نقص الأعلاف وارتفاع الأسعار.. كيف تنقذ مصر ثروة الدواجن؟
القاهرة- تعاني صناعة الدواجن في مصر من عدة أزمات؛ كان آخرها احتجاز الأعلاف في الموانئ بسبب أزمة العملة الأجنبية وتعقيدات الإفراجات البنكية، وسط تحرك حكومي لتطويق هذه الأزمات التي باتت تهدد صناعة يعمل بها أكثر من 3 ملايين عامل بإجمالي استثمارات يبلغ 100 مليار جنيه (الدولار يساوي 19.66 جنيها).
وتبنت الحكومة المصرية -وفق ما رصده مراسل الجزيرة نت- في الفترات الأخيرة 5 مسارات للحل والإنقاذ، تتمثل في:
- إيجاد حلول مؤقتة للمشاكل العاجلة.
- تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية لتوفير الأعلاف في السوق، خاصة الذرة.
- ضبط أسعار الدواجن وبيع أطباق بيض المائدة بأثمان مخفضة.
- تسيير لجان رقابة لملاحقة الأعلاف الضارة.
- رفع عدد من الدعاوى القضائية ضد “السماسرة”.
أرقام حكومية عن صناعة الدواجن
ووفق تقرير رسمي أصدره مركز المعلومات الصوتية والمرئية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية (جهة حكومية)، فإن حجم الاستثمارات في صناعة الدواجن بمصر يبلغ نحو 100 مليار جنيه (5.1 مليارات دولار)، في حين تستوعب نحو 3 ملايين عامل، ويبلغ إجمالي عدد المنشآت الداجنة نحو 38 ألف منشأة، تشمل: المزارع ومصانع الأعلاف والمجازر ومنافذ بيع الأدوية البيطرية واللقاحات.
ويصل إجمالي حجم إنتاج القطاع التجاري من الدواجن في مصر رسميا إلى نحو 1.4 مليار طائر، و13 مليار من بيض المائدة سنويا.
وأعلن المرصد التابع لوزارة الزراعة أنه تم تخصيص 22 موقعا للاستثمار في الثروة الداجنة خارج الوادي لتوفير الأمان الحيوي وإنشاء وتطوير خط جديد لإنتاج لقاحات الدواجن وزيادة الطاقة الإنتاجية من 120 مليون إلى 2 مليار جرعة سنويا.
وحسب تصريح حديث لثروت الزيني نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، فإن صناعة الدواجن تسهم بنحو 75% من توفير البروتين الحيواني في مصر، حيث تنتج البلاد 4 ملايين دجاجة و40 مليون بيضة يوميا.
إطلاق سراح العلف من الموانئ
وكانت آخر الأزمات الخانقة في قطاع الدواجن نقص الأعلاف وحجز شحناتها في الموانئ بسبب الإفراجات البنكية، خاصة أن مصر تستورد نحو 75% من الأعلاف والمواد الخام لصناعة الدواجن مقابل نحو 25% فقط من الإنتاج المحلي، مما أدى إلى توقف 25 ألف مزرعة دواجن عن العمل لنفاد الأعلاف.
ويحتاج هذا القطاع إلى 25 ألف طن من الذرة والصويا يوميا حتى تستطيع كل مزرعة إطعام الدواجن لديها، في حين ارتفعت خامات الإنتاج خلال الفترة الماضية بنسبة 20%، وفق تقديرات غير رسمية.
وطالب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن محمود العناني باستمرار الإفراجات البنكية وإطلاق سراح الأعلاف على التوالي خلال الفترة المقبلة، خاصة أنها وصلت إلى 1.5 مليون طن ذرة و400 ألف طن بذرة فول صويا مكدسة بالموانئ.
وأوضح العناني -في تصريحات متلفزة نشرتها الصفحة الرسمية للاتحاد على فيسبوك- أنه في الفترة الماضية كانت الإفراجات ضعيفة بسبب ضوابط استخدام الدولار في مصر، مشيرا إلى أن الاتحاد تواصل مع أجهزة الدولة لتنبيهها إلى أن صناعة الدواجن تختلف عن الصناعات الأخرى كونها لا تحتمل التأخير، لأنها تعمل على منتج حي ينتظر طعامه.
وأصبح سعر طن الذرة 11 ألف جنيه بعدما كان 8 آلاف، في حين وصل سعر الفول الصويا إلى 18 ألفا بعدما كان 12 ألفا، مع ظهور سوق سوداء.
ارتفاع أسعار الدواجن
من أبرز آثار هذه الأزمة المستمرة في العلف ارتفاع أسعار الدواجن، مما أثر على ميزانية الأسر، واقتصادات التجار، وفق حديث البعض للجزيرة نت.
وحسب آخر أرقام في الأسواق الرسمية، فقد ارتفعت أسعار الدواجن البيضاء 3 جنيهات والبلدي 14 جنيها، وتراوح سعر كيلو الدواجن البيضاء داخل بورصة الدواجن الرئيسية بين 33 و35 جنيها للكيلو، في حين حدد سعر كيلو الدواجن البلدي بـ52 جنيها، يضاف إليه ما بين 5 و10 جنيهات في أسواق التجزئة.
ووصل سعر الكتكوت -حسب بيانات رسمية للاتحاد العام لمنتجي الدواجن- إلى 6 جنيهات، وسعر فراخ التسمين إلى 34.5 جنيها، وكان في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي عند 4.5 و5 جنيهات للكتكوت، و27 جنيها لفراخ التسمين.
مخزون الأعلاف “صفر”.. الاكتفاء الذاتي من الدواجن والبيض مهدد ومطالبات بالإفراج عن شحنات الحبوب من المواني pic.twitter.com/pddTGKh0tK
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) October 1, 2022
ارتفاع في أسعار بيض المائدة
على صعيد متصل، يعد ارتفاع أسعار بيض المائدة من أبرز الأزمات التي تلاحق المواطنين والحكومة والمستثمرين على السواء، وراجت أنباء مؤخرا عن أن سعر كرتونة البيض وصل إلى 120 جنيها، لكن شعبة البيض باتحاد منتجي الدواجن نفت ذلك.
ووفق بيان رسمي من الاتحاد العام لمنتجي الدواجن في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2022، فإن أسعار البيض الأبيض وصلت إلى 69.75 جنيها والبيض الأحمر والبلدي إلى 73.75 جنيها، ويصل للمستهلك عن طريق تجار التجزئة بعد زيادة 6 جنيهات على الأقل.
ويشهد سوق البيض ارتفاعات غير مستقرة؛ ففي مطلع سبتمبر/أيلول الماضي كانت الأسعار رسميا وفق الاتحاد عند 63.5 جنيها للبيض الأبيض والأحمر، و65.5 للبيض البلدي، قبل أن يصل إلى تجار التجزئة والمستهلك بزيادته لا تقل عن 6 إلى 10 جنيهات.
وأقر أحمد نبيل عبد الله نائب رئيس شعبة البيض -في تصريحات متلفزة- بوجود أزمة في سوق البيض بالتزامن مع عدم استقرار الأسعار، بسبب خروج عدد كبير من العاملين بالمنظومة بعد انخفاض الطلب عليه نتيجة ارتفاع أسعاره خلال الفترة الماضية، وهو ما كلف المربين خسائر كبيرة دفعت عددا كبيرا منهم للخروج من المنظومة بالتزامن مع أزمة الأعلاف.
من جانبه، يرى رئيس إحدى الشركات البارزة في مجال إنتاج الدواجن بمصر المهندس طوني فريجي أن الحل المؤقت يبدأ بإطلاق سراح شحنات خامات الأعلاف والمطهرات واللقاحات والأدوية المكدسة في الموانئ لعدم تدبير العملة، منعا لانهيار صناعة الدواجن في مصر.
ويضيف في تصريحات متلفزة أن مصانع الأعلاف لا تجد خامات التشغيل، الأمر الذي جعل سعر كيلو اللحوم من الدواجن لا يغطى التكلفة، موضحا أن الاستيراد ليس حلا ينعش الصناعة بل على العكس يزيد أزمة القطاع الداجني في مصر.
أما (عبد الله .ر) صاحب سلسلة مطاعم شعبية بإحدى ضواحي محافظة الجيزة، فيؤكد للجزيرة نت أنه بدأ يتأثر سلبا في الفترة الأخيرة من ارتفاع الأسعار، مما دفعه إلى تقليل الكميات بشكل أكبر بدل رفع الأسعار على زبائنه.
إجراءات حكومية للحد من الأزمة
تسعى الحكومة لحل الأزمات التي تهدد صناعة الدواجن وإنتاج البيض، وفق عدد من المسارات السريعة والإستراتيجية.
ففي أزمة الأعلاف الحالية، تحرك رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الزراعة السيد القصير ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله لتدبير العملة الأجنبية لحل أزمة استمرار حجز الأعلاف في الموانئ المصرية.
وحسب بيان رسمي للاتحاد العام لمنتجي الدواجن بمصر، فإن تدخل أجهزة الدولة أسفر عن تلقيهم إفادات ببدء الإفراجات المرحلية عن شحنات الذرة والصويا الموقوفة في الموانئ.
كما سيجري تفعيل زراعة الذرة في مصر، حيث قرر وزير الزراعة في وقت سابق تنفيذ الزراعة التعاقدية مع المزارعين بشأن محصول الذرة الموسم القادم لحل أزمة الأعلاف، وهو ما أتى بثماره الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي بتسلم أول محصول ذرة.
ومن المقرر حسب بيان رسمي صادر عن وزارة الزراعة أن يتم السعي لتطبيق منظومة الزراعة التعاقدية على جميع المحاصيل الإستراتيجية المرتبطة بأزمة الأعلاف مثل الذرة والفول الصويا.
وأكدت الوزارة أنه في ظل الظروف الراهنة محليا وعالميا، وما ترتب عليها من تقلبات في أسعار المحاصيل الزراعية، خاصة محصول الذرة المكون الرئيسي للأعلاف؛ فإن الدولة تسعى لتحقيق زيادة الإنتاج المحلي من كافة المحاصيل الزراعية وحماية الكثير من الصناعات المحلية، خاصة صناعة الدواجن.
وبخصوص ضبط الأسعار، تعلن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي -بين حين وآخر- ضخ كميات من بيض المائدة الأحمر والأبيض للبيع للمواطنين بأسعار مخفضة، عبر منافذها المتحركة والثابتة بالمحافظات المختلفة.
وتلجأ الوزارة كذلك إلى مسار “الرقابة” للحفاظ على صناعة وتداول الأعلاف حفاظا على الثروة الداجنة، وذلك عبر لجان دورية من قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة وشرطة البيئة والمسطحات.
إستراتيجية الاعتماد على الذات
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي للجزيرة نت إن صناعة الدواجن من الصناعات الكبرى بمصر التي تفتقد ما وصفه “بإستراتيجية الاعتماد على الذات”، منبها إلى أن هذه الصناعة تعتمد على استيراد الأعلاف والأمصال على مدى 5 عقود على الأقل.
ويدعو الصاوي إلى وضع إستراتيجية لفترة 5 سنوات المقبلة للوصول لإنتاج 75% من الأعلاف والأمصال في محاولة لاكتفاء ذاتي جزئي يمنع ضرب سلسلة الفاعلين في الصناعة في مقتل، كما يحدث في تلك الأيام الصعبة، حسب وصفه.