الاخبار العاجلةسياسة

بحضور دولي واسع.. هل يغيب سد النهضة عن جدول أعمال مؤتمر القاهرة للمياه؟

القاهرة- بالتزامن مع انعقاد فعاليات مؤتمر أسبوع القاهرة للمياه، بحضور دولي واسع لمعنيين وخبراء بملف المياه والتغيرات المناخية، تثار تساؤلات حول جدوى المؤتمر وانعكاساته على أزمة سد النهضة الإثيوبي، في ضوء فشل أطراف النزاع في التوصل إلى اتفاق قانوني بشأن ملء وتشغيل وإدارة السد، رغم المفاوضات الممتدة منذ أكثر من 10 سنوات.

وينعقد المؤتمر في نسخته الخامسة تحت شعار “المياه في قلب العمل المناخي” خلال الفترة من 16 إلى 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمشاركة ما يزيد على ألف مشارك، يمثلون 16 وفدا وزاريا و54 وفدا رسميا و66 منظمة دولية. ولا يزال الغموض قائما حول مشاركة معنيين وباحثين من إثيوبيا في الحدث الذي تعول عليه مصر في التوصل لحلول مستدامة لإدارة الموارد المائية.

وفي كلمة مسجلة -خلال الجلسة الافتتاحية لفعاليات المؤتمر- شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على التزام بلاده بحل أزمة السد، من خلال اتفاق عادل لجميع الأطراف، داعيًا المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده للتوصل إلى اتفاق بشأن السد المتنازع عليه.

ورغم تراجع الحديث الحكومي والإعلامي مؤخرا بمصر عن ملف السد، فإنها شهدت حراكا لافتا على المستوى الوزاري لتجنب تداعياته المحتملة، كان أبرزها عودة اجتماعات اللجنة الفنية الدائمة لمياه النيل، المكلفة بتنسيق المواقف المصرية السودانية بشأن مياه النهر، وذلك بعد توقف دام 4 سنوات.

واللجنة تشكلت بعد فترة وجيزة من توقيع القاهرة والخرطوم اتفاقية مياه النيل لعام 1959 -التي ترفضها بقية دول حوض النيل- وتشمل الضبط الكامل لمياه النهر بين البلدين، تخصص منها 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اتفق معنيون وخبراء بالموارد المائية والشؤون الأفريقية على وجود انعكاسات إيجابية لمؤتمر المياه الحالي، تعزز من نشاط مصر الدبلوماسي بآليات القوة الناعمة، فيما يتعلق بموقفها بملف السد، إضافة إلى وضع أجندة المياه على رأس أولويات قمة المناخ التي تستضيفها القاهرة الشهر المقبل، لعرض التحديات وحشد التمويل والاستثمارات اللازمة.

أسبوع المياه

يقام مؤتمر أسبوع القاهرة للمياه 2022 تحت شعار “المياه في قلب العمل المناخي” ويهدف لعرض ومناقشة القضايا والسياسات والإستراتيجيات والخطط والتدابير الهامة المتعلقة بتحديات المياه والمناخ.

ويركز المؤتمر على 5 محاور محددة، هي:

  • الأمن المائي وتغير المناخ.
  • حماية مناطق الدلتا.
  • التكيف في مجال المياه في ظل التغيرات المناخية.
  • المياه وتغير المناخ والتعاون المستقبلي.
  • الاستعداد وإدارة الكوارث المتعلقة بالمياه والمناخ.

ويكتسب المؤتمر أهمية إضافية هذا العام كونه بمثابة حدث تحضيري لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي سينعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إضافة إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمياه في مارس/آذار 2023.

ولم تختلف كثيرا جداول أعمال النسخ الأربع الماضية للمؤتمر عن جدول النسخة الخامسة، وإن كان ملف السد قد شهد زخما أكبر خلالها عن النسخة الحالية، ويبدو ذلك مرتبطًا بما يشهده ملف السد من هدوء دبلوماسي وإعلامي ملحوظ، في ضوء مؤشرات ضيق الخيارات في التعاطي مع الأزمة، وحاجة مصر إلى سياسات عملية بديلة على المسارين الفني والدبلوماسي، وفق مراقبين.

وخلال المؤتمر، أطلق وزير الموارد المائية والري هاني سويلم وثيقة “إعلان القاهرة للعمل نحو تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة” كمدخل رئيس لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة والمقرر عقده في نيويورك خلال مارس/آذار 2023.

وتشمل الوثيقة 5 محاور عمل، هي:

  • دعم مناطق ندرة المياه بحالاتها المتنوعة مثل المجتمعات الريفية والمناطق القاحلة وغيرها.
  • التعاون العابر للحدود من خلال برامج بناء القدرات وتبادل الخبرات.
  • تعزيز الترابط بين المياه والمناخ من خلال مبادرة التكيف مع التغيرات المناخية بقطاع المياه.
  • توسيع آلية التمويل الذكي من خلال إعطاء الأولوية للتمويل الدولي الميسر والاستثمارات العامة والخاصة في قطاع المياه، وفي البنية التحتية والخدمات ذات الصلة بالمياه.
  • زيادة الابتكار من أجل الإدارة المستدامة للمياه لتحقيق إدارة أكثر مرونة للمياه، بالتزامن مع تغير المناخ.

انعكاسات المؤتمر

حول جدوى مؤتمر المياه وانعكاساته على ملف السد، تقول أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إن أي تحرك مصري في أي إطار يتعلق بملف السد، وأي مناسبة تنشط فيها الدبلوماسية الرسمية أو العامة بآليات القوة الناعمة، يعد مكسبًا لمصر لأنه يوسع ويعمق المعرفة الدولية بالموقف العادل فيما يتعلق بالحفاظ على حق الشعب المصري في الحياة.

وشددت الطويل -في حديثها للجزيرة نت- على وجود انعكاسات إيجابية للمؤتمر، وأنه يلقى قبولا وصدى دوليا، عبر التواصل مع الأطراف المعنية بقضايا المياه، ليس فقط فيما يتعلق بملف السد بل قضايا المياه التي تعاني منها القارة الأفريقية على وجه خاص، وبما يؤطر لتفاهم دولي يجنب الصراع، بسبب شح موارد المياه، وإيجاد سياقات تعاونية تحقق مصالح الجميع.

وبشكل خاص، بحسب الطويل، فإن مؤتمر المياه يوضح وجهة النظر المصرية فيما يتعلق بموقفها من ملف السد الإثيوبي، وتعاونها مع الدول الأفريقية فيما يتعلق بالاستفادة من الموارد المائية، خصوصًا في ضوء تجاربها في بناء السدود بالقارة، كما جرى في السد الرئيسي “جوليوس نيريري” في تنزانيا.

وفي وقت استنكرت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات “الغياب الإثيوبي الدائم” عن الفعاليات الدولية والإقليمية التي ترعاها مصر، أكدت أن بلادها منفتحة على التعاون مع أديس أبابا، تحت مظلة اتفاق قانوني ملزم، يجنب إيجاد صراعات حول ملف السد.

عرض التجارب

ومتفقا مع الطرح السابق، يشير أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة نادر نور الدين إلى ضرورة استثمار الأبحاث المعروضة خلال فعاليات أسبوع للمياه، موضحًا أن مثل هذه المؤتمرات تعضد الموقف المصري، كونها تطرح رؤية باحثين وخبراء مستقلين ومحايدين إلى جانب الرؤية المصرية، بما يفند الرؤية الإثيوبية حول إدارة وتشغيل السد، خاصة سنوات الجفاف.

وبخلاف ملف السد، أشار نور الدين -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن المؤتمر يمثل فرصة لعرض تجارب علاقة المياه بالتغيرات المناخية، الأمن المائي، التدهور البيئي، الوصول إلى توصيات علمية حول آخر تطورات وحلول مشاكل الأنهار العابرة للحدود، إضافة إلى عرض مشاكل الدول الأفريقية في ملفي المياه والأمن الغذائي.

وأوضح أن أجندة المؤتمر ستشهد فعاليات تحاكي الأسبوع العالمي للمياه، الذي تنظمه السويد سنويًا، مشيدًا بدور بلاده عبر المؤتمر الحالي، في جذب علماء ومتخصصين من كل دول العالم، في ملفي المياه والمناخ.

وعن الحضور الإثيوبي في المؤتمر من عدمه، أوضح الأكاديمي المصري أن أديس أبابا غير ممنوعة من الحضور باعتباره مؤتمرًا عالميًا للمياه وليس سد النهضة.

وفي سياق غير بعيد، استنكر نور الدين الإصرار الإثيوبي في اختزال رعاية مفاوضات ملف السد على الاتحاد الأفريقي وحده، ورفض مقترحات مشاركة أطراف دولية، في مسعاها لخرق القانون الدولي للمياه العابرة للحدود، وتفريغ بنود إعلان المبادئ (وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015) التي تقر اللجوء للوساطة الدولية إذا اختلف جميع الأطراف، وفق قوله.

وأضاف أن التعنت الإثيوبي دفع بلاده والسودان إلى إعادة تفعيل عمل هيئة مياه النيل بين البلدين، بعد سنوات من توتر الموقف السوداني بعد سقوط نظام عمر البشير، معتبرًا أن الأخير كان منحازا للموقف الإثيوبي، وسببًا رئيسيًا في ممارسة ضغوط على مصر للموافقة على التوقيع على إعلان المبادئ، دون الاتفاق الكامل على كل الشروط.

ويرى نور الدين أن الهيئة كان لزاما أن تعاود انعقادها من جديد، لتجنب سيناريوهات نقص الحصص المائية من مياه النيل، بعد اكتمال السد. إضافة إلى اتباع الجانب الإثيوبي الحلول الانفرادية حتى الآن، وفق قوله.

غياب ملف السد

وعن موقع ملف السد من مؤتمر المياه، تشير الصحفية أميرة سيد زميلة الإعلام بالاتحاد الأفريقي (مقره أديس أبابا) ومسؤولة ملف البيئة والتنمية المستدامة بالزمالة إلى أنه غير مطروح على جدول أعمال المؤتمر.

وأوضحت أن حديث الرئيس عن السد بافتتاحية المؤتمر، جاء في إطار عرض التحديات المائية التي تواجهها بلاده، مشيرة إلى أن أسبوع المياه فرصة للتشاور من الناحية الفنية، مع تمسك والتزام بلادها بالمسار الدبلوماسي حتى النهاية.

وقالت الصحفية -للجزيرة نت- إن النسخة الخامسة تركز بشكل رئيسي على مساعي مصر من الاستفادة من مؤتمر المناخ الدولي القادم، ووضع أجندة المياه على رأس أولويات القمة من أجل شقين: الأول عرض التحديات، والثاني حشد التمويل والاستثمارات اللازمة.

واتفقت مع نور الدين والطويل على أن مصر لم تستثنِ أحدًا من المشاركة في أسبوع المياه، مشيرة إلى أنه لا يبدو حتى الآن أي حضور إثيوبي في فعاليات المؤتمر.

أما عن الرؤية الإثيوبية، لملف السد والمساعي المصرية لوضعه على طاولة المعنيين الدوليين بملف المياه، فأوضحت أن أديس أبابا تلتزم بالتمسك بالحلول الأفريقية لأزمات ومشكلات القارة، وبالتالي التعويل على الاتحاد الأفريقي وحده باعتباره مسؤولا عن الوساطة والمفاوضات بملف السد، دون اللجوء لحلول أخرى.

واستبعدت زميلة الإعلام بالاتحاد الأفريقي وجود تأثير وارتباط بين وجود مقر الاتحاد في أديس أبابا، وإصرار الأخيرة على إدارة ملف المفاوضات عبره، مضيفة أن الجانب الإثيوبي يرى أنه يسعى إلى تحقيق أهداف تنموية من خلال السد، ولا يرى أن لديه مشكلة مع مصر.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى