لأول مرة في السودان.. أشهر الأسواق التجارية تغلق أبوابها احتجاجا على ارتفاع الضرائب
الخرطوم- لم يجد آلاف التجار في السودان سبيلا سوى إغلاق محالهم التجارية للاحتجاج على الضرائب الباهظة التي فرضتها عليهم السلطات بنسبة وصلت 1000%، في ظل كساد متطاول أنتجته الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد.
وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، تصاب أشهر الأسواق وأهمها بشلل كامل بعد أن وجد التجار أنفسهم أمام مبالغ فلكية تلزمهم مصلحة الضرائب بسدادها، دون أن يكون بمقدورهم الإيفاء بها.
ويومي الأحد والاثنين الماضيين أغلق 1260 متجرا بسوق الدمازين في إقليم النيل الأزرق (جنوب) رفضا للتقديرات الضريبية التي قال عنها التاجر محمد عبد الله إنها غير واقعية، بعد إضافة ديوان الضرائب 10% كقيمة ربحية للسلعة الواحدة مع زيادة نسبة الضريبة إلى 30% بدلا عن 10% لتسهم القيمتان في ارتفاع الضرائب بأرقام كبيرة، دون مراعاة للركود والالتزامات والتضخم الذي رفع قيمة السلعة مقابل ثبات الأرباح وزيادة المصروفات وتآكل رأس المال.
يقول عبد الله للجزيرة نت إن قانون الضرائب لا يسمح بالاستئناف إلا بسداد جزء من المبلغ دون تأكيد الموافقة على المراجعة أو تخفيض المبلغ، متوقعا أن تسهم هذه الإجراءات في خسائر كبيرة تدفع بعشرات التجار للخروج من السوق.
وأفاد بيان للجنة التسييرية لتجار الدمازين أنها وصلت مع ديوان الضرائب لطريق مسدود بحجة أن زيادة 30% أمر سيادي، ولم يتبق لها سوى استخدام حقها المشروع في الإضراب عن العمل “مع أنه مضر بالتجار ويراكم التزاماتهم لكن لا توجد وسيلة أخرى، وإضراب التجار للمواطنين لأن الزيادة في الضرائب تعقبها زيادة في الأسعار من المورد إلى تاجر التجزئة”.
بداية الإضراب
وفي ولاية سنار (وسط) كانت بداية إغلاق الأسواق، حيث نفذ قرابة ألفي متجر أولى خطوات الإضراب رفضا للضريبة العالية، بإغلاق شامل للأسواق والمتاجر لعدة أيام، قبل أن يرفع الإضراب أملا في التوصل لاتفاق مع ديوان الضرائب الذي وعد بمعالجة المشكلات.
لكن التاجر هجو عبد الكريم يقول للجزيرة نت إن المعالجات التي وعد بها مسؤولو الضرائب في سنار لا تلوح في الأفق، وهو ما سيدفعهم لتكرار الإضراب قريبا بسبب العجز عن سداد المبالغ المطلوبة، مشيرا إلى أن البعض وصلتهم مطالبات تفوق 14 مليون جنيه، في حين لم تتجاوز العام الماضي مليوني جنيه (الدولار يساوي 574 جنيها).
وفي ولاية القضارف (شرق) تتمسك سلطات الضرائب بالرسوم المفروضة على التجار الذين أعلنوا الإغلاق الشامل مطلع هذا الأسبوع، ليومين، بعد زيادات ضريبية تراوحت بين 600% و1000% مقارنة مع الأعوام السابقة التي لم تتجاوز فيها الزيادات 15%.
وتمثل أسواق القضارف العمومية منها والفرعية أهمية اقتصادية كبرى، حيث تضم بورصة أسواق المحاصيل الزراعية، وتعد مركزا تجاريا مهما لكون الولاية على الحدود مع إثيوبيا، وتعرف بإنتاجها الوفير لمحصولي السمسم والذرة.
وتدرس اللجنة التسييرية لتجار القضارف الدخول في الإضراب الثاني المفتوح، وتسليم الرخص التجارية هذه المرة وإغلاق الأسواق مجددا.
وبحسب عضو اللجنة كمال إبراهيم الأمير فإنهم عزموا على الدخول في الإضراب والعودة إلى إغلاق الأسواق بعد تمسك إدارة الضرائب بالرسوم المفروضة، وقال للجزيرة نت إن أكثر من 1200 متجر و3 آلاف من تجار القضارف سيعودون للإغلاق الشامل خلال اليومين المقبلين.
وقال الأمير إن سلطات الضرائب فرضت التقديرات الإيجازية دون اعتبار للواقع المتمثل في الاضطرابات الأمنية، والاحتجاجات التي ألقت بتأثيراتها على أوضاع التجار بما يحول دون سدادهم للمبالغ.
وذكر أيضا أن مفتشي الضرائب كانوا في السابق يطلعون على النشاط التجاري ميدانيا من خلال جولاتهم للأسواق، ومن ثم يتم فرض الضرائب والتقديرات عكس الذي حدث هذا العام.
إغلاق الأسواق وتقلص الشركات
ويكشف كبير المصدرين ورئيس شعبة تجار المحاصيل بولاية القضارف أسعد الضو عن تقلص الشركات العاملة في بورصة أسواق المحاصيل الزراعية والحبوب من 160 شركة إلى 65 فقط، بعد فرض ضريبة 13% على القيمة المضافة.
وغير بعيد عن القضارف، أغلق تجار الفاو الأسواق الثلاثاء والأربعاء، كما أعلنوا العزم على تنفيذ وقفة احتجاجية الخميس للضغط على ديوان الضرائب بعد الوصول إلى حل وسط يضمن انسياب عملية البيع بالسوق دون إلحاق ضرر بالتجار، حيث توجهوا إلى مبنى المحلية مطالبين بتخفيض الضرائب التي تضاعفت عشرات المرات، لكن مطالبهم لم تجد آذانا صاغية.
وفي سوق تمبول المجاور للخرطوم، أغلق مئات التجار محالهم للاحتجاج على الضرائب العالية وسط مخاوف من تأثر الحركة التجارية بالإضراب، لاسيما أن هذا السوق يخدم المنطقة من جنوب منطقة شرق النيل بالعاصمة الخرطوم، وحتى قرب مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ويمتد شرقا داخل البطانة حتى حدود ولاية الجزيرة مع القضارف، وهو أهم سوق تجاري به أكثر من ألف متجر، كما يعد الأهم للثروة الحيوانية في الجزيرة ويخدم جزءا من ولايتي الخرطوم والقضارف شرقا.
وامتد إغلاق الأسواق إلى غرب البلاد بإضراب التجار في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، حيث أكبر سوق للصمغ العربي والمحاصيل في البلاد.
ويقول مصدر مطلع بديوان الضرائب -للجزيرة نت- إن غضبة التجار وموجة إغلاق الأسواق بعدد من المدن لا تبدو مبررة، باعتبار أن اتفاقا جرى عام 2019 بين مصلحة الضرائب وكل الغرف التجارية، قضى برفع ضريبة أرباح الأعمال من 15 إلى 30% لتطبق عام 2020، لكنه تم تأجيل التطبيق للظروف المتعلقة بتفشي جائحة كورونا، ويؤكد أن ديوان الضرائب يعمل عبر لجان الاستئناف للنظر في الحالات المتظلمة وإعفاء العديد منها وفقا للمستندات.