استهداف متظاهرين بذي قار.. هل تعود الاحتجاجات إلى الشارع العراقي؟
على مدى الأيام الثلاثة الماضية، شهدت مدينة الناصرية (450 كلم جنوب العاصمة العراقية بغداد) تصاعدا في وتيرة الاحتجاجات والصدامات بين متظاهرين وقوات الأمن، نتج عنه قتلى وجرحى، وهو ما يعيد المدينة إلى واجهة الأحداث.
ونقلت وسائل إعلام محلية أن الأربعاء الماضي 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 كان داميا، إذ خرجت مسيرة احتجاجية لجرحى مظاهرات تشرين مطالبة بالتعويضات، ومنددة بما حصل للناشط حيدر الزيدي الذي حكم عليه بالسجن 3 سنوات نتيجة انتقاده الحشد الشعبي، إلا أن قوات الأمن واجهت المتظاهرين ووقعت اشتباكات بين الطرفين بدأت بالحجارة وتطورت إلى إطلاق النار.
وسرعان ما تطورت الأحداث إلى صدامات مباشرة بين قوات الجيش والتدخل السريع (سوات) من جهة، والمتظاهرين من جهة أخرى، واستمرت المواجهات 3 ساعات، وأسفرت عن مقتل 2 من المتظاهرين، وإصابة 16 آخرين من الطرفين.
تأجيج وصدام
وسرعان ما نددت الحكومة الاتحادية ببغداد بما حصل من قمع للمتظاهرين، إلا أن الناشط في المظاهرات مصطفى العبودي أوضح -للجزيرة نت- أن ما حدث أشعل فتيل الغضب لدى الشباب في الناصرية الذين توعدوا بأيام غاضبة في حال لم يتم التحقيق فيما حدث.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعلق العبودي “هناك أزمة حقيقية في المحافظة، ما حدث لا يتعلق بالمطالب التي خرج من أجلها الشباب، هناك سبب أقوى، هناك من يرغب في حرق المدينة حتى لا تكون هناك تغييرات سياسية فيها، خاصة أن هناك أخبارا متداولة لتغيير المحافظ. الإطار لا يرغب باستمرار المحافظ الحالي في منصبه، الرجل مقرب من تشرين والتيار الصدري وهذا لا يتطابق مع أهدافهم وأفكارهم”.
وعن السبب الرئيس لما تشهده المدينة، أوضح العبودي أن “مشكلة تحالف الإطار التنسيقي بالدرجة الأساس تتمثل بكيفية قص أذرع التيار الصدري الذي هيمن على المؤسسات في فترة عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، الآن يحاول أن يزجّ بأتباعه في بعض المناصب، لكن يبدو أن التحديات غير متوقعة فيما يخص تغيير المحافظين، هناك من يلعب بالنار ويحاول إعادة الاحتجاجات مرة أخرى للشارع عبر مدينة الناصرية”.
وكان الثلاثاء الماضي 6 ديسمبر/كانون الأول قد شهد تصعيدا احتجاجيا بمركز مدينة الناصرية، حيث وقعت صدامات بين محتجين وقوات من الأفواج التابعة لقيادة شرطة ذي قار، إلا أن هذه الصدامات لم تشهد اشتباكات مباشرة، ولم ينتج عنها جرحى كما حصل في اليوم التالي.
لماذا تجددت الاحتجاجات؟
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى السعيدي إن مشهد الاحتجاجات لم يغب عن الناصرية منذ عام 2019، إذ لا يمر أسبوع إلا وتشهد المدينة مظاهرة ذات أبعاد خدمية أو مطلبية تتعلق بالخريجين المطالبين بالوظائف، فضلا عن خروج مظاهرات بين الفينة والأخرى لمتظاهري تشرين وذوي الضحايا وهو ما يتطور في بعض الأحيان إلى مواجهات مع قوات الأمن.
وعن سبب الاحتجاجات الأخيرة، يرى السعيدي أن التصعيد يتزامن مع كل دعوى أو تسريبات سياسية لإقالة المحافظ أو قائد الشرطة، معلقا “قبل ما يقارب الشهرين، حينما تسربت معلومات عن تغييرات مرتقبة في المحافظة، خرج محتجون وحاولوا إحراق مبنى ديوان المحافظة وسقط عدد من الجرحى بين القوات الأمنية والمتظاهرين”.
ويرى ناشطون من الناصرية أن ما يحدث يمكن إرجاعه إلى أن الكتلة الصدرية كانت قد أسهمت بتنصيب المحافظ الحالي محمد الغزي في ديسمبر/كانون الأول 2021، وبموافقة حراك تشرين، إلا أن ما حدث لم يعجب كتلا سياسية أخرى، وهو ما بدا واضحا من خلال محاولة حكومة محمد شياع السوداني تغيير كثير من المحافظين.
ردود أفعال
بعد ساعات قليلة على أحداث الناصرية، وجّه السوداني بإرسال لجنة أمنية عليا إلى محافظة ذي قار للتحقيق في سقوط ضحايا من المتظاهرين، ثم ما لبثت وزارة الداخلية أن أعلنت بعدها تعيين العميد مكي شناع قائدا لشرطة ذي قار مكان الفريق الركن سعد حربية.
وخلال تشييع جثامين ضحايا مظاهرات مساء الأربعاء، أقدم عدد من المتظاهرين على الاعتداء على بعض نقاط ودوريات الشرطة في مدينة الناصرية. ونتيجة لذلك، أعلن محافظ ذي قار محمد الغزي تعطيل الدوام الرسمي ليوم الخميس حدادا على أرواح الضحايا الذين سقطوا.
ولكن مصدرا حكوميا مقربا من المحافظ، فضل عدم الكشف عن هويته، كشف للجزيرة نت أن تعطيل الدوام الخميس جاء للتخفيف من حدة الاحتجاج والاحتقان الذي قد يحصل بين القوات الأمنية والمتظاهرين في محاولة لتجنب سقوط ضحايا، ولا سيما أن موقع الصدامات كان قريبا من مدارس حكومية، وهو ما زاد الخشية من تعرض الطلاب للضرب أو إطلاقات نارية.
تجدد التصعيد
لم تنته المظاهرات بتعطيل الدوام الرسمي، إذ تجددت الاحتجاجات الخميس الماضي 8 ديسمبر/كانون الأول، وقطع المحتجون بعض الطرق الرئيسة والجسور المهمة مع إحراق الإطارات وسط الشوارع، حيث انسحبت قوات مكافحة الشغب والشرطة المحلية المساندة من موقع المحتجين خشية وقوع صدامات.
ونقلت تقارير صحفية من داخل الناصرية عن استمرار المظاهرات حتى المساء، حيث تحرك المحتجون تجاه ديوان المحافظة تمهيدا لحرقه، لكنهم اصطدموا بحمايات المبنى، ثم بدأت المناوشات بالحجارة بين الطرفين، حيث أقدم أحد المحتجين على دهس عنصر أمني بدراجته النارية.
بعد ذلك توجه المحتجون نحو بهو بلدية الناصرية، وهو أحد أقدم الأماكن في المدينة، وأضرموا النيران في أجزاء منه، على الرغم من وجود لجنة الأمن والدفاع النيابية وسط المدينة في أحد المستشفيات لتفقد جرحى أحداث يوم الأربعاء.
لا تسامح
وأكد محافظ ذي قار محمد الغزي أن حكومته المحلية لن تتسامح مع المتورطين في أعمال العنف التي شهدتها الناصرية مساء الأربعاء أيًّا كانوا، وأنها ستعمل مع اللجنة الأمنية العليا التي كلفتها الحكومة الاتحادية في بغداد للتحقيق في الأحداث وإعلان النتائج في غضون 48 ساعة.
ولفت الغزي إلى أن “التحقيق سيوضح من هي الجهة التي أطلقت النار، وسيعمل على محاسبتها حسابا عسيرا، فضلا عن محاسبة المتسببين بالفوضى، ومن يقف خلفهم، ومن يستخدم الشباب ومطالبهم لتمرير مصالحه الرخيصة”، حسب تعبيره.
ويُتوقع إعلان نتائج التحقيق في أحداث الناصرية من قبل اللجنة المشكلة من عضوية نائبين عن حركة “امتداد”، حسب تأكيدات الجهات الأمنية في محافظة ذي قار.
وتشكل أحداث الناصرية وسقوط قتلى وجرحى خلالها أولى التحديات أمام حكومة السوداني، التي تسعى جاهدة لتغييرات سياسية وإدارية في المدينة التي أقدمت على حرق مقار كل الأحزاب في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019.