الجزائر تنجح في اختراق الانقسام الفلسطيني.. ما ضمانات تنفيذ الاتفاق الجديد؟
الجزائر- بعد قرابة سنة من اللقاءات المتوالية، تمكنت مبادرة الجزائر من جمع شتات الفصائل الفلسطينية، بالتوقيع، مساء الخميس، على اتفاق جديد باسم “إعلان الجزائر”.
واختارت الجزائر بعناية مكانًا يحمل رمزية تاريخية عميقة في الذاكرة الفلسطينية، لاحتضان حفل مراسيم التوقيع على “وثيقة المصالحة”، وهو القاعة الكبرى لقصر المؤتمرات بالعاصمة، والتي شهدت انعقاد “المجلس الوطني الفلسطيني” وإعلان الرئيس ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1988.
توافقات وقرارات
وأكد الاتفاق المعلن “اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام، واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الفلسطينية”.
ونصت مبادرة الجزائر على “تفعيل آلية الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لمتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية”.
وشدد الإعلان على “تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات، وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات الوطنية القادمة في الوطن والشتات”.
انتخابات خلال مدة أقصاها عام
وأشارت البنود إلى “انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة، بمشاركة جميع القوى الفلسطينية، خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ توقيع الإعلان”.
وحملت الوثيقة كذلك مطلب “الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام “.
وأعربت الجزائر بهذا الصدد عن استعدادها لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.
فريق عمل جزائري عربي للإشراف
كما تضمن التوافق الجديد التأكيد على “تطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية”.
وتوافقت الفصائل الفلسطينية الموقعة على “توحيد المؤسسات الوطنية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي”.
وفي الختام، أقرّت الوثيقة “تولّي فريق عمل جزائري عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق، بالتعاون مع الجانب الفلسطيني، بإدارة الجزائر لعمل الفريق”.
وثيقة مختلفة عن سابقاتها
وأعربت كل الفصائل المشاركة عن تفاؤلها بنتائج الإعلان الجديد من حيث الضمانات والآليات، حيث أكد محمد عثمان، ممثل حركة حماس في الجزائر، أنها مختلفة عن سابقاتها، على مستويات عدة.
وقال في تصريح للجزيرة نت إن على الأطراف الفلسطينية، خاصة لمن يمسك بزمام السلطة ومناصب الإدارة ومقاليد القرار إظهار مسؤولية وطنية تجاه السعي لتغيير الواقع الفلسطيني وإنقاذ الحقوق، وإرادة سياسية حقيقية في تنفيذ بنود هذا الاتفاق.
واعتبر الرعاية الجزائرية وتكليفها بقيادة فريق عربي لمتابعة تنفيذ البنود وفق الآجال المتفق عليها، ضمانة مهمة، وقد عبرت الفصائل مرارا عن موثوقية الدولة الجزائرية ومصداقيتها في التعامل مع الأطراف جميعا.
وثمّن المتحدث “خلوّ الأجندة السياسية للجزائر من أي دوافع، سوى صون الحقوق الفلسطينية والاضطلاع بدور حقيقي لاستعادة الصدارة للقضية الفلسطينية في الأروقة الإقليمية والدولية”.
ومن الضمانات المهمة أيضا، أن الاتفاق منوط بالمنظومة العربية المجتمعة قريبا في القمة العربية بالجزائر، والتي نجحت من خلال الجهد الإعلامي والدبلوماسي في جعلها مكرسة لإنقاذ القضية الفلسطينية من التراجع والتهميش، على حد تعبيره.
الضمانة تبدأ بالإرادة الفلسطينية
ومن جهته، يرى رمزي رباح، رئيس وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في حوار الجزائر، أن الأساس لضمان التزام الأطراف بفحوى الاتفاق هو الانطلاق في حوار وآليات عمل تمكّن من متابعة المبادئ والمحددات لتطبيقها على أرض الواقع.
وشدد في تصريح للجزيرة نت أن الضمانة تبدأ بالإرادة الفلسطينية والاستعداد السياسي الذاتي لدى طرفيْ الانقسام في فتح وحماس، لأن “الاتفاقات السابقة كانت دائما تصطدم بجاهزية هذين الجانبين”.
أما الضمانة في تقديره فهي “احترام ما التزم به الفلسطينيون مع الإخوة الجزائريين وبحضور الرئيس عبد المجيد تبون، بالعمل على آليات متابعة، وهي تنص على الإعداد للانتخابات والتقدم بخطوات ملموسة في تجاوز الانقسام والعمل بشكل موحد لتصعيد المقاومة ضد الاحتلال وتهيئة الأجواء لتنفيذ المصالحة التي ستكون عاملا مساعدا في كل ذلك”.
وأكد المتحدث تطبيق آلية الاجتماعات الدورية في الجزائر (اجتماعين إلى 3 اجتماعات سنويا)، لمراجعة ما تم تنفيذه ومعالجة الإشكالات القائمة.
ومن الضمانات الجوهرية التي أشار إليها رمزي رباح “نقل القضايا الفلسطينية الرئيسية إلى القمة العربية، لاستعادة التضامن القومي لدعم القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تنفيذ القرارات السابقة التي لم تنفذ، إلى جانب ما نصت عليه مبادرة السلام العربية”.
المتغير الدوري ودور الجزائر
ومن جانبه، يؤكد أحمد مجدلاني، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، بشأن الضمانات، أن الوضع الإقليمي والدولي والمتغيرات الجارية، تستوجب أكبر قدر من التوافق الوطني الداخلي لمواجهة التحديات التي تستهدف شطب القضية من كافة الأجندات.
وأضاف إلى ذلك ما “تتمتع به الجزائر من تقدير معنوي كبير عند كل الفصائل والشعب الفلسطيني، ودورها التاريخي في مسار القضية وتسوية الكثير من الخلافات في منعطفات رئيسية، أبرزها عقد المجلس الوطني التوحيدي وإعلان الاستقلال من أراضيها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1988”.
كما وقف عند آلية الإشراف والمتابعة الجزائرية العربية بالتنسيق مع الفلسطينيين، حيث يعتقد بإمكانية توفيرها خلال القمة العربية المرتقبة، إذ إن الجزائر سترفع مضمون الاتفاق ليكون جزءا من القرارات العربية.
وقال في تصريح للجزيرة نت أنّ هذه الآلية تحدث لأول مرة، بينما “الصيغ السابقة جاءت بقرارات قمم عربية، تتابعها دولة معيّنة بتقديم تقارير، لكن اليوم الجزائر تشتغل مع دول أخرى بذلت جهودا في المصالحة”، وهو ما يفتح المجال للتطلع بثقة أكبر نحو المستقبل، على حد تعبيره.
حركية الدبلوماسية الجزائرية
من جهة أخرى، قال توفيق بوقعدة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر إن نجاح الحوار الفلسطيني لإنهاء الانقسام هو أولى الخطوات لنجاح القمة العربية في تجاوز أزمة أرّقت العرب على مدار 15 عامًا، وأضعفت صوت القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا.
وأوضح في تصريح للجزيرة نت أن الدبلوماسية الجزائرية أدركت منذ الوهلة الأولى حاجة الفلسطينيين لفرصة أخرى، من أجل ترميم بيتهم في ظل التحولات الكبيرة إقليميا ودوليا، والاستفادة من تجارب لقاءات الحوار السابقة، والتي فشلت في تحقيق تجاوز المصالح الفصائلية الضيقة.
وأكد المتحدث أنّ الطرف الجزائري أمعن في الاستماع لطروحات الفصائل ومقترحاتها لما تراه مخرجًا لأزمة الانقسام، وبنى على تجارب الحوارات السابقة ليخرج بوثيقة الجزائر الموقع عليها اليوم.
لكن المحلل بوقعدة يرى أن نجاح المبادرة لا يزال مرهونا بإرادة الفصائل الفلسطينية المتحاورة، فهي “أهم عامل لنجاح المصالحة واستعادة حقيقية للوحدة الوطنية الشاملة، وهذا الشرط لن تمنحه الدبلوماسية الجزائرية أو أي جهة أخرى”.
واعتبر أنّ حركية الدبلوماسية الجزائرية في ملف المصالحة الفلسطينية جزء من فاعليّة أوسع لتحضير ملفات القمة العربية، وهو ما “يبرز مدى حرص الجزائر على ضرورة معالجة مختلف القضايا داخل البيت العربي، بهدف ترجمة مبادئها في ضرورة فسح المجال للخيارات السياسية لمعالجة أزمات الدول العربية”.
كما أن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في إحداث اختراق في الانقسام الفلسطيني، وإقناع الفصائل بالتحاور بعد سنوات من الركود والتحاشي العربي عن الاقتراب من الملف، يؤكد، والكلام للمحلل نفسه، عزم الجزائر على توفير كل شروط إنجاح القمة العربية، وبعث رسالة مهمة، مفادها أن فرص العمل العربي المشترك لا تزال قائمة رغم الصعوبات التي تواجهه.