في مشهد أعادهم لاجتياح 2002.. شهود عيان يروون للجزيرة نت فصول المجزرة في مخيم جنين
مخيم جنين – بدلا من منبه الساعة الذي ضبطته لإيقاظ أبنائها وتحضيرهم للذهاب إلى المدرسة، أفاقت نوال عزت السولمي (أم يوسف) على صوت الرصاص والقذائف الصاروخية التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعدما حاصرت منزلا مجاورا لمنزلها في مخيم جنين شمال الضفة الغربية كان يتحصن فيه مقاومون فلسطينيون.
وليس أم يوسف وحدها، بل مخيم جنين بأكمله استيقظ صباح أمس الخميس على وقع مجزرة كبيرة لم يشهدها من قبل إلا عند اجتياحه في عملية السور الواقي قبل أكثر من عقدين، حيث استشهد 10 فلسطينيين بينهم سيدة وأصيب العشرات بجروح مختلفة، بينهم 4 بحالة خطيرة، “بل إن ما حدث اليوم كان أشد وأكثر عنفا وفتكا”، وفقما روى مواطنون للجزيرة نت.
وعند السابعة إلا 10 دقائق كانت القذائف الصاروخية والرصاص بمختلف أنواعه وأعيرته تمطر منزل عائلة أبي سمير الصباغ في حارة جورة الذهب، المنطقة الأعمق وسط المخيم، كما وصفت، “ولم نستطع رفع رؤوسنا لمستوى النوافذ لنعرف ماذا يجري أسفلها، لكن صوت الجنود وحركتهم كانت كثيفة جدا”، تقول أم يوسف للجزيرة نت.
جثث متفحمة وقناصة بكل مكان
وعما جرى، تتحدث أم يوسف عن أنه قبيل إطلاق النار بقليل، كان جنود الاحتلال قد اقتحموا بيوتا عديدة بمحيط المنزل المستهدف رفقة كلاب بوليسية ومعدات عسكرية كبيرة، واعتلوا أسطح بنايات ونوافذها، واتصلوا بسيدة تدعى عبير الصباغ، ودعوها وأطفالها وابن شقيقها للخروج من منزلها لأنهم يريدون قصفه.
وتفاجأت الجارة -تقول أم يوسف ناقلة على لسان صاحبة المنزل المستهدف- بأنه لم يكن بالمنزل غريب، وانسحبت وعائلتها منه، لكنها علمت بأن هناك مقاومين رفضوا تسليم أنفسهم، وحاولوا الهروب قبل أن ينهال عليهم جيش الاحتلال مباشرة بوابل من النيران.
وكانت أم يوسف أول الواصلين للمنزل بعد انتهاء عملية الاحتلال، “ورأيت المنزل في حالة يرثى لها ومتهدما من كل جوانبه، وبإحدى زواياه السفلية ظهرت 3 من جثث الشهداء متفحمة”، تقول السيدة الفلسطينية، في وقت راحت فيه ترشدنا إلى ملابس الشهداء المحترقة وأحذيتهم وبعض مقتنياتهم وهاتف أحدهم الخلوي.
وتؤكد أم يوسف، التي ظلت وأبناؤها منبطحين أرضا طوال الاقتحام، أن كثافة وعشوائية النيران دلت على أن القناصة كانوا يعتلون أسطح 5 منازل على الأقل بمحيط البيت المستهدف، “وكلهم يطلقون النيران، وقد سمعنا صراخ الجنود، واقتحموا منزل جيراننا رفقة كلابهم البوليسية”.
كادوا يقتلون زوجتي وأطفالي
وقبل أن تستيقظ أم يوسف وعائلتها على صوت الرصاص، كان جارهم أحمد الشقفة -وهو صاحب متجر للخضار في المنزل المستهدف- قد غادر منزله قبل نحو ساعتين لشراء بضاعة جديدة، دون أن يلحظ أي وجود لقوات خاصة أو غيرها.
لكن وجوده خارج منزله لم يشفع لزوجته وأطفاله الثلاثة أمام قوات الاحتلال التي اقتحمت المنزل، وحبستهم داخل إحدى الغرف، وأخذت تطلق النيران فيه، “وطلبوا من زوجتي الاتصال بي لأحضر للمنزل لكنها رفضت”، يقول الشاب الشقفة.
ويضيف الشقفة، في حديث للجزيرة نت، أن أحدا من عائلته أو حتى الجيران في محيط المنزل المستهدف لم يرفع رأسه طوال العملية التي استغرقت 3 ساعات، وأن زوجته حينما حاولت إحضار كوب من الماء لطفلها “أطلقوا صوبها نحو 10 رصاصات وكادوا يقتلونها”.
ومثل عائلة الشقفة، احتمى الحاج زياد الصيفي (63 عاما) وعائلته المكونة من 10 أفراد بغرفة داخل منزلهم، بعدما اخترق الرصاص الغرف الأمامية للمنزل وحطم نوافذه.
ولوهلة عاد الصيفي بنا إلى اجتياح المخيم عام 2002، وقال إنه عاشه بالكامل، وإن ما حصل أمس الخميس ليس أقل خطرا مما كان آنذاك، وإنه يشبهه كثيرا من حيث طريقة الاقتحام والمواجهة وكثافة النيران “وتعمّد الاحتلال استهدف كل من يتحرك في محيط الحدث، سواء في المنازل أو خارجها، وكان الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا مثل زجاج النوافذ”.
ويستشهد الصيفي على بشاعة وعنف ما حصل بـ”استشهاد جارتنا المسنة ماجدة عبيد (63 عاما) وهي داخل غرفتها في منزلها البعيد عن مكان الحدث”.
ما رأيناه في زقاق المخيم المستهدف والذي يمتد لبضعة أمتار فقط، دلّ بشكل قاطع على تعمّد الاحتلال فعلا إلحاق الأذى بكل شيء، وأن أكثر من 3 ساعات من المواجهة والاشتباك مع المقاومة استخدم فيها جنود الاحتلال كامل ترسانتهم العسكرية ليوقعوا أكبر خسائر بين البشر والحجر، يقول الصيفي.
مشاهد دمار وعنف
ورصدت الجزيرة نت منازل اخترق الرصاص نوافذها وجدرانها الإسمنتية، في حين احترقت شرفات وغرف منازل أخرى، ودمر رصاص الاحتلال أيضا وآلاته العسكرية عديد المركبات المصطفة جانب منازل أصحابها.
وفي فعل يكرّس عنجهية الاحتلال، دمرت آلياته العسكرية نادي المخيم وكل ما يوجد بداخله من مركبات ومعدات.
ثلثا الشهداء
ورغم التصاق منزل المواطن خالد صفوري بمنزل عائلة الصباغ المستهدف، فإن القدر حال دون استشهاد أحد أفراد عائلته، إذ يقول إنه اختبأ وعائلته بعيدا ولكن مع ذلك تحطم باب منزله ونوافذه، “وكل انفجار كنت أشعر أن منزلنا يهتز معه وأن القذائف اخترقته”.
ويضيف أن القصف اشتد وتضاعف بعدما خرجت السيدة صاحبة المنزل وطفلتها وشاب ثالث معهما.
من 30 فردا اشتهدوا منذ بداية العام، تصدرت جنين ومخيمها المشهد والأرقام أيضا، إذ ودعت 20 شهيدا دون أن يرف لها جفن وكأنها تخبر القاصي والداني أن “عش الدبابير”، كما وصفه الاحتلال، سيظل يلدغ جنوده ومستوطنيه.