مع محاولات كييف نقل المعركة إلى أراضيها.. هل ستلجأ موسكو للنووي التكتيكي؟
موسكو- على وقع مواصلة القوات الأوكرانية استهداف المناطق الحدودية مع روسيا بالمسيّرات والقذائف المدفعية، سارعت السلطات الروسية لاتخاذ خطوات احترازية لضمان أمن تلك المناطق التي أصبحت أكثر من أي وقت مضى في مرمى النيران الأوكرانية.
وتضمنت الإجراءات فتح ملاجئ للحماية من القصف، وتشكيل وحدات شعبية للدفاع من السكان المحليين، وكذلك تمديد المستوى “الأصفر” لـ”التهديدات الإرهابية” حتى 21 من ديسمبر/كانون الأول الحالي.
يأتي ذلك بينما تواصل القوات الأوكرانية رفع وتيرة استهدافها لمواقع داخل الأراضي الروسية، كان أبرزها استهداف مطارين عسكريين في منطقتي ريزان وساراتوف قبل أيام، بطائرات من دون طيار في المطارات، قبل إسقاطها بواسطة أنظمة الدفاع الجوي، لكن انفجارها وسقوطها على أرض المطار أدى -حسب وزارة الدفاع الروسية- إلى مقتل 3 عسكريين روس.
خطوط تماس
ولكن كان لمقاطعة بلغورود، التي تبعد نحو 40 كم عن الحدود مع أوكرانيا، نصيب الأسد من عمليات القصف الأوكرانية، التي أدت -من بين أمور أخرى- إلى اندلاع حرائق في مناطق مختلفة في المقاطعة، إضافة إلى القصف الذي تعرض له مستشفى لقدامى المحاربين في شيبيكينو، حيث يعالج كبار السن، لكن من دون وقوع إصابات.
فضلا عن ذلك، شهدت المقاطعة حدوث حالات خلل في سلسلة إمداد بعض المناطق السكانية بالخبز، وتخريب عدد من خطوط إمداد الكهرباء، حسب المصادر الرسمية.
بموازاة ذلك، تناقلت وسائل إعلام روسية أنباء عن مواصلة مجموعة “فاغنر” تنفيذ برامج تدريبية للوحدات القتالية والسكان في كل من كورسك وبلغورود، واستكمال عدة مئات من الأشخاص للدورات التدريبية، قبل أن يقوم رئيس المجموعة يفغيني بريغوجين بنفي هذه المعلومات، وتوضيح أنه قد يكون هناك ضباط سابقون من “فاغنر” في منطقة بلغورود، لكن لا علاقة لهم ببرامج تدريبات المجموعة.
داخل العمق الروسي
وقادت هذه التطورات إلى سلسلة من التحليلات العسكرية والسياسية، أشارت العديد منها إلى نية خصوم روسيا في الحرب مع أوكرانيا نقل العمليات العسكرية إلى داخل الأراضي الروسية.
ويؤكد الخبير الإستراتيجي رولاند بيجاموف أن الضربات الأوكرانية الأخيرة التي استهدفت المناطق الروسية الحدودية تشير إلى محاولات للتمهيد لنقل العمليات العسكرية إلى داخل الأراضي الروسية، وهو ما يفسر -برأيه- حالة “الاستنفار” التي تمثلت في إجراءات حماية المدنيين في تلك المناطق، والاستعدادات العسكرية داخل تلك المناطق لمواجهة ذلك.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح بيجاموف أن ذلك سيكون من خلال استخدام المسيّرات والقذائف والصواريخ البعيدة المدى، وليس من خلال عبور الحدود، لأن ذلك شبه مستحيل، حسب رأيه.
وتابع أن أوكرانيا تملك نحو 150 طائرة مسيّرة سوفياتية الصنع، تكمن خطورتها في إمكانية التحليق على علو منخفض (50- 200 متر)، ويبلغ مداها نحو ألف كيلومتر، وتتمتع بنظام “الصمت اللاسلكي”، أي إن من الصعب اكتشافها لأنها تعمل وفق مبدأ التحليق المبرمج سابقا، ولا تحتاج إلى التحكم بها عن بعد.
ويتابع أن الخطورة الإضافية التي تملكها هذه المسيرات (حدثتها كييف بشكل كبير) هي قدرتها على حمل ذخائر مؤثرة، كالقنبلة القذرة أو القاذفات المشعة.
تبرير المساعدات
من جانبه، رأى الخبير في العلاقات الدولية سيرغي بيرسانوف أن استهداف أوكرانيا للعمق الروسي يهدف لإظهار نجاعة المساعدات الغربية لكييف، وتبرير مطالبها بمزيد من المساعدات.
وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن كييف ركزت بشكل كبير على البعد الإعلامي للهجمات الأخيرة -فيما يبدو- للترويج بأن المساعدات الغربية لها لم تذهب سدى، لا سيما مع ارتفاع الأصوات داخل المنظومة الغربية بوجود ظاهرة فساد داخل المؤسسات الرسمية في أوكرانيا، تؤثر على وصول المساعدات في شقها المالي بالكامل.
ومن هنا، يدعو بيرسانوف إلى أخذ التطورات الأخيرة على الحدود على محمل الجد. فحسب رأيه، نجحت واشنطن وكييف في كثير من النواحي في “جرّ” معظم الدول الأوروبية إلى الصراع، سواء من خلال المشاركة في العقوبات، أو من خلال دفع تكاليف هذا الصراع الذي كان بشكل أساسي من “الجيب الأوروبي”، حسب تعبيره.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن فشل العقوبات في تغيير السلوكين السياسي والعسكري لروسيا في أوكرانيا سيدفع الغرب إلى محاولة نقل الصراع إلى داخل الأراضي الروسية، رغم أنه من غير الممكن تخيل ذلك من دون الحديث عن رد فعل قوي من الكرملين.
وفي هذا السياق، لا يستبعد بيرسانوف أن تضطر روسيا، في حال حصول ذلك، ووصول الأخطار إلى الخطوط الحمراء، للجوء إلى خيار استخدام السلاح النووي التكتيكي.
ويتابع أنه في كل الأحوال، سيتم عاجلا أم آجلا إجراء تغييرات على التكتيكات القتالية المتبعة حاليا في أوكرانيا، فقد تلقت كييف نحو 70 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وتقوم نحو 50 دولة بتزويدها بالأسلحة من خلال جميع القنوات المتوفرة. ومن ثم، إذا كان الجيش الروسي يقاتل بأعداد صغيرة نسبيا ولكن بتفوق مدفعي وصاروخي ساحق، فإنه بمواصلة هذا التكتيك لفترة طويلة قد يصطدم بمشكلة.
ويكشف الخبير الروسي أنه منذ مارس/آذار الماضي، وبمساعدة البلدان الغربية، كان الأوكرانيون يدخرون ويشكلون قوة ضاربة من عشرات الآلاف من الأشخاص، وقاموا بعد ذلك بشن هجوم على “الجوانب الضعيفة” في خطوط الدفاع عن الجبهات التي كان يسيطر عليها عدد ضئيل من القوات النظامية المنتشرة هناك، أو وحدات من قوات الشرطة الروسية، التي لم يكن ذلك يدخل ضمن نطاق اختصاصها، كما حدث في بعض الحالات مع المليشيات الموجودة في دونيتسك ولوغانسك.
وفي الوقت الذي يستبعد فيه بشكل قاطع تمكن القوات الأوكرانية من سحق الإمكانات العسكرية الروسية، ولو بشكل جزئي، فإنه يحذر من خطط الغرب لتحويل أوكرانيا إلى أفغانستان ثانية، ودفع الصراع نحو حرب استنزاف مفتوحة، دون أفق منظور للحل السياسي.