57 قناة تلفزيونية تبث في العراق.. من يمولها وكيف ينظر لها؟
بغداد– رغم مسؤوليات الصحافة الاجتماعية، فإن الإعلام العراقي بمعظمه لم يتجاوز حدود كونه جزءا من فوضى ما بعد الاحتلال الأميركي، ولاعبا مهما في صناعة الخطر الذي يحيط بالبلاد طيلة تلك السنوات. هكذا يتحدث العراقيون عن الارتفاع الكبير في عدد المؤسسات الإعلامية ودورها، ما يفتح باب السؤال عمن يمولها وعن أهدافها؟
بعد الغزو الأميركي عام 2003، لم يكن الإعلام بمعزل عن الفوضى التي ضربت البلاد، حيث تزايدت أعداد المحطات الفضائية بشكل غير عادي، ليصبح العراق أكثر دولة تضم قنوات تلفزيونية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وفق ما أكدته هيئة الإعلام والاتصالات العراقية للجزيرة نت.
في العراق حاليا تبث 57 قناة تلفزيونية عراقية مرخصة، إضافة إلى 152 وسيلة إذاعية، وأكثر من 60 مكتبا خارجيا لقنوات موجهة إلى العراق، بحسب الهيئة، وتنقسم بين مملوك للأحزاب، أو رجال أعمال.
ملكية تلك القنوات ومصادر تمويلها، إضافة إلى انعدام الرقابة، فرضت واقعا إعلاميا في العراق يفتقر للمساحة الوسطية، وهو ما وضعها إما في خانة إيران وما يعرف بمحور “المقاومة”، وإما في جانب الإعلام الغربي والعربي وهو غالبا الإعلام العائد إلى الجهات السنية، وهو ما أثر على مستوى انعدام الخطاب الوطني وتكريس الطائفية، والانشغال بالمصالح السياسية، كما يقول الصحفي فقار فاضل في حديث للجزيرة نت.
غير أن مسؤول الجهاز التنفيذي في هيئة الإعلام والاتصالات محمد الأسدي، يؤكد أنهم يمتلكون قسم رصد للمخالفات التي تصدر من المحطات الفضائية، وهناك إجراءات رادعة تصل حد سحب الرخصة، إلى جانب المتابعة القضائية.
مصادر التمويل
بالمقابل، تخفي الوسائل الإعلامية مصادر تمويلها وتعرّف نفسها بأنها ربحية، لكن صحفيا عراقيا طلب عدم الإفصاح عن اسمه لدواع أمنية، قال إن “القنوات في العراق وحتى التي تعود ملكيتها إلى مستثمرين، تمول من خلال المال السياسي والكسب غير المشروع الذي تديره المليشيات المسلحة”.
وشرح الصحفي ذلك للجزيرة نت بالقول، إن “الإعلام في العراق ينقسم إلى سني وشيعي، يمول من قبل الأحزاب السياسية من خلال الوزارات والهيئات التي تتاح لها نظرا لطبيعة النظام السياسي الذي يعتمد المحاصصة وفق الاستحقاقات الانتخابية والتفاهمات، فضلا عن ما تحصل عليه من دعم خارجي”.
وعلى الرغم من أن عضو نقابة الصحفيين العراقيين محمد السلطاني يذهب مع ذلك بالرأي، لكنه يشير في حديث للجزيرة نت، إلى أن الإعلام السني يمارس الطائفية والشحن السياسي بحدة أقل من الإعلام الشيعي “المدعوم إيرانيا”.
في المحصلة، فإن دور الإعلام السني لا يختلف عن دور القنوات الشيعية، كما يرى السلطاني، فهو أيضا يبث خطابا طائفيا، ويمكن ملاحظته من خلال الترويج لمشروع الأقاليم، الذي يروم لتقسيم العراق، مؤكدا أن ذلك قد أثر على مستوى التقارب المجتمعي، مبينا أن ما يدفع تلك القنوات لمثل هذا الخطاب هو التمويل؛ لآن أغلب القنوات السنية تمولها شخصيات سياسية وتجارية سنية كبيرة من خلال ما تكسبه عبر مشاريعها السياسية.
أما القنوات الشيعية، وخاصة التابعة للجماعات المسلحة، يوضح الصحفي الذي عمل سكرتيرا للتحرير في إحدى كبرى القنوات المملوكة لها، أن تمويلها سابقا كان يعتمد على “اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الذي يحصل على تمويله من قبل اتحاد الإذاعات والقنوات الإسلامية الذي تديره إيران، ويرأسه شخص اسمه كريم ياني، يرتبط بالحرس الثوري الإيراني”، لافتا إلى أنه “ما بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني وتأثير العقوبات الدولية على إيران، تراجع حجم التمويل كثيرا”.
لكن ذلك لم يؤثر على عمل تلك القنوات، لسبب أن معظم كوادر تلك القنوات هم موظفون رسميا في الحشد الشعبي، وبما أن الحشد عبارة عن خليط لتلك الفصائل “يقوم كل فصيل بتفريغ أولئك الموظفين للعمل في القناة التي يملكها، ما يعني أن مرتباتهم تصرف حكوميا”، في حين “تدفع اشتراكات الأقمار من خلال الأموال التي توفرها الهيئات الاقتصادية التي تملكها تلك الجهات وعبر مصادر التمويل الأخرى التي تعتمدها”، وفقا للمصدر.
والمكاتب أو اللجان الاقتصادية، هي عبارة عن أجهزة اعتادت الأحزاب العراقية المتنفذة والفصائل الاستفادة من أموال الوزارات والمؤسسات التي تحصل عليها هذه الأحزاب، ومن خلال ما تملكه من أذرعها داخل تلك المؤسسات الحكومية والتي تعمل على تعطيل المشاريع والاستحواذ عليها من خلال شركات استثمارية خاصة بها.
وبين أن خطابها يدار من قبل اتحاد الإذاعات والتلفزيونات، حيث يصدر التوجيهات لمديري المحطات عبر مجاميع الواتساب ومن ثم تعمم، ويعتمد الخطاب على الترويج لزعماء الفصائل المسلحة وأجنحتهم السياسية، وتكريس أجندة إيران في العراق، ولا تنفك عنه النبرة الطائفية.
ولفت إلى أن أعداد العاملين في القنوات تتراوح من أصغرها إلى أكبرها بين 50-200 موظف، يصل متوسط مرتباتهم الشهرية بحدود 800 دولار، للفرد الواحد، وأغلب المحطات تمتلك مواقع إلكترونية ووسائل إذاعية، مشيرا إلى أن “المحطة التي كان يعمل بها تصل موازنتها السنوية إلى 5 ملايين دولار”.
أبرز القنوات العراقية الخاصة، العهد، والغدير، وآفاق، والنجباء، و”آي نيوز”، والفرات، والطليعة، والإشراق، وآسيا، وكذلك المسار، والأيام، والراصد، وبلادي، والأنوار، والموقف، والرأي العام، وكربلاء، وأيضا بابليون، والرابعة، والموصلية، والفلوجة، وسامراء، وصلاح الدين، و”utv”، ودجلة، وعراق 24، فضلا عن زاكروس، ورووداو، و”NRT”، وكردستان 24، والسومرية.
تأثير القنوات والإجراءات الحكومية
وعن إمكانية تقنين دور القنوات بما يتعلق بقضية التمويل ودورها في الشحن الطائفي والسياسي، يقول محمد الأسدي للجزيرة نت، إن “ذلك من مهمة الجهات الرقابية، وإن هيئة الإعلام والاتصالات بدورها لا تنظر لتبعية المؤسسة الإعلامية أو تمويلها بل حتى ليس من واجباتها ذلك”، في حين يرى فقار فاضل أن “الجهات الرقابية هي في الأساس تخضع للتسييس، وهو ما ينعكس على طبيعة المعالجات”.
ومع أعداد كل تلك القنوات والمؤاخذات حولها، يرى الأسدي في حديثه للجزيرة نت أنها تعكس صورة التحول الديمقراطي الذي يتيح حرية التعبير التي يكفلها القانون ويسمح بتعدد وسائل الإعلام، كما أن لها دورا إيجابيا، ولا سيما فيما يتعلق بالاستجابة والمشاركة في التوعية حول قضايا مثل السلم الأهلي، ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وآخرها كورونا.
قبال ذلك، بدأ تأثير القنوات يأخذ بالتراجع تدريجيا، ولا سيما التابعة منها للجماعات المسلحة، خاصة ما بعد الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد عام 2019، بسبب الخطاب المعادي الذي استخدمته وقتئذ، وهو ما دفع الجهات الداعمة لتحول اهتمامها إلى مواقع التواصل الاجتماعي، معتمدة تمرير رسائلها عبر الهاشتاغات في تويتر، وقنوات التليغرام.
وعن طبيعة ذلك التحول، يوضح الصحفي رضا الشمري -المهتم بمواقع التواصل الاجتماعي- للجزيرة نت، أن الأحزاب السياسية، خاصة تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة أو تمثيلا حكوميا، تصرف أموالا طائلة للترويج لمشاريعها من خلال الجيوش الإلكترونية.
وتلك الجهات ومن خلال نشاطاتها هذه بحسب الشمري، تعمد لاستخدام خطاب الكراهية والتفرقة الطائفية، ما يجعل منها خطرا حقيقيا في بلد يمكن أن تشعل فيه صفحات التواصل صراعات مسلحة، مبينا أنها تنقسم لمجموعات متطورة وغير متطورة. الأولى منها تعمل على شكل خلايا كل فرد فيها يدير مجموعة حسابات على تويتر وفيسبوك، ويتلقون تعليماتهم عبر غرف تليغرام بعضها علني مثل ما يعرف بـ”بنك التغريدات”، أما بعض النوع الثاني تعمل بتمويه هويتها، وهذه قد حققت انتشارا كبيرا، كما أنها تقدم الهدف المطلوب منها مع فرصة التنصل عن أي مشكلات يمكن أن تضع فيها الجهات الداعمة لها.