ليس توقيع اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة بقدر ما هي مركزة على إنهاء الاتفاق التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول الآسيوية، وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن هذه الاتفاقيات سوف ترفع الناتج الداخلي الخام بحوالي 0.4%.

في المقابل، تنظر الولايات المتحدة إلى السوق البريطانية كسوق صغيرة لا يتعدى عدد المستهلكين فيها 62 مليون شخص، بينما تخوض مفاوضات عسيرة مع الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 10 سنوات دون نتيجة تذكر، مما سيمكّن الولايات المتحدة من دخول سوق استهلاكية يبلغ تعدادها 450 مليون شخص، إضافة لدول آسيوية وفي مقدمتها الهند على سبيل المثال.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى