الاخبار العاجلةسياسة

أسمته “عشّ الدبابير”.. لماذا تعجز إسرائيل عن التوغل في عمق مخيم جنين؟

رام الله- شكّل مخيم جنين أو “عش الدبابير” كما يسميه الاحتلال منذ سنوات طويلة، مصدر صداع دائم لصناع القرار في الدوائر الأمنية الإسرائيلية ولواحد من أقوى جيوش المنطقة.

وتثير “ظاهرة مخيم جنين” وثورته التي لا تخبو، تساؤلات عن سبب عجز جيش الاحتلال عن الدخول إلى عمق المخيم وإنهاء مقاومته التي لطالما قضت مضاجعه، وعن القوة التي تستمدها بقعة صغيرة لا تتجاوز مساحتها كيلومترا مربعا.

توجّهت الجزيرة نت بهذه الأسئلة وغيرها إلى ابن مخيم جنين أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية الدكتور جمال حويل، وخبير الشؤون العسكرية المتقاعد اللواء واصف عريقات بحثا عن إجابات، مع محاولة استشراف سيناريوهات مستقبل مقاومة جنين كما يرسمها الإعلام الإسرائيلي.

فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، أمس الخميس، استشهاد 9 فلسطينيين بينهم سيدة مسنة، وإصابة آخرين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب اقتحامها مدينة جنين ومخيمها.

وقال الصحفي الفلسطيني، علي سمودي في حديثه للجزيرة نت إن عمليات الجيش الإسرائيلي “تركّزت كالعادة” في محيط المخيم وأطرافه، ولم تصل إلى العمق، فيما كان أغلب الضحايا من المدنيين.

عاطف دغلس- مقاومون في كتيبة جنين خلال عرض عسكري لهم- الضفة الغربية- جنين- مخيم جنين- الجزيرة نت3
مقاومون من “كتيبة جنين” خلال عرض عسكري لهم داخل المخيم (الجزيرة)

لماذا يعجز الجيش الإسرائيلي عن الوصول إلى عمق مخيم جنين؟

يقول حويل، وهو صاحب كتاب “معركة مخيم جنين الكبرى 2002.. التاريخ الحي” والذي تناول معركة ومجزرة المخيم في 2022، إن في المخيم نواة صلبة من المقاومين يلتحمون مع الجماهير ولديهم حاضنة شعبية قوية. و”مع أن عتاد المخيم متواضع وسلاحه خفيف فإن اللحمة مع الجماهير شكّلت جبهة يصعب اختراقها”.

ويضيف أن الجيش الإسرائيلي الذي يوصف بأنه “الرابع في العالم وأقوى جيوش المنطقة يعجز أمام أناس مؤمنين بالله ثم بالوحدة، وبقهر الجندي الذي يقول إنه لا يقهر، ومتوحدين خلف البندقية”.

ويرى حويل في ذلك أداة مواجهة قوية لعقيدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيريه المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ويقول “تلك المجموعة تحاول تعويض الفشل بالرد العنيف والإرهاب المنظم ومنع حركة طواقم الإسعاف والمدرسين والأطباء، ظنا منها أن ذلك سيقود إلى تركيع المخيم”.

وفي إجابته عن السؤال ذاته، يقول اللواء عريقات “هناك تطور في أداء المقاومة الفلسطينية، وهناك تصدّ ممنهج وقوي من قبل المقاومين. لذلك، تحاول إسرائيل قدر الإمكان ارتكاب جرائمها دون أن تدفع الثمن، لكن هذا الزمن ولّى، وكلما تقدم الجيش كانت خسائره أكبر، لذلك هناك خشية وخوف من اقتحام عمق المخيم”.

وأظهر تحقيق للجزيرة في برنامج “ما خفي أعظم” قبل أسابيع استخدام قنابل بدائية ومصدات شوكية وعوائق حديدية في أزقة المخيم لمنع تقدم القوات الإسرائيلية.

من أين يستمد مخيم جنين قوته؟

يقول جمال حويل إن المخيم يتمتع بإرث طويل من التضحية والفداء يمتد لعشرات السنين، ما شكّل ثقافة في وعي الأجيال داخله وبين أهله. ويضيف “يركز المخيم على الوحدة الوطنية بين أبناء الفصائل المختلفة، وبين أبناء الجغرافيا الواحدة، وهو وحدة واحدة خاصة وأن أبناءه يعيشون البيئة الاقتصادية الفقيرة والمتوسطة ذاتها، ويجمعهم همّ واحد وألم واحد وهوية واحدة هي هوية مخيم جنين”.

ويقول إن سكان المخيم يكابدون ألم اللجوء منذ النكبة “وعهدهم ألا يتكرر مرة أخرى، وألا يكونوا لقمة سائغة يمضغها الاحتلال متى يشاء”. ويرى أن هذه الثقافة وهذا الوعي والتضحيات على مدى سنوات طويلة “جعلت من المخيم قدوة ومنارة تضحية وفداء في مواجهة مع الاحتلال”.

عمليات جيش الاحتلال اليوم في مخيم جنين المصدر: جيش الاحتلال
عمليات جيش الاحتلال ضد مخيم جنين تستهدف القضاء على ظاهرة المقاومة المتصاعدة فيه (جيش الاحتلال)

بمَ يختلف مخيم جنين عن باقي الأراضي المحتلة ولماذا يُستهدف بالذات؟

يرى الخبير العسكري عريقات أن إسرائيل “تحاول التفرد بالساحات، والمعركة ليست في مخيم جنين وحده، فاليوم جنين وقبله البلدة القديمة في نابلس، ومدن وقرى أخرى”. ويضيف أن “الاحتلال يحاول تجزئة الشعب الفلسطيني الذي أثبت وحدة المقاومة ووحدة الساحات، لكنه فشل بعد أن تداعت مختلف الساحات اليوم للرد على اقتحام المخيم بالاشتباك في مختلف المواقع”.

ويقول عريقات إن مخيم جنين لا يختلف في الجوهر عن أي مكان آخر، إنما يعكس بشكل أوضح حالة مقاومة لدى الشعب الفلسطيني “ومن الصعب إنهاء مقاومة شعب”. وبينما “تظن إسرائيل أنها تستطيع بالتصفيات والجرائم إنهاء ظاهرة المقاومة، أصبحت الثورة حقيقة واقعة ومستمرة”، لأن “مخيم جنين امتداد لعقيدة وثقافة عند الشعب الفلسطيني وهي عقيدة المقاومة وثقافة المواجهة”.

ماذا كانت نتيجة عملية “كاسر الأمواج” التي بدأها الجيش الإسرائيلي منذ العام الماضي؟

يقول المحلل العسكري إن عملية “كاسر الأمواج” التي بدأت قبل أقل من عام، واستهدفت بالاغتيال الميداني مقاومين وأناسا أبرياء، وكانت عملية فاشلة؛ “فكلما ارتقى شهيد ظهر عشرات المقاومين في مخيم جنين وخارجه، حتى باتت المقاومة الآن بعهدة الشباب الفلسطيني القادر على المواجهة وتقديم المزيد”.

وقال إنه مهما حاول الاحتلال الإسرائيلي إنهاء المقاومة فلن يؤثر عليها “وكل محاولات كسر عزيمة وإرادة المقاومين باءت بالفشل”.

ماذا قال الجيش الإسرائيلي عن اقتحام جنين الأعنف وما سيناريوهات المستقبل؟

قال الجيش الإسرائيلي، في بيان وصل الجزيرة نت الخميس، إن قواته نفّذت “عملية” في “وسط” مخيم جنين، لاعتقال 3 مطلوبين من حركة الجهاد الإسلامي، تخللها تبادل لإطلاق النار. وادّعى أن النشطاء ضالعون في عمليات ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وجرت محاصرتهم في منزل، فاستشهد اثنان واعتقل ثالث.

ونقلت القناة 13 الإسرائيلية عن ضابط عسكري أن الجيش يستعد لكل السيناريوهات، في حين قال موقع “واللا” العبري إن جيش الاحتلال رفع درجة التأهب في الضفة الغربية.

ونقلت شبكة الهدهد المختصة بالشأن الإسرائيلي عن وسائل إعلام عبرية أن وزير الجيش “يوآف غالانت” سيجري تقييما للوضع بمشاركة قائد هيئة الأركان هرتي هاليفي، ورئيس جهاز الشاباك “رونان بار”، ورئيس الاستخبارات العسكرية “أهارون ماليفا “، ورئيس شعبة العمليات “عوديد بسيول”، ومنسق عمليات حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة “غسان عليان”، بشأن ما جرى في جنين والاستعدادات للمستقبل.

وبعد سلسلة عمليات فلسطينية، بعضها داخل الخط الأخضر، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في مارس/آذار 2022، أطلق عليها “كاسر الأمواج” تستهدف الأجنحة العسكرية للفصائل خاصة في شمالي الضفة.

لكن مع اقتراب العملية من عامها الأول وسقوط عشرات الشهداء، لم يتغير الوضع على الأرض واستمرت العمليات الفلسطينية بل ظهرت مجموعات عسكرية جديدة.

ووفق تقييم إستراتيجي لمعهد دراسات “الأمن القومي” الإسرائيلي، نشره الاثنين الماضي، فإن التصعيد في الساحة الفلسطينية من أبرز التهديدات لإسرائيل خلال 2023 والأكثر قابلية للانفجار، مع تزايد روح الثورة بين الفلسطينيين.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى