عائلات باعت أملاكها مقابل أوهام.. شبكات منظمة تحتال على أهالي المعتقلين السوريين
شمال سوريا- اضطرت والدة المعتقل السوري حامد الحموي (اسم مستعار) لبيع منزل العائلة في محافظة حماة وسط البلاد، وتقديم ثمنه لمحامين وسماسرة ادعوا أنهم قادرون على الكشف عن مصير ابنها المعتقل في سجون النظام السوري منذ عام 2012، مدفوعة بدافع الأمومة والحنين، قبل أن تكتشف أنها وقعت ضحية احتيال منظم فاقم آلامها وزاد من مأساة الأسرة.
ويروي أحد المقربين من العائلة المكلومة كيف اعتقل الحموي من قبل قوات النظام السوري أثناء عمله في إحدى الأراضي الزراعية بحماة دون أي سبب لدى اقتحامها المنطقة، لتقوم أسرته بالتواصل مع وسطاء أخبروهم أن الشاب معتقل في سجن صيدنايا بدمشق.
ويضيف القريب -في حديث للجزيرة نت- أن الأسرة دخلت في دوامة طويلة من الوهم والأمل الكاذب من قبل الوسطاء الذين قدموا روايات عديدة عن نقل المعتقل الحموي من سجن صيدنايا إلى السجن البولوني في حمص، ومن ثم إعادته إلى دمشق.
ويؤكد القريب أن العائلة دفعت ملايين الليرات السورية وأنفقت كل ما تملك مقابل كلام وروايات مختلقة عن مصير مفقودها المغيب في السجون، قبل أن تصلها بعد سنوات من اعتقاله شهادة وفاة من السجل المدني السوري لا تذكر أسباب الوفاة، مسدلة الستار على رحلة الألم.
قشة الغريق
مؤخرًا حذر ناشطون حقوقيون سوريون ذوي المعتقلين في سجون النظام من شبكات احتيال منظمة بدأت تنشط في سبيل الحصول على المال، مستغلة مشاعر الأسر ومعاناتهم المستمرة منذ سنوات، من خلال الادعاء بالقدرة على كشف مصير المعتقل وحتى الحديث عن إمكانية الإفراج عنه.
ويبدو أن هذه الشبكات تنشط وتكون في ذروة عملها خلال مراسيم العفو التي يصدرها النظام السوري بين الحين والآخر عن المعتقلين، وفق مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” دياب سرية.
ويرى سرية، أن الاعتقال المؤدي إلى الاختفاء القسري في سوريا وعدم اعتراف النظام السوري بوجود المعتقلين لديه ومنع التواصل معهم، نشّط من دور السماسرة وشبكات الاحتيال على أهالي وذوي المعتقلين السوريين.
ويشرح سرية -في حديث للجزيرة نت- كيف تبدأ عملية الاحتيال من خلال شخص يمكن أن يطلق عليه اسم “الطعم”، الذي يتواصل مع ذوي معتقل مدعيا أنه قابله في السجن الفلاني، ويخبرهم بتفاصيل دقيقة عنه لأجل كسب ثقة الأهل به، قبل أن يروي كيف خرج هو من السجن بواسطة أحد المحامين.
ويلفت سرية إلى أن آمال ذوي المعتقل تنتعش ويبدؤون سريعا في التواصل مع المحامي المفترض الذي بدوره يتظاهر بالتمنع في بداية الأمر، ليقبل في النهاية وتبدأ عملية النصب بطلب وكالة ومبالغ مالية بأوقات متتالية من الأهل.
ويؤكد الحقوقي السوري أن معظم العاملين في تلك الشبكات هم رجال أمن ومحامون على صلة مع جهات أعلى منهم، يتم التنسيق معها للوصول إلى ملفات المعتقلين المستهدفين مقابل تقاسم المال المنهوب من الأهالي الغرقى المتعلقين بالقشة.
وينبه إلى قصة معتقل ادعى محامون أن عليه غرامة بقيمة تجاوزت 24 مليون ليرة سورية (ما يعادل 3700 دولار أميركي) يجب أن يدفعها قبل أن يفرج عنه، حيث قدم المحامون لأهله ورقة رسمية تبين أنها مزورة، بسبب ركاكة الصياغة وغياب المنطق القانوني عنها.
فيما تقدر “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” أن النظام السوري جنى نحو 900 مليون دولار أميركي منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2020، من عمليات ابتزاز واحتيال على أهالي وذوي المعتقلين السوريين، معتمدة على منهجية مقابلات مع الأهالي وسؤالهم عن الأموال التي دفعوها، وسط ترجيحات بأن يكون الرقم أعلى بكثير.
قوانين متكررة
ورغم صدور 21 مرسوم عفو من النظام السوري خلال السنوات الماضية، فإن هناك ما لا يقل عن 135 ألفا و253 شخصا بينهم 3684 طفلا و8469 امرأة، لا يزالون قيد الاعتقال، بينهم 95 ألفا و696 شخصا قيد الاختفاء القسري على يد قوات النظام السوري منذ مارس/آذار 2011 حتى أغسطس/آب 2022، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ووثق التقرير منذ صدور مرسوم العفو رقم 7 لعام 2022 ما لا يقل عن 1574 حادثة ابتزاز مادي واحتيال تعرض لها الأهالي منذ مطلع شهر مايو/أيار 2022 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ويرى عضو هيئة القانونيين السوريين الأحرار المحامي عبد الناصر حوشان، أن قوانين العفو التي يصدرها النظام متكررة ونسخة واحدة، تشمل العفو عن نفس العقوبات والجرائم الجنائية ولا علاقة لها بجرائم “أمن الدولة أو الإرهاب”.
وحذر حوشان -في حديث للجزيرة نت- أهالي معتقلي الرأي من الوقوع في فخ شبكات الاحتيال التي تنشط أثناء صدور العفو وتستغل مشاعر وعواطف ذوي المعتقل، مطالبًا إياهم إلى بالتأكد من نصوص ومواد العفو في حال أنها تشمل المعتقل أم لا.
ويؤكد حوشان أن النظام السوري يهدف من مراسيم العفو المتكررة إلى ترميم وتلافي النقص في أعداد قواته وعناصر المليشيات الموالية له، والإفراج عن عناصر “التسويات” الذين قبلوا الانضمام إلى صفوف عناصره.