الاخبار العاجلةسياسة

متى تتوقف ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية بمصر؟

القاهرة ـ مع توتر الأعصاب والخوف على حياة المريض وأحيانا بسبب ضعف الخدمات، تشهد مستشفيات مصرية وقائع اعتداء من ذوي المرضى على الطواقم الطبية، وهو ما دفع نقابتي الأطباء والتمريض إلى مناشدة السلطات بضرورة التدخل عبر قوانين مشددة وتوفير الأمن داخل أماكن العمل.

ولم تكن واقعة الاعتداء على الطاقم الطبي بمستشفى قويسنا شمال القاهرة هي الأولى، فطوال ربع قرن من عملها بالتمريض، شهدت هناء وتعرضت لعشرات الاعتداءات اللفظية والبدنية، الناجمة عن “اعتقاد مرافقي المريض أن حالته تدهورت أو توفي بإهمال”.

توضح هناء في حديثها للجزيرة نت أن الأزمات تنتهي غالبا بضغوط للتصالح، إما “بالتهديد بعمل محضر شرطي مضاد للمحضر المقام من الطاقم الطبي المعتدى عليه”، أو بنوع من الابتزاز الإنساني لأن المعتدين كانوا متأثرين لمصابهم.

وتجددت مطالب طواقم التمريض والأطباء بحمايتهم من اعتداءات متكررة، آخرها واقعة اعتداء أسرة مريضة على ممرضات، في قسم النساء بمستشفى قويسنا بالمنوفية شمالا، حيث توقف متابعون عند مشهد جلد الممرضات بسوط من قبل سيدة في أسرة ضابط جيش، هو زوج المريضة، الذي شارك بدوره في ضرب الممرضات بواقعة قويسنا.

تعتبر هناء الاعتداء الأخير دالاًّ على “مدى الهوان الذي لحق بهن”، وتعترف في الوقت نفسه بـ”قصور الخدمات الطبية الذي تدفع ثمنه الممرضات تحديدا، لأنهن بمواجهة مباشرة مع مرافقي المريض، الذين لا يقدرون انخفاض الإمكانات ونقص التجهيزات بالمستشفيات الحكومية”.

وأعلن وزير الصحة خالد عبد الغفار ـخلال زيارته للمستشفى عقب الواقعةـ عدم التفريط في حق العاملين، مؤكدا في بيان، اتخاذ كافة الإجراءات القانونية للحفاظ على كرامة وسلامة مقدمي الخدمات الصحية، وهو ما أعلنته نقابة التمريض أيضا. كما التقى نقيب الأطباء حسين خيري وزير الصحة عقب زيارته للمستشفى معلنا دعم مجلس النقابة لممرضات وعاملات المستشفى.

وأعلنت النيابة العامة حبس المعتدين لكنها أكدت أن التحقيق مع ضابط الجيش من اختصاص النيابة العسكرية فقط.

اعتداءات معتادة

لم تعد وقائع الاشتباك مع العاملين بالمستشفيات والاعتداء على المنشآت الصحية مثيرة للانتباه من فرط تكرارها، بحسب متابعين، غير أن الأمر كان أكثر حساسية هذه المرة، لوجود ضابط الجيش في الواقعة. وبلغ صدى الواقعة حد قيام المتحدث العسكري للقوات المسلحة بإصدار بيان يؤكد متابعة الجيش للتحقيقات دون أن يفصح عن المزيد.

بالتوازي مع التحقيقات الجارية التي لم يستدعين لها بعد، حظيت الممرضات بتعاطف هائل، ربما كان الأكبر منذ بروز ظواهر الاعتداء على الممرضات عموما، بحسب مراقبين.

في حالات مماثلة سابقة، كان التعاطف موزعا على الممرضات أو على ذوي المرضى، وخاصة حينما تلتبس الواقعة بإهمال طبي فادح. بدورها نفت نقابة أطباء المنوفية، في بيان لها، “إهمال الطاقم الطبي تجاه المريضة” وأكد البيان أن النقابة تتابع تداعيات حادث الاعتداء بمستشفى قويسنا.

لم تمر أيام على الواقعة، حتى وقعت أخرى شبيهة اكتفى فاعلها بسبّ إدارة مستشفى بلقاس بالدقهلية شمالا. وأعلن نقيب الأطباء في المحافظة أسامة الشحات، في بيان، نجاح الأجهزة الأمنية في القبض على الفاعل.

54 ألف قضية سنويا

الواقعتان الأخيرتان، تأتيان ضمن أكثر من 54 ألف قضية سنويا يجري تحريرها تخص قطاع الصحة، بحسب عضو مجلس إدارة نقابة الأطباء إبراهيم الزيات في تصريحات صحفية.

ولم تزل ذاكرة الأطباء تحتفظ بواحدة من أبرز قضايا الاعتداء عليهم، التي وقعت في ختام عام 2015.

تفاصيل الاعتداء ـوفق بيان لنقابة الأطباء وقتهاـ جرت حينما رفض الطبيب أحمد محمود بقسم الجراحة، إثبات إصابات غير حقيقية في جسد أمين شرطة دخل مصابا وطلب تقريرا محددا بحالته، فقام أمين الشرطة بالاعتداء عليه وعلى زميله بمعاونة أمين شرطة آخر، قبل أن يقتاداهما لقسم شرطة المطرية.

وتصاعدت الأزمة بين الأطباء والداخلية إثر تمسك كل طرف بموقفه، وعقدت الأطباء جمعية عمومية حاشدة للمطالبة بعقاب أميني الشرطة، فيما استدعت النيابة نقيب الأطباء وأمين النقابة منى مينا للتحقيق، قبل أن يتنازل الطبيبان المعتدى عليهما فجأة عن البلاغ ضد أميني الشرطة، معتذرين لزملائهما باختفاء تسجيل وثق الاعتداء عليهما، كان الضمان الوحيد لحقهما.

يتذكر “نبيل شحاته” هذه الواقعة جيدا حينما تسلم عمله طبيبا بمستشفى بالقاهرة، معتبرا ـ في حديثه للجزيرة نت ـ أن ضحايا الواقعة الأخيرة محظوظات لتصويرها وإثبات حقهن، فيما لا يتوافر ذلك الحظ الجيد لمئات من الأطباء والممرضات يتعرضون لعنف يومي.

اقرأ ايضاً
قصف إسرائيلي لمنزل عائلة البيومي في مخيم النصيرات
د. خالد سمير أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس (مواقع التواصل)

الإشكالية في التطبيق وليس القانون

في هذا السياق، يؤكد أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس خالد سمير أن أزمة استمرار الاعتداء على المنشآت الطبية والعاملين فيها، ليست مشكلة قانون، فالقوانين الموجودة رادعة لو طُبقت،، لكنها مشكلة “إرادة سياسية ومجتمعية في تطبيق القانون”، بحسب وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت سمير إلى أن العقوبات الموجودة في القانون الحالي تصل أحيانا إلى السجن المؤبد والإعدام وتتيح المحاكمة العسكرية للمعتدين، ولو طبقت لتوقفت فورًا تلك الظاهرة.

السيناريو المعتاد للالتفاف على القانون والإفلات من العقوبات، يصفه سمير قائلا إن الاعتداءات تقع، ثم يدعي المعتدون أنهم هم من وقع الاعتداء عليهم، وتسجل الشرطة المحاضر، لتعتبر النيابة أنها محض مشاجرة، وعادة ما تتم المساواة بين الفرق الطبية والمعتدين في المعاملة أثناء النقل أو الحبس في انتظار العرض على النيابة أو بعده.

وأوضح أن أكثر من 95%؜ من الاعتداءات الواقعة على طواقم المستشفيات، لا تصل أصلا إلى مرحلة النيابة، نتاج ضغوط على المعتدى عليهم للتنازل تجنبا للمتاعب في الأقسام الشرطية والنيابات، وما يصل إلى القضاء قد يحكم فيه بأحكام مقبولة في أول درجة، إلا أن كثيرًا من تلك الأحكام يتم إيقافها أو تخفيفها في الاستئناف.

وأشار إلى أن حيثيات الأحكام تتضمن عبارات مثل تقدير المحكمة للظروف والضغوط النفسية التي كان عليها أهل المريض أو المتوفى.

المشكلة الأساسية إذن ليست في العقوبات وإنما في “ثقافة تهوين الاعتداءات والمساواة بين الجناة والضحايا وعدم الاعتبار لحرمة المستشفيات ومساواة الاعتداءات التي تقع فيها بالمشاجرات التي تحدث في الشارع”، بحسب الطبيب خالد سمير، وما يجري هو “أحد أسباب عزوف الطواقم الطبية عن العمل في المستشفيات العامة التي تقع فيها معظم الاعتداءات”.

مجدي مرشد
البرلماني مجدي مرشد رئيس قسم طب وجراحة العيون جامعة 6 أكتوبر (مواقع التواصل)

تدخل برلماني

على مدار عدة سنوات مضت جرى تداول أهمية تشريع قانون للمسؤولية الطبية، يحمي حقوق العاملين في المجال الصحي والمرضى معا.

وتقدم البرلماني مجدي مرشد، حينما كان رئيسا للجنة الصحة بمجلس النواب عام 2016، بمشروع قانون نوقش باللجنة، جرى التوافق عليه بين أعضائها، ولكنه تعطل بعد طلب وزارة العدل إجراء تعديلات عليه. ثم تقدم البرلماني أيمن أبو العلا مؤخرا بقانون لضبط الأمور في المجال لصالح مقدم الخدمة الطبية ومتلقيها معا.

في حديثه للجزيرة نت، يؤكد البرلماني مجدي مرشد أن قانون المسؤولية الطبية منصف للفرق الطبية وللمريض على حد سواء.

وحذر مرشد من الأثر السلبي للاعتداءات على الطواقم الطبية في زيادة معدلات هروب الأطباء، بما يضاعف العجز الكبير في المستشفيات، ويزيد معاناة المواطن من انعدام خدمة طبية كافية وجيدة.

وعدد المتحدث وسائل وقف هذه الظاهرة، ومنها تغليظ عقوبة الاعتداء على المؤسسات الصحية والفرق الطبية، وتجريمه تماما، وإنهاء العلاقة المباشرة ما بين الطبيب وجيب المريض، مع تقنين هذه العلاقة من حيث تسعير الخدمة المقدمة والجهة التي تقدمها، دون الاحتكاك المباشر ماديا مع الطبيب.

علاوة على ذلك، يضيف، ينبغي نقل صورة حقيقية وجيدة عن الأطباء والفرق الطبية بوسائل الإعلام، تسهم في خلق صورة جمعية طيبة عن الطب ومقدميه، ليعرف كل مواطن مدى احتياجه للآخر ويتقبله.

هجرة الأطباء

حديث البرلماني المصري عن تزايد هجرة الأطباء، لم يكن بسبب الاعتداءات فقط، لكن بجانب عوامل أخرى منها قصور المستلزمات الطبية وضعف المقابل المادي، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن عدم قدرة الدولة على دفع رواتب مناسبة للأطباء مما دفعهم للهجرة.

وبحسب بيانات رسمية، استقال نحو 18 ألف طبيب منذ عام 2016، ليشهد عام 2021، ذروة الاستقالات بنحو 4127 طبيبًا، بمعدل استقالة 11 طبيبًا يوميًّا، وفقًا للأمين العام المساعد لنقابة أطباء مصر أحمد حسين في تصريحات صحفية.

ودعا الأمر البرلماني محمود قاسم لمطالبة الحكومة بالتدخل لحل تلك الأزمة والتصدي لها بحلول عاجلة، لافتا في طلب إحاطة إلى ما سببته هجرة الأطباء من نقص في بعض المستشفيات والوحدات الصحية.

يستدل قاسم بدراسة أجراها المكتب الفني لوزارة الصحة والمجلس الأعلى للجامعات، أكدت أن عدد الأطباء البشريين المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء، باستثناء المحالين للمعاش، يبلغ حوالي 212 ألفا و835 طبيبا يعمل منهم حوالي 82 ألف طبيب فقط في جميع قطاعات الصحة بنسبة 38%.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى