اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول.. بدء محاكمة نادرة لمليشيا “حراس القسم” وزعيمها
واشنطن- بدأت أمس الثلاثاء محاكمة 5 أعضاء من جماعة “حراس القسم” (Oath Keepers)، باختيار هيئة المحلفين، في إحدى أهم القضايا المتعلقة باقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب لمبنى الكابيتول الأميركي في السادس من يناير/كانون الثاني 2021؛ بهدف تعطيل التصديق على نتائج انتخابات 2020.
وتعدّ هذه المحاكمة مختلفة بسبب المتهمين وأبرزهم مؤسس واحدة من أكبر المليشيات المناهضة للحكومة في البلاد، وبسبب طبيعة التهمة؛ “المؤامرة المثيرة للفتنة” (seditious conspiracy).
ومن بين الذين يحاكمون زعيم الجماعة ستيوارت رودس، مع 4 آخرين بتهم التآمر المثير للفتنة (التآمر لمعارضة نقل السلطة الرئاسية)، وقد كرر المتهمون الخمسة براءتهم من التهم الموجهة إليهم.
ويواجه رودس، الجندي السابق بسلاح المظلات، وخريج جامعة “ييل” المرموقة، تهما نادرا ما تلجأ إليها الحكومة الأميركية، فمن النادر أن يُتهم شخص أو جماعة بالتآمر على الحكومة المركزية، واللجوء إلى العنف لإبطال نتائج الانتخابات الرئاسية.
وستحاول وزارة العدل في هذه المحاكمة، التي ينتظر أن تستمر 6 أسابيع، إقناع هيئة المحلفين أن مجموعة من الأميركيين تآمروا لمعارضة الحكومة بعنف.
اتهامات تعود للحرب الأهلية
لائحة الاتهام التي أُعلنت أمس الثلاثاء تاريخية في تفاصيلها ونطاقها، وهي الأكثر عدوانية، ولا يبتعد عنها مناخ الشحن والسخونة السياسية التي تعرفها واشنطن حاليا. وتعد لائحة الاتهام كذلك الأكثر قوة في القضايا التي رفعتها وزارة العدل ضد أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب ممن اقتحموا مبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني 2021. ونادرا ما استخدمت الحكومة تهمة تعود في أصولها إلى حقبة الحرب الأهلية، ويرجع ذلك جزئيا إلى الثقل السياسي والرمزي الذي يأتي مع اتهام بمحاولة الإطاحة بالحكومة.
و”المؤامرة المثيرة للفتنة” هي جريمة فدرالية خطيرة، تصل عقوبتها القصوى للسجن 20 عاما، ويعرّف القانون الفدرالي التهمة بأنها قيام “شخصين أو أكثر بالتآمر للإطاحة بحكومة الولايات المتحدة، أو تدميرها بالقوة، أو لمنع، أو إعاقة، أو تأخير تنفيذ أي قانون أميركي”.
جدير بالذكر أن من بين 870 شخصا وُجّهت لهم اتهامات تتعلق بالهجوم على مبنى الكابيتول، 17 فقط منهم وُجّهت لهم اتهامات بالتآمر للفتنة، وهي أخطر تهمة واجهها أي من المتهمين بأعمال الشغب.
وهذه المحاكمة الأولى من 3 محاكمات “التآمر العنيف بهدف الفتنة”، من المقرر إجراؤها هذا العام.
ويواجه رودس والمدعى عليهم تهما يمكن أن تصل عقوبتها إلى 20 عاما في السجون الفدرالية، إذا صدّقت هيئة المحلفين رواية الحكومة.
لائحة اتهامات تفصيلية وخطيرة
ولعرض رؤيتهم وتبرير اتهاماتهم، سيقوم ممثلو وزارة العدل بإعادة سرد شاملة لأحداث السادس من يناير/كانون الثاني وما سبقها من أعمال الشغب. وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن القصة ستعتمد على أكثر من 40 شاهدا، بمن فيهم عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي وضباط شرطة الكابيتول وصحفيون ومصادر بشرية سرية.
وتخطط وزارة العدل لاستخدام تسجيلات من مجموعة اجتماعات التخطيط التي سبقت اقتحامات السادس من يناير/كانون الثاني، والاتصالات اللاسلكية أثناء الحصار.
ويعتقد المدّعون العامون أن الأدلة مجتمعة ستظهر وجود خطة متطورة لدى مليشيات “حراس القسم”، وأنها بدأت في التبلور بعد أيام فقط من انتخابات عام 2020.
من جانبهم، جادل محامو المتهمين الخمسة بأن أعضاء مليشيات حراس القسم جاؤوا إلى واشنطن للعمل على “حفظ السلام” إذا اندلعت أعمال شغب بين أنصار ترامب وأعضاء جماعة “أنتيفا” اليسارية. وذهب بعض الأعضاء إلى داخل مبنى الكابيتول لمساعدة ضباط الشرطة، طبقا لما ذكره محامو المتهمين.
وفي الأشهر الماضية، وجهت الحكومة اتهامات لأكثر من 20 عضوا من أعضاء مليشيا حراس القسم تتعلق باقتحام السادس من يناير/كانون الثاني، وقد اعترف 3 منهم بالذنب، ويتعاونون مع محققي وزارة العدل.
ويستند جزء كبير من موقف وزارة العدل إلى رسائل نصية أرسلها المتهمون لبعضهم بين نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ويناير/كانون الثاني 2021، فضلا عن السجلات المالية ولقطات الفيديو من أحداث السادس من يناير/كانون الثاني.
وتقول لائحة الاتهام إن رودس اشترى أسلحة ومعدات تكتيكية بآلاف الدولارات، بما في ذلك بندقية ومنظار وأجهزة للرؤية الليلية.
وبحلول الخامس من يناير/كانون الثاني 2021، كان المتآمرون المزعومون قد نقلوا أسلحة وذخائر ومواد أخرى إلى منطقة واشنطن العاصمة، وخبؤوها بفندق في فرجينيا لاستخدامها من قبل قوات الرد السريع.
وتتضمن لائحة الاتهام ضد المتهمين كذلك أنهم انقسموا إلى فريقين، الأول دخل حيث انقسم لمجموعة بحثت عن أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، في حين تفرع القسم الثاني لمواجهة رجال الأمن المكلفين بحماية المبنى من الداخل.
وتقول وثائق المحكمة إن رودس، زعيم الجماعة، قال قبل أيام من اقتحام الكونغرس “سندافع عن الرئيس، الرئيس المنتخب حسب الأصول، وندعوه إلى القيام بما يجب القيام به لإنقاذ بلدنا، لأنه إذا لم يحدث ذلك فستقوم حرب أهلية دموية، ويمكنك أن تسميها تمردا أو يمكنك أن تسميها حربا أو قتالا”. وفي الوقت ذاته، لا يواجه رودس تهمة اقتحام مبنى الكابيتول، فقد ألقي القبض عليه لاحقا في بيته بولاية تكساس.
توقيت حساس للمحاكمة
وتأتي القضية أيضا مع تداعيات سياسية ضخمة، فعندما تم الكشف عنها في يناير/كانون الثاني 2022، أثارت لائحة الاتهام غضبا لدى بعض مؤيدي ترامب والشخصيات البارزة في اليمين الأميركي، الذين زعموا أن التهم ملفقة أو ذات دوافع سياسية، وتعرضت وزارة العدل لانتقادات متزايدة من بعض قيادات الجمهوريين بسبب تحقيقاتها في أولئك المتحالفين مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
وتتزامن المحاكمة مع اشتعال الحملات الانتخابية للانتخابات النصفية لتي تشهدها الولايات المتحدة بعد 6 أسابيع. ورصدت مجلة “الإيكونوميست” (Economist) عددا من المرشحين في مستويات مختلفة في ولايات عدة ممن لهم علاقات بمليشيا حراس القسم. وذكرت المجلة أن مارك فينشيم الذي اعترف بأنه كان عضوا بالمليشيا عام 2014 هو المرشح الجمهوري الذي يتنافس على أن يكون سكرتير ولاية أريزونا، وهو المنصب الذي يشرف على إجراء الانتخابات في الولاية والتصديق عليها، وأشارت المجلة إلى ترشح ما لا يقل عن 28 شخصا ممن لهم صلات سابقة بالمليشيا.
وجدير بالذكر أن اليمين المتطرف في الولايات المتحدة يتكون من شبكة لامركزية من الجماعات والمليشيات، وليس حركة متماسكة، وتختلف الفصائل في الجوهر والأسلوب، وتتميز مليشيا حراس القسم بتجنيد ضباط وجنود شرطة حاليين وسابقين في صفوفها.
وتطلب المليشيا من أعضائها التعهد بالدفاع عن الدستور “ضد جميع الأعداء، الأجانب والمحليين”، وتؤمن الجماعة بأن الحكومة الفدرالية تسعى إلى تجريد المواطنين من حرياتهم المدنية، ويصوّر أتباعها على أنهم مدافعون ضد الطغيان.