رياضة

كريم بنزيمة المتوج بالكرة الذهبية.. هداف منبوذ يرفض ترديد نشيد فرنسا

عندما تقدم كريم بنزيمة إلى المنصة الشرفية لركح مسرح “شاتليه” في العاصمة الفرنسية باريس لتسلم الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم لسنة 2022، كان الهتاف والتصفيق يعلوان أرجاء القاعة الفاخرة، لكن هذا اللاعب الفرنسي ذا الأصل الجزائري كان يبدو عليه هدوء تغلب عليه الثقة والفخر في آن واحد، فيما بدا لو أنه يستعرض بسرعة شريط الأحداث التي مرت به خلال السنوات الأخيرة بل طوال مسيرته الكروية التي قضى الجزء الأكبر منها في ريال مدريد الإسباني.

ومساء اليوم الاثنين، توج بنزيمة بجائزة الكرة الذهبية التي تمنحها مجلة “فرانس فوتبول” (France Football) سنويا لأفضل لاعب من بين اللاعبين الذين ينشطون بأوروبا متصدرا التصويت على حساب نجوم آخرين يتقدمهم السنغالي ساديو ماني مهاجم بايرن ميونخ الألماني والمصري محمد صلاح هداف ليفربول الإنجليزي والفرنسي كيليان مبابي لاعب باريس سان جيرمان والبرازيلي فينيسيوس جونيور زميل بنزيمة في ريال مدريد.

وعلى عكس السنوات العشر الماضية، التي بدا فيها التنافس محتدما حتى اللحظات الأخيرة في السباق نحو التتويج بأمجد الجوائز الشخصية في كرة القدم، كانت “الكرة الذهبية 2022” واحدة من أكثر النسخ التي غاب عنها التشويق، ذلك أن نجمنا -الذي تكفل بقيادة الريال إلى تتويجات جديدة- تصدر كل نوايا التصويت، وحاز على النسبة الكبرى من الترشيحات ليكون صاحب الكرة الذهبية بنسختها رقم 66 ويخلف الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي غاب عن المرشpين للفوز بالجائزة للمرة الأولى منذ عام 2006.

طريق بنزيمة نحو المجد

وعلى النقيض مما يبدو على شخصيته من الهدوء والخجل، كانت مسيرة بنزيمة مليئة بالمصاعب والعراقيل، بل كانت طريقه نحو أن يصبح أفضل لاعب في العالم متشعبة، إذ كان عليه أن يذلل الكثير من الصعوبات التي واجهته مع ناديه أو بشكل أكبر في منتخب فرنسا.

وتبدو مسيرة هذا النجم، الذي يفخر على الدوام بأصوله الجزائرية والعربية، قصة ملهمة للكثير من الشباب والأطفال في العالم، ونموذجا للقدرة على مواجهة حملات التشكيك التي لم تقتصر على مشجعي ريال، وإنما كذلك من جماهير منتخب “الديوك” حتى أنه قال في أحد تصريحاته ردا على انتقادات مشجعين فرنسيين “حين أسجل للمنتخب أكون فرنسيا، وحين أضيع الأهداف أصبح عربيا” في إشارة إلى ما يعانيه من تحامل عنصري.

رحلة الصعود إلى القمة لم تكن سهلة على الطفل الذي نشأ في ضاحية “برون” إحدى المناطق الشعبية في مدينة ليون، مع والديه “حفيظ” و”مليكة” و7 إخوة وأخوات آخرين، كان بنزيمة سابعهم.

عند بلوغه التاسعة، انضم الفتى المولود في 19 ديسمبر/كانون الأول 1987 إلى براعم نادي “برون تيرايون” لكن سنة 1997 كانت أول منعرج في مشواره الكروي إثر مباراة جمعت فريقه بنادي أولمبيك ليون، وشهدت تألقه بشكل لفت اهتمام مسؤولي النادي الفرنسي الذين قرروا ضمه دون تردد.

وتدرج بنزيمة في الأصناف الناشئة بأولمبيك ليون مقدما عروضا لافتة بين 1997 و2005 تاريخ إمضائه أول عقد احتراف مع النادي مدته 3 سنوات، ولم يكن وقتذاك قد تجاوز سن 17، وحينها كان جون ميشال أولاس رئيس ليون ومن مشاهير الكرة الفرنسية وواحدا ممن حفزوا بنزيمة وآمنوا بقدرته على أن يكون واحدا من أفضل لاعبي العالم خصوصا لما شاهد أرقامه الواعدة حين سجل 12 هدفا في 14 مباراة بقميص الفريق الرديف لليون موسم 2004/2005.

قضى بنزيمة 4 أعوام مع ليون بين 2005 و2009، وهي الفترة التي كانت تشهد سيطرة هي أقرب للاكتساح لنادي ليون على الكرة الفرنسية، وبعد ذلك اختار مغادرة ملعب “جيرلان” نحو مسيرة أرحب بكثير، مسيرة كان عنوانها الأبرز: مجاورة أشهر نجوم كرة القدم على غرار البرازيلي كاكا والبرتغالي كريستيانو رونالدو والإسباني تشابي ألونزو.

لم تكن مسيرة بنزيمة مع أولمبيك ليون طويلة بحساب السنوات، لكن لاعب قلب الهجوم استطاع أن يترك لجماهير النادي ما يغفرون له به خروجه العاجل، فقد سجل 66 هدفا في نحو 140 مباراة كان أولها يوم 15 يناير/كانون الثاني 2005 أمام ميتز.

ومع انطلاق مسيرته في ريال في يوليو/تموز 2009، بدا من الطبيعي أن تنحسر الأضواء عن هذا المهاجم الفرنسي صاحب الـ 21 عاما وبضعة أشهر، فقد استقطب رونالدو كل الأنظار في تلك الصائفة ولم يكن بنزيمة يجد اهتماما كبيرا من جماهير “الملكي” عند تقديمه في ملعب سانتياغو بيرنابو، وهو الذي حل رابعا ضمن صفقات “الميرينغي” بقيمة 35 مليون يورو خلف رونالدو (94 مليونا) وكاكا (65 مليونا) وألونسو (35.4 مليونا).

مواسم الخصب والجدب

لم تكن بدايات بنزيمة في الريال واعدة، كان وجود أيقونة “الملكي” وهدافه التاريخي ذلك الوقت راؤول، والأرجنتيني غونزالو هيغواين، وكان قدوم رونالدو كافيا ليكون غالب الوقت خارج حسابات المدرب مانويل بيليغريني أول موسم له في مدريد، واقتصر حضور بنزيمة أساسيا على 14 مباراة، واكتفى بتسجيل 8 أهداف في وقت أنهى فريقه مشوار الليغا وصيفا لبرشلونة وخرج من دوري أبطال أوروبا أمام أولمبيك ليون.

وقبل انطلاق موسم 2010/2011، والذي شهد وصول المدرب جوزيه مورينو لقيادة “الملكي” قال بنزيمة حينها إنه سيبذل قصارى جهده للتألق في ثاني موسم له بريال الذي طالما اعتبره فريق أحلامه، لكن قدوم المهاجم التوغولي إيمانويل أديبايور حال دونه والبروز من جديد.

وموسم 2011/2012، نجح بنزيمة في تسجيل 21 هدفا بالدوري الإسباني و7 بدوري الأبطال، ثم 24 هدفا كل المسابقات موسم 2013/2014 الذي شهد تتويج الميرينغي بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ عام 2002 أي بعد 12 عاما كاملة.

ورغم انتزاعه مكانا تحت الشمس وسط كوكبة النجوم، ومساهمته في التتويج بعديد الألقاب، تخللت مسيرة بنزيمة مع ريال مواسم الجدب، ومر بفترات صعبة تزامنت مع ابتعاد النادي عن منصة الألقاب المحلية بين عامي 2012 و2017 رغم التتويج بدوري أبطال أوروبا أعوام 2016 و2017 و2018 وكأس العالم للأندية الفترة ذاتها.

كانت سنة 2018 الأصعب على بنزيمة، على المستوى الشخصي، إذ لم يسجل سوى 5 أهداف بالدوري المحلي بجانب 5 أخرى في دوري الأبطال المسابقة التي أحرز “الملكي” لقبها آنذاك للمرة الثالثة تواليا والـ 13 بتاريخه.

كان مصير بنزيمة ذلك الموسم على المحك، وكانت قضية الابتزاز التي تورط فيها ضد زميله بالمنتخب ماتيو فالبوينا قد ألقت بظلالها على مسيرته في ريال مما جعل الانتقادات تنهال عليه في وقت رجحت صحف إسبانية قرب رحيله عن الميرينغي تزامنا مع تداول تقارير إسبانية تؤكد قرب التعاقد مع الإنجليزي هاري كين.

وفي ذلك الوقت خرج اللاعب عن صمته قائلا “أنا موجود في أفضل فريق بالعالم، لدينا مجموعة من اللاعبين الذين يشكلون ركائز المجموعة، نتطلع لتحقيق نتائج باهرة الموسم الجديد”.

وكان النجم ذو الأصول الجزائرية عند وعده لمشجعي الريال، فبعد سنوات طويلة عاش خلالها مع رونالدو، انتفض بنزيمة مثل طائر الفينيق ليحلق عاليا ويصبح الأقرب لقلوب عشاق الميرينغي، إذ تمكن أول موسم بعد “عهد كريستيانو” من تسجيل 21 هدفا في الليغا، كما سجل مثلها الموسم الموالي، قبل أن يحقق 23 هدفا موسم 2020/2021.

وموسم 2021/2022، بلغ بنزيمة ذروة تألقه ونجاعته وكان حضوره بارزا جدا في تتويج ريال بالدوري الإسباني، مسجلا 27 هدفا، لكن الأعظم من ذلك تلك القوة التي ظهرت في أدائه بدوري أبطال أوروبا عندما سجل 15 هدفا ليقود الريال نحو التتويج باللقب للمرة 14 في تاريخ النادي والخامس في سجله الشخصي، بعد مباريات راسخة تألق فيها أمام تشلسي ومانشستر سيتي وليفربول وسان جيرمان.

خرج بنزيمة نهائيا من “جلباب كريستانو” وصنع لنفسه مجدا كبيرا جعل الصحف الفرنسية تهلل لعروضه بعد أن هاجمته طويلا، في وقت كان رئيس الاتحاد الأوروبي ألكسندر تشيفرين يمنحه كل الإشادة بقوله إن بنزيمة “اللاعب الأقل تقديرا واعترافا بمكانته”.

وفي مسيرته مع الريال، سجل بنزيمة 328 هدفا في 615 مباراة، كما توج بـ 23 لقبا ليحتل المركز الثالث في قائمة أكثر اللاعبين تتويجا مع “الملكي” خلف خينتو والبرازيلي مارسيلو.

Liverpool FC v Real Madrid - UEFA Champions League Final 2021/22
بنزيمة يرفع لقب دوري الأبطال للمرة الخامسة في تاريخه (غيتي)

 

بنزيمة لا يردد النشيد الفرنسي

على صعيد المسيرة الدولية، مر بنزيمة بأعوام عاصفة في فرنسا، واعتبر الكثير من الملاحظين أنه ذهب ضحية أصوله الجزائرية والعربية ودفع باهظا ثمن تورطه عام 2015 في قصية ابتزاز زميله بمنتخب الديوك فالبوينا حين طلب منه 150 ألف يورو لقاء عدم نشر فيديو فاضح له.

ولئن تم حفظ تلك القضية بعد الحكم على بنزيمة بالسجن مع تأجيل التنفيذ، فإنها كانت سببا في إقصائه من المنتخب أشهرا قبل استضافة فرنسا كأس أمم أوروبا 2016 حيث رفض المدرب ديدييه ديشامب ضمه للقائمة، وتواصل استبعاد اللاعب عن “الديوك” خلال كأس العالم 2018 الذي توجت بها فرنسا ما اعتبره كثيرون انتصارا ضمنيا لديشامب على بنزيمة.

وقبيل المونديال، قال المدرب “لدي مجموعة متوازنة ومنسجمة مع بعضها، نجحنا بفضلها في الوصول إلى المباراة النهائية ليورو 2016، لدي ثقة باللاعبين الذين يتجاوبون على أرض الملعب، أنا صاحب القرار الوحيد، وقراراتي خلفيتها رياضية”.

لكن سنة 2021، شهدت أوج تألق اللاعب الملقب بـ “الحكومة” ووسط مطالبات من الصحافة الفرنسية بعودته للمنتخب، أعلن ديشامب عودة مهاجم ريال بمناسبة أمم أوروبا، وخاض بنزيمة في 2 يونيو/حزيران 2021 أمام منتخب ويلز أول مباراة له بقميص فرنسا بعد غياب 6 سنوات كاملة.

وفي مسابقة دوري أمم أوروبا 2021، توج منتخب فرنسا باللقب بعد نهائي مثير أمام إسبانيا حسمه الفرنسيون بهدف بنزيمة الذي اختير أفضل لاعب في المسابقة.

ونجح نجم ريال في فرض نفسه بقوة في منتخب فرنسا رغم الحملات المستمرة ضده من قبل شخصيات فرنسية متطرفة اتهمته بأنه لا يردد السلام الوطني، في حين كان اللاعب يقول إنه لا يردده “بسبب مضامين تدعو إلى الحرب”.

وفي مسيرته مع “الديوك” لعب بنزيمة 97 مباراة سجل خلالها 37 هدفا منها 6 موسم 2021/2022 الذي فرض فيه نفسه نجما استحق عن جدارة الكرة الذهبية للمرة الأولى بمسيرته بعد أن كان ضمن المرشحين في 10 مناسبات سابقة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى