400 عشاوئية في البلاد.. كيف يعيش النازحون العراقيون؟
لا يزال آلاف النازحين العراقيين يعيشون وسط ظروف مأساوية في مخيمات متهالكة، واضطر الكثير منهم للانتقال إلى مواقع عشوائية غير مرخصة بعد إغلاق مخيماتهم الأصلية.
وكشفت منظمة الهجرة الدولية مطلع الشهر الجاري عن وجود أكثر من 400 موقع غير رسمي للنازحين، تضم 14 ألف عائلة في العراق، ويشير تقرير المنظمة إلى وجود عوائق تمنع عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.
المواقع العشوائية
وبحسب الأرقام الرسمية، فإن هناك ما يقارب مليونا و200 ألف نازح ما زالوا خارج مناطقهم الأصلية، منهم 25% تقريبا في المخيمات الرسمية، في حين يقطن الباقي خارج إطار المخيمات الرسمية، وفق العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان الدكتور علي البياتي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعزو البياتي الوجود في مواقع غير رسمية إلى قيام وزارة الهجرة بإلغاء أو رفع الصفة الرسمية عن كثير من المخيمات، على الرغم من بقائها، وعلى الرغم من امتناع أهاليها عن العودة لأسباب عديدة.
ويلفت إلى وجود الكثير من عائلات النازحين في هياكل وبنايات ومواقع لم تدخل ضمن قاعدة بيانات وزارة الهجرة، ولم تكن أيضا تحمل صفة المخيمات الرسمية، وبالتالي لا تحصل على المساعدات والمتطلبات الضرورية التي تقدمها وزارة الهجرة.
وشدد البياتي على أهمية قيام الجهات الحكومية المختصة بوضع خطة حقيقية لإعادة هؤلاء النازحين بشكل طوعي، وكان من المفترض إيجاد مساع وطنية بإشراك جميع المؤسسات الأمنية والخدمية بالتعاون مع المنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لإعادة الحياة في المناطق، وجذب النازحين للعودة.
ويعتقد البياتي أن عدم وجود مشاريع حقيقية للمصالحة وغياب دور العدالة الانتقالية قد يدفعان النازحين للتخوف وعدم العودة، بالإضافة إلى تردي الجانب الخدمي ووجود الألغام والمخلفات الحربية، مما يُصعب عودة العائلات النازحة.
إنجاز مزيف
ويرى الكاتب والصحفي وقاص القاضي أن حكومة مصطفى الكاظمي حاولت تسجيل ما وصفته منظمات حقوقية بأنه “نصر مزيف” عبر غلق مخيمات النازحين بشكل قسري من دون توفير سبل العودة الطوعية لهم، وإنْ كان الثمن تشريد آلاف العائلات في العراء.
ويضيف للجزيرة نت أن الإجراء الحكومي أثار استنكار مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتلجأ الحكومة بعد ذلك لإجراء آخر يبعد عنها الشبهات عبر استغلال الفقر المدقع للنازحين، إذ ساومتهم لترك المخيمات مقابل تسلمهم مبلغ 1.5 مليون دينار (نحو 1000 دولار)، لتعلن وزارة الهجرة بعد ذلك أن المخيمات المتبقية عشوائية وغير رسمية، ولتتنصل من مسؤولية تقديم المساعدات الإغاثية للمهجرين فيها.
ويتابع “كما وصفت من اختار البقاء داخل المخيمات بأنه مطلوب عشائريا بسبب تهمة انتماء أحد أفراد عائلتهم للتنظيمات الإرهابية، وهي تهم كيدية يمكن تمريرها في ظل غياب المساءلة والإفلات من العقاب، ولتضليل الرأي العام بشأن حقيقة مفادها منع الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق عدة المهجرين من العودة لمدنهم”.
ويكشف القاضي وجود مئات آلاف النازحين المبعدين عن مدنهم حتى اللحظة، ومن هذه المناطق جرف الصخر في بابل، والعويسات في الأنبار، والعوجة وعزيز بلد وقرى مكحول وناحية يثرب في صلاح الدين، والسعدية وقرى المقدادية في ديالى، وذراع دجلة والثرثار بين الأنبار وصلاح الدين، وزمار وسايلوات ربيعة في نينوى، في حين تؤكد مصادر حكومية أن أكثر من 80% من البنى التحتية وأبنية المدينة القديمة في الموصل ما زالت مدمرة.
ويشير إلى أن الملف الأبرز هو مصادرة الحكومة حق المواطنة لنحو مليون نازح عبر عرقلة تزويدهم بالأوراق الثبوتية التي فقدوها إبان العمليات العسكرية، وهو ما يعتبر “جريمة ضد الإنسانية”.
مخيمات بزيبز
وقامت الجزيرة نت بجولة ميدانية في مخيمات بزيبز، وهي إحدى تجمعات النازحين العشوائية الواقعة بين حدود محافظات بغداد وبابل والأنبار، والتي تضم أكثر من 1080 عائلة، أي ما يقارب 7 آلاف نازح، معظمهم من جرف الصخر ومناطق أخرى في بابل وغرب الأنبار.
ويبيّن الناشط الإغاثي أركان الراوي أن النازحين يفتقرون لأبسط الاحتياجات الأساسية من المياه والملابس والمواد الغذائية والأدوية ومواد التنظيف والوقود ووسائل التدفئة وغيرها.
ويؤكد للجزيرة نت أن سكان هذا المخيم لم يتذوقوا اللحوم الحمراء منذ شهور طويلة، كما توجد أكثر من 300 خيمة تالفة ومليئة بالثقوب التي تدخل منها الأمطار ولا تمنع البرد خلال الشتاء.
ويكشف الراوي عن استعدادات حثيثة قام بها متطوعون لافتتاح مجمع الأمل غرب الأنبار والذي يضم 12 دارا، بانتظار بعض المانحين والمتبرعين لإكمال بقية الدور المخصصة للنازحات الأرامل اللاتي بلا معيل.
ويروي الناشط الإغاثي أن فكرة مجمع الأمل بدأت عندما وجدوا أرملة نازحة تبكي لعدم امتلاكها مسكنا يؤويها وأيتامها، وهي واحدة من عشرات القصص المؤلمة.
ويشير الراوي إلى أن منظمات الإغاثة الدولية قامت بجهود كبيرة لإغاثة النازحين، وترك انسحابها فجوة كبيرة جدا في هذا المجال.
استمرار النزوح
ويعيش ما تبقى من النازحين في ظروف صعبة ولم يتسلموا أي مساعدات غذائية منذ شهر مارس/آذار الماضي، وفق الإداري في مخيمات بزيبز خضير أحمد.
ويوضّح أحمد للجزيرة نت أن مخيماتهم صارت غير رسمية منذ عام 2018 عندما ألغت الحكومة مخيمات بزيبز للنازحين.
ويلفت إلى أن بعض النازحين يفضلوا العيش في مواقع عشوائية في مناطق مجاورة للمخيمات الرسمية، لأسباب تتعلق بالتقاليد لأنهم يعتبرون وجودهم في المخيمات فيه نوع من العار حسب تصورهم، لذا تحولت هذه المواقع غير الرسمية إلى تكتلات سكانية من الأقارب تضم كل منها نحو 10 عائلات.
ويستبعد أحمد وجود أمل بعودة قريبة لهؤلاء النازحين بسبب تجاهل الحكومة لقضيتهم، ولوجود أسباب كثيرة تمنع عودتهم.