خبير عسكري: فصل جديد بالغ الخطورة في التحالف العسكري الأميركي الياباني
يُمثل إعلان طوكيو في ديسمبر/كانون الأول 2022 اعتماد إستراتيجية دفاع جديدة، بداية حقبة جديدة في التحالف العسكري بين الولايات المتحدة واليابان وفق مقال نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (the National Interest) الأميركية.
وقد صرح الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال إحاطة مشتركة مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في 13 يناير/كانون الثاني الجاري أن الطرفين يعملان على تحديث تحالفهما العسكري الذي وصفه بالبنّاء وذلك بناءً على الزيادة التاريخية في الإنفاق على الدفاع التي اعتمدتها اليابان وإستراتيجية الأمن القومي اليابانية الجديدة.
ويشير كاتب المقال، بول سميث، أستاذ شؤون الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأميركية، إلى الأهمية الكبرى التي تمثلها اليابان بالنسبة للوجود والمصالح الأميركية في شمال شرق آسيا، إذ تستضيف اليابان نحو 54 ألفا من القوات الأميركية، يستطيعون الوصول إلى نحو 5 إلى 8 قواعد ومنشآت عسكرية أميركية في البلد والمنطقة. كما تقدم اليابان حوالي 1.7 مليار دولار سنويا إسهاما منها في تمويل القوات الأميركية الموجودة في أراضيها.
ويعود التحالف الأميركي الياباني إلى بداية خمسينيات القرن الـ20، مع سيطرة الشيوعيين على بر الصين الرئيسي وبداية الحرب الكورية، حيث رأت الولايات المتحدة في اليابان طرفا حاسما للحفاظ على ميزان القوى والتصدي للمد الشيوعي المتنامي في المنطقة.
ووفق تقديرات نشرتها وكالة الاستخبارات الأميركية في عام 1951، فإن 3 أسباب دفعت الولايات المتحدة لاتخاذ اليابان حليفا لها في المحيط الهادي؛ هي الإمكانات الصناعية لليابان، وما تتمتع به من قوة عاملة مدربة؛ وموقعها الجغرافي الإستراتيجي.
ويوضح سميث في مقاله أن من بين الأهداف الرئيسية التي سعت أميركا إلى تحقيقها، حثُّ اليابان على بناء قدراتها العسكرية على نحو تتمكن معه من المساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن نفسها، وكذلك عن أمن المنطقة.
بيد أن هذا الهدف مصحوب بتحديات عديدة، عبّر عن أبرزها الدبلوماسي الراحل إدوين ريشاور، الذي شغل منصب سفير أميركا في اليابان في ستينيات القرن الماضي، حين قال إن الشعب الياباني يؤمن بأسطورة تقول إن السلام في اليابان ثمرة لدستور البلاد الذي يكرّس السلام، وليس بفضل الموقف الدفاعي الأميركي في الشرق الأقصى.
3 سيناريوهات
ويشير سميث إلى أن مجلس تخطيط السياسات التابع لوزارة الخارجية الأميركية أصدر تقريرا في عام 1968 بعنوان “دور اليابان الأمني في آسيا”، طرح 3 سيناريوهات محتملة لآفاق التطور العسكري الياباني تتراوح بين الحد الأدنى والحد الأقصى من القدرات العسكرية التي قد يحققها البلد.
السيناريو الأول يتوقع أن تبقى قدرات اليابان العسكرية عند الحد الأدنى في مجال الدفاع ويستمر البلد في الاعتماد على الولايات المتحدة دون غيرها لحفظ السلام في المنطقة، والثاني هو أن تتمكن طوكيو من تطوير قدراتها الدفاعية على نحو يمكنها من لعب دور في حفظ السلام، وتعمد إلى الحد من المشاركة الدولية في حفظ السلام.
أما السيناريو الثالث فهو أن تصبح اليابان قوة عسكرية إقليمية رئيسية، تلعب دورا إقليميا معتبرا، وبالتالي يمكن أن تخفف عن الولايات المتحدة بعض الأعباء الأمنية الإقليمية التي كانت تثقل كاهلها.
لكن الدراسة نبهت إلى أن السيناريو الأخير سلاح ذو حدين، ذلك أن تمتع اليابان بقوة عسكرية كبيرة قد يقود لضغوط قومية تشجع طوكيو على تبني إستراتيجية مستقلة عن الولايات المتحدة.
وقال سميث إن الحقبة التي كان التحالف الياباني الأميركي فيها مبني على نوع من التبعية -بحيث توفر الأخيرة القوة العسكرية فيما تقدم الأولى الدعم اللوجستي والمالي- قد ولت، وإن اليابان الآن أصبحت شريكا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
وخلص الكاتب إلى أن هذا الفصل الجديد في العلاقة بين البلدين ستنتج عنه لا محالة آلام عديدة، لكن الإدارة والتخطيط الدقيقين قد يمكّنان البلدين من التوصل إلى صيغة للتحالف أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التهديدات الأمنية المعاصرة في المستقبل.