اقتصاد

الضرائب بالعراق.. مورد اقتصادي غائب ودعوات للكشف عن مصير مليارات الدولارات الضائعة

واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة تحديات كبيرة في استحصال الضرائب من دوائرها، مما أدى إلى هدر ملايين الدولارات من الضرائب الجمركية المفروضة على استيراد السلع.

ونقلت وكالات أنباء محلية في سبتمبر/أيلول 2022 -عن مصدر مسؤول بوزارة المالية- قوله إن إعفاء مدير عام الهيئة ومعاونه وعدد من مديري الأقسام جاء على خلفية تحقيق رسمي بسبب اختفاء مبالغ كبيرة من إيرادات هيئة الضريبة العامة.

8 16
عيد يرى أن الضرائب أصبحت أحد أبواب الهدر والفساد في العراق (الجزيرة نت)

هدر كبير

ويشير الباحث الاقتصادي أحمد عيد إلى وجود هدر كبير في القطاع الضريبي، والسرقات التي أعلنت عنها السلطات الرسمية توصف بالكارثية نظرا لحجم المبالغ المهدورة والتي تجاوزت 800 مليون دولار، حيث يكافأ المتهم بهدر المال العام بعقوبة مخففة مع عدم وجود قانون يلزم السارق بإعادة المبالغ المسروقة.

ويبين عيد للجزيرة نت أن الضرائب أصبحت بابا من أبواب الهدر والفساد، وما يعيق تطبيق القانون بحق الفاسدين هو الأجندات الحزبية والسياسية، رغم أن الضرائب باب واسع لتدفق الأموال لخزينة الدولة، ومن شأنها إعادة توزيع الموارد والدخل، بالإضافة لوظائف أخرى تتعلق بالسياسات النقدية والسيطرة على حجم ومستويات التضخم.

ويعرب الباحث عن أسفه لأن إدارة جباية الضرائب ما تزال بعيدة عن الواقع الاقتصادي العراقي، كما أن هناك تقصيرا كبيرا في الاستقطاعات الضريبية، حيث إن الأرقام المعلنة في ميزانيات الدولة حول المبالغ المتحصلة ضريبيا أقل بكثير من مستوى التقديرات.

ويوضّح “عادة ما يتم تقدير المبلغ بما يقارب 2-3 تريليونات دينار (1.4-2 مليار دولار) إلا أن التقديرات الحقيقية تتجاوز ضعف هذا بكثير لتصل إلى أكثر من 7 تريليونات دينار (4.8 مليارات دولار) فضلا عن أن الاستقطاعات الضريبية تتم بشكل بدائي من خلال سجلات وإيصالات ورقية لا تنسجم مع حجم المبالغ ومنافذ الاستحصال الضريبي، مما يجعلها عرضة للتلف والتغيير”.

وفيما يتعلق بالتهرب الضريبي، يؤكد عيد أن هناك شخصيات وشركات تابعة لجهات متنفذة أعفيت من الضرائب، من خلال ما تمتلكه من سلطة أو من خلال دفع الرشاوى، وهذا يشكل خطرا كبيرا على قطاع الاستحصال الضريبي، فضلا عن تجاهل ضريبة الدخل على رواتب الدرجات الخاصة بالدولة العراقية وعلى رأسها رواتب الرئاسات.

ويلفت إلى أن مزاد العملة لديه النصيب الأكبر من قيمة الاستحصال الضريبي، وعدم وجود تنسيق دائرة التحويلات في البنك المركزي وهيئة الضرائب العامة أسس لمشكلة كبيرة تتعلق بحجم الأموال المحولة للخارج لغرض الاستيراد قياسا بالبضائع والسلع المستوردة من الخارج، وما يفاقم من المشكلة أن الأموال التي تخرج لا تعود إلى البلد سوى بنسبة قليلة من البضائع، وما تفرض من ضرائب على هذه البضائع لا تتعدى 10% من القيمة الحقيقية لها.

جهاز عد النقود في أحد المصارف الخاصة ببغداد – خاص بالجزيرة نت
أحد المصارف في بغداد (الجزيرة نت)

عقوبات صارمة

من جانبه، يؤكد الخبير القانوني الدكتور علي الموسوي وجود الكثير من العقوبات في القانون العراقي، التي تتعلق بمتهربي الضريبة، سواء كانت غرامات مالية أو الحبس، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على السنتين من يثبت عليه هذه الجريمة.

ويبيّن في حديثه للجزيرة نت وجود فئتين تتهربان من الضرائب، الأولى لا تمتلك دخلا يوازي هذه الضرائب وتكون الضريبة عليهم مقطوعة كأصحاب المهن، وأما الثانية فهم أصحاب الشركات الاستثمارية التي لها علاقة بجهات نافذة بالدولة تستغلها للتهرب من دفع الضرائب.

ويقول الموسوي إن القانون يتغاضى عن عمليات الهدر والفساد من قبل رؤوس كبار متنفذة بالحكومة كالأحزاب والمسؤولين، ويقتصر تطبيقه على الفقير المتهرب من الضريبة لأسبابه الاقتصادية الشرعية.

ويشدد على ضرورة تعديل قانون الضرائب بما يتناسب مع المرحلة الحالية، وإرجاع ثقة المكلف بالضريبة بأن جبايتها خدمة للصالح العام وليس لإثراء فئة معينة دون أخرى، كما يجب أن يكون قانون الضرائب نافذا على الجميع، مع القضاء على المنظومة الفاسدة التي تعمل داخل مؤسسات ضريبة الدخل، وهذه من أهم النقاط التي يجب أن نتوقف عليها.

أموال ضائعة

من جانبه يقول الخبير المالي المختص بالضرائب عبد السلام حسن حسين إن ضياع أموال الضرائب يعود لارتباط دوائر الضريبة بالتسجيل العقاري بأمانة بغداد، ولذا يجب فك ارتباط هذه الوزارة للسيطرة على عمليات السرقة.

ويقول حسين للجزيرة نت إن الوحدات الفرعية التابعة للضرائب تسدد كل منها نحو 250 مليون دينار يوميا على الأقل، أي ما يعادل 6 إلى 7 مليارات دينار وأكثر بالشهر للوحدة، وهذا ما يعادل 30 إلى 35 مليار دينار لكل وحدة بالشهر الواحد.

ويقدّر الخبير المالي هدر أكثر من 15 مليار دينار شهريا من الضرائب، ناهيك عن أرباح الدوائر الأخرى، وهذه تكفي لتعيين الخريجين وتشغيل المعامل وتحسين الواقع، بحسب الخبير المالي.

يشار إلى أن إحسان عبد الجبار وزير النفط -الذي كان وزيرا للمالية بالوكالة- قد أعلن أمس تسليم ملف تحقيق إلى الجهات المختصة حول سرقة ما يقدر بـ 2.5 مليار دولار من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.

وقال الوزير “دولة رئيس الوزراء وافق على طلبنا بخصوص الإعفاء من مهام إدارة وزارة المالية بالوكالة” مؤكدا “نتائج التحقيق الذي وجهنا به بعد تكليفنا بالوزارة، والاثباتات الرسمية الخاصة بسرقة ما مقداره 3.7 تريليونات دينار (2.5 مليار دولار) من أموال الضريبة/ مصرف الرافدين من قبل مجموعة محددة”.

وأضاف عبد الجبار -في تغريدة على حسابه في تويتر- أنه “تم تسليمها من وزارة المالية إلى الجهات المختصة، ومنها اللجنة المالية البرلمانية التي طالبتنا بذلك رسميا وإعلاميا”.

من جهته، استنكر رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني حادثة سرقة أموال الضرائب، وقال في تغريدة على تويتر “لنْ نتوانى أبدًا في اتخاذ إجراءات حقيقية لكبح جماح الفساد الذي استشرى بكلِّ وقاحة في مفاصل الدولة ومؤسساتها. وضعنا هذا الملفَّ في أول أولويات برنامجنا، ولنْ نسمحَ بأن تُستباحَ أموال العراقيين، كما حصل مع أموال أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين”.

11 1
رشيد: مبالغ الضرائب المحصلة بالعراق ضئيلة جدا بسبب التهرب وعدم وجود قاعدة بيانات (الجزيرة نت)

غياب قاعدة البيانات

بدوره يلفت عضو اللجنة المالية بالبرلمان، أحمد حمة رشيد، إلى أن جميع الموازنات بالدول الريعية تقسم إلى إيرادات نفطية، وفي العراق تحتل نحو 93%، و7% من إيراداتها غير نفطية حيث تعتبر الضريبة جزءا منها.

ويضيف للجزيرة نت أن الضريبة غير مفصلة بجميع جوانبها، لأن العراق لا يعتمد بالدرجة الأساسية على الضرائب، وينظر إليها المواطنون بعين الريبة، لأن واردات الضريبة لا تعود إلى المواطن على شكل خدمات.

وينوه رشيد إلى أن مبالغ الضرائب ضئيلة جدا بسبب التهرب الضريبي وعدم وجود قاعدة بيانات للوحدات التجارية بالدولة سواء على شكل محلات أو صناعات أو أماكن أخرى يمكن أن تجنى منها الضريبة.

ويلفت النائب إلى أن السياسة المالية مركزية، لكن بسبب وجود خلافات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، فلا ترجع ضرائب كردستان العراق إلى خزينة الدولة الاتحادية.

ويكشف أن هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية نشطان في متابعة ملفات التهرب الضريبي، لكن هناك تلكؤ بالأجهزة القضائية، وهناك مثلا شركة هاتف نقال مدينة للحكومة بمبلغ 375 مليون دولار، وهناك 3 شركات مدينة للحكومة بأكثر من 500 مليون، لكن لم يتم التحرك بشأنها.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى