رئيس حزب الأمة السوداني للجزيرة نت: التدخل الأجنبي “حميد” والعسكر جادون في مغادرة المشهد السياسي
الخرطوم- قلّل رئيس حزب الأمة القومي السوداني فضل الله برمة ناصر من حجم الرفض الذي يواجه التسوية السياسية الجارية بين المكون العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وفصائل أخرى. واعتبر التدخل الأجنبي في شؤون بلاده حاليا “حميدا” وليس “خبيثا”.
ويرى ناصر -الذي يرأس الحزب الذي كان يتزعمه الراحل الصادق المهدي وهو أكبر تنظيمات تحالف قوى الحرية والتغيير- أن الأوضاع المعقدة التي يعيشها السودان تتطلب تعاونا بين القوى المدنية والعسكر للحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
واتهم في حوار مع الجزيرة نت، حزب المؤتمر الوطني -الحاكم سابقا- وقوى أخرى باستخدام القبائل في الصراع السياسي مما وسّع من نطاق المواجهات القبلية وضاعف من عدد الضحايا.
ورأى أن النزاعات في بعض أقاليم البلاد قديمة لكنها كانت بين الرعاة والمزارعين على الماء والكلأ، غير أن تدخل الأجندة السياسية فاقمها وباتت تشكل خطرا على الأمن القومي.
وفيما يلي الحوار:
-
ما مستقبل العملية السياسية بعد توقيع الاتفاق الإطاري لحل الأزمة السياسية في السودان؟
جاء الاتفاق الإطاري بعد معاناة وتشرذم وفراغ سياسي مستمر منذ أكثر من عام حينما حلّ قائد الجيش (الفريق الركن عبد الفتاح البرهان) المجلس السيادي ومجلس الوزراء وفرض حالة الطوارئ. ونعتقد أن الاتفاق يلبي تطلعات السواد الأعظم من الشعب السوداني في العودة إلى المسار الديمقراطي وعودة العسكر إلى ثكناتهم. ولكن هناك تحديات تتطلب تعاون الموقعين على الاتفاق من العسكريين والمدنيين لتنفيذ بنوده والإسراع بتحويله إلى اتفاق نهائي.
-
هناك قوى سياسية مؤثرة رفضت الاتفاق الإطاري وقررت مناهضته. ألا تعتقد أن ذلك سيؤثر على الاتفاق النهائي ويضعفه؟
كل الديمقراطيات الراسخة بها معارضة، ولكن قناعتنا أن الاتفاق شامل ويعالج الأزمة السياسية ويعيد البلاد إلى مرحلة التحول الديمقراطي. وقوى الحرية والتغيير تحالف عريض يضم 37 كيانا سياسيا ومنظمة، لذا رفض تيارات لا يضعف الاتفاق. ورغم ذلك لا يزال المجال مفتوحا أمام القوى السياسية الراغبة في الانضمام إلى العملية السياسية.
-
لكن معارضة الاتفاق الإطاري ليست قوى بعيدة عنكم، بل هناك أحزاب رئيسية بتحالف الحرية والتغيير أعلنت رفضها للاتفاق وجمدت نشاطها في التحالف كحزب البعث العربي الاشتراكي؟
حزب البعث شارك في كل مراحل العملية السياسية حتى التوصل إلى مشروع الدستور الانتقالي والإعلان السياسي، ولكنه تحفّظ على الاتفاق الإطاري. وموقفه أيضا ليس بعيدا عن “الإطار الديمقراطي” ونحن نحترمه وإن كنا نأمل أن يواصل معنا مسيرة العملية السياسية حتى نهايتها، وإن رأى غير ذلك فهذا شأنه ولن يؤثر على الاتفاق.
-
خلال مرحلة التفاوض مع المكوّن العسكري، هل لمستم جديتهم بالانسحاب من المشهد السياسي كما تعهد رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان؟
حتى الآن المكون العسكري تعهّد بأمرين: الأول إنهاء الانقلاب الذي حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2021 والعودة إلى المسار الديمقراطي، ومن ثم عودة العسكر إلى ثكناتهم للنهوض بمهاهم الدستورية.
ووفق علاقتي بالعسكريين باعتباري ضابطا متقاعدا في الجيش، فإنهم يلتزمون بتعهداتهم كما حدث عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1864 وثورة أبريل/نيسان 1985، فالجيش دوما ينحاز إلى شعبه عندما يتعرض للخطر. وما انحياز الجيش للثورة في ديسمبر/كانون الأول 2018 إلا دليل على ذلك. وهو ما أدى الى إنهاء حكم الرئيس عمر البشير الذي استمر نحو 3 عقود.
-
حذر البرهان مؤخرا من “تجيير” أي قوى سياسية للاتفاق السياسي لصالحها أو محاولة “اختطاف” السلطة وعزل الآخرين، وهو ما اعتبرته جهات عدة اتهاما مبطنا لقوى الحرية والتغيير بالسعي للاستئثار بالسلطة وإقصاء خصومها. ما رأيك؟
العملية السياسية الجارية هدفها إنهاء الانقلاب، والعودة إلى المسار الديمقراطي، وخلق كتلة وطنية عريضة. ولذلك، لا عزل لأحد سوى عناصر حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا.
ونحن نسعى إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية ولا نرغب في احتكار السلطة أو اختطاف العملية السياسية، ولا إقصاء أي جهة، وحزب الأمة دائما مع العمل الجماعي القومي.
-
وفق تجربة السودان عقب ثورتي 1964 و1985، هل يمكن تحقيق استقرار سياسي بمعادلة لا يكون الجيش طرفا فيها خلال المرحلة الانتقالية؟
للجيش دور أساسي في الأمن والاستقرار. وقد انحاز للشعب في 3 ثورات شعبية آخرها في 2019، وانحيازه هذا يعني دعمه للتحول الديمقراطي، والسودان يمر بمرحلة معقّدة وحساسة تتطلب تعاونا وثيقا بين المدنيين والعسكريين من أجل ضمان الأمن والاستقرار.
وفي تاريخ بلدنا، لا يقوم الجيش بالانقلابات بل يُخترق ويُستخدم من قوى سياسية للانقلاب على الحكومات الديمقراطية. وكان زعيم حزب الأمة الراحل الصادق المهدي اقترح ميثاق شرف لتحديد العلاقة بين المدنيين والعسكريين وضبطها حتى يقوم كل طرف بمهامه من دون نزاع أو صراع.
RT @USEmbassyKRT: يرحب أعضاء المجموعة الرباعية والترويكا (النرويج، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة) بانطلاق المرحلة الثانية والأخيرة من العملية السياسية لاستعادة التحول الديمقراطي في السودان. pic.twitter.com/LmDfbuMVJg
— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) January 9, 2023
-
يبدو للمراقب أن التدخل الأجنبي في العملية السياسية يتزايد، ألا تعتقد أن هذا التدخل يعقّد الأوضاع وينتقص من السيادة الوطنية ويؤثر على القرار الوطني؟
هناك نوعان من التدخل الأجنبي؛ الأول خبيث والآخر حميد. السودان في حاجة لدعم المجتمع الدولي لتحقيق تطلعات شعبه في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم، ولكن نرفض بشدة أي تدخل أجنبي ينتقص من سيادة دولتنا والتأثير على قرارها الوطني.
ويجب أن نتجنب تجربة نظام الرئيس المعزول عمر البشير التي تسببت في عزلة السودان وفرض عقوبات دولية عليه مما زاد من معاناة الشعب حتى جاءت الثورة وأعادت البلاد إلى الاندماج في المجتمع الدولي. لكن نؤكد أن التدخل الأجنبي الحالي في بلادنا تدخل حميد وليس خبيثا.
-
يرى كثيرون أن الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” والرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، تجاوزت دور الوساطة في الأزمة السودانية إلى هندسة وتشكيل المشهد السياسي. ما قولك؟
ليس صحيحا. والدليل على ذلك أن مشروع الدستور الانتقالي والإعلان السياسي والاتفاق الإطاري جهد سوداني خالص جاء نتيجة حوار مباشر بين العسكريين والمدنيين واقتصر دور الوسطاء فيه على تجسير العلاقة بين الفرقاء وتقريب مواقفهم.
-
راجت معلومات مؤخرا عن ترشيح حزب الأمة -باعتباره أكبر أحزب تحالف قوى الحرية والتغيير- أسماء عدة أبرزها وزير المالية والاقتصاد الأسبق بشير عمر رئيسا للوزراء. ما صحة ذلك؟
نحن مهتمون في هذه المرحلة بتحويل الاتفاق الإطاري إلى اتفاق نهائي عبر المرحلة الثانية من العملية السياسية، وذلك بمعالجة 5 قضايا أرجأها الاتفاق، وبعد ذلك ندخل في مرحلة وضع معايير لاختيار رئيس الوزراء وحكومته وتحديد آلية الاختيار والتشاور بين القوى السياسية، والمرحلة الأخيرة تسمية رئيس الوزراء وهذا يحتاج إلى أسابيع.
-
يعتقد كثيرون أن بعض أحزاب قوى الحرية والتغيير غير متحمسة للانتخابات لأنها بلا ثقل سياسي، وقناعتها أن صناديق الاقتراع لن تأتي بها. لذا تسعى إلى تمديد الفترة الانتقالية للحكم أطول فترة ممكنة بلا تفويض شعبي. ما تعليقك؟
دعنا نتحدث عن أنفسنا. نحن في حزب الأمة القومي حزب جماهيري وهدفنا الإستراتيجي الوصول إلى السلطة عبر الانتخابات والتفويض الشعبي، وفي آخر انتخابات جرت بالعهد الديمقراطي عام 1986 حصلنا على أكبر مقاعد في البرلمان. وقد نص الاتفاق الإطاري على أن تكون المرحلة الانتقالية 24 شهرا تنتهي بإجراء الانتخابات ونحن متمسكون بذلك.
ليس من المصلحة الاستعجال في الانتخابات قبل الإعداد الجيد لها حتى تكون حرة ونزيهة، وليس من الإنصاف والعدالة تأخيرها لأن ذلك يصادر حق الشعب.
-
شهدت البلاد خلال العام 2022 تدهورا أمنيا وأحداث عنف قبلية دامية خلّفت نحو ألفي قتيل وضعفهم من الجرحى وأكثر من 200 ألف نازح. ألا ترى أن ثمة قوى سياسية تستخدم القبيلة في الصراع السياسي؟
بلا شك. هناك أجندة سياسية ساهمت في تصاعد الصراعات القبلية في إقليمي دارفور والنيل الأزرق وولاية غرب كردفان. وهذه النزاعات قديمة لكنها كانت بين المزارعين والرعاة على الكلأ والماء، غير أنها حاليا تطورت بشكل خطير.
والصراعات القبلية الجارية حاليا هي على الموارد، وتوسعت بفعل خطاب الكراهية والاستغلال السياسي لمطالب الناس البسطاء واستخدام بعض القوى السياسية، وأبرزها حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، للقبائل لتحقيق أجندة سياسية محددة. وشهدت بعض المناطق قتلا على الهوية، وارتفع عدد ضحايا هذه النزاعات بسبب ضعف الدولة وغياب حكم القانون.