نصف الأندية تحت طائلة عقوبات الفيفا.. أزمة اقتصادية وديون متراكمة وراء ركود الميركاتو الشتوي بالدوري التونسي
تونس- لم تشهد فترة تنقلات اللاعبين في الدوري التونسي لكرة القدم في المواسم الأخيرة حالة من الركود مثل التي تشهدها سوق الانتقالات الشتوية التي بدأت الشهر الجاري وكان النسق البطيء سمتها الواضحة، وذلك وسط أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها أندية الدوري وتزايد في حجم ديونها.
وبعد أن كان السباق والتنافس شديدين بين الأندية الكبرى على التعاقد مع أفضل اللاعبين المحليين والأجانب بمجرد فتح آجال التعاقد مع اللاعبين الجدد، غابت أخبار التعاقدات تقريبا في أندية الدوري الـ16 إما بسبب ضعف الأموال المرصودة لإبرام صفقات جديدة أو لوقوع معظم الأندية تحت طائلة عقوبة المنع من التعاقدات التي عادة ما يفرضها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على الفرق التي تشكو تفاقما في الديون وتعجز عن تسوية مستحقات ورواتب لاعبين ومدربين سابقين.
وفي ظاهرة غير مسبوقة تشهدها الكرة التونسية، فرض “فيفا” عقوبة المنع من الانتدابات على ما يقرب من نصف أندية الدوري بما فيها الترجي أكبر الفرق تتويجا بالألقاب وأكثرها إنفاقا على التعاقد مع لاعبين جدد بمعدل يفوق 7 ملايين دينار (نحو 2.5 مليون دولار) سنويا.
عقوبات لنصف أندية الدوري
وشملت عقوبات تجميد التعاقدات ـالتي غالبا ما ترفع آليا بمجرد خلاص الديون- أندية أخرى إما في بداية موسم 2022ـ 2023 أي فترة الانتقالات الصيفية أو في الشهر الجاري أي الفترة الشتوية للتعاقدات.
وإلى جانب الترجي بطل تونس آخر 6 سنوات، وقعت أندية الأفريقي والنجم الساحلي والصفاقسي والملعب التونسي والأولمبي الباجي والاتحاد المنستيري والنادي البنزرتي وهي نصف أندية الدوري الممتاز، تحت طائلة عقوبة تجميد التعاقدات، قبل أن تنجح بعضها في الأسابيع الماضية بتسوية ديونها وخلاص لاعبيها وبالتالي رفع العقوبة فيما عجزت أندية أخرى عن ذلك.
وأعلن النجم الساحلي متصدر الدوري التونسي رسميا يوم الجمعة الماضي، رفع عقوبة المنع من التعاقدات التي فرضها الفيفا عليه، بسبب عجزه عن تسوية مستحقات وديون ناهزت 6 ملايين دينار (مليوني دولار) وذلك للاعبيه السابقين الإيفواري سليمان كوليبالي الذي انتدبه من الأهلي المصري والمالي عمر كوناتي الذي تعاقد معه في 2017 قادما من نادي نهضة بركان المغربي لكنه عجز عن تسليمه مستحقاته بعد أن قرر في 2021 فسخ عقده.
وقال النجم الساحلي، في بيان على حساب النادي بفيسبوك، أنه نجح بفضل دعم جماهيره في رفع عقوبة المنع من التعاقدات رسميا وذلك بعد مجهودات مضنية وتضحيات كبيرة.
ولم يعلن النادي حتى الآن عن قيد لاعبين جدد، لكن مصادر إعلامية مختلفة أكدت اتفاقه مع 3 لاعبين جدد هم ياسين الشماخي ويوسف العبدلي وحمزة الجلاصي على قيدهم قبل نهاية الشهر الجاري.
وكان النجم نجح في تسويق لاعبه الواعد محمد الضاوي للنادي الأهلي المصري مقابل 1.4 مليون دولار تقريبا، وهو ما مكّنه من تقليص ديونه وخلاص مستحقات لاعبه السابق سليمان كوليبالي.
وعلى غرار النجم الساحلي، نجحت أندية النادي البنزرتي والملعب التونسي والاتحاد المنستيري في رفع عقوبة الفيفا لكن نسق التعاقدات كان بطيئا على غير العادة، إذ اقتصرت التعاقدات حتى الآن على عدد محدود من النوادي فيما اختار البقية عدم تسجيل لاعبين جدد.
أزمات مالية وغياب المواهب
وبرر رئيس النادي البنزرتي أمير الجزيري سبب عزوف الأندية عن تسجيل لاعبين جدد وإبرام صفقات في فترة يناير/كانون الثاني بالأزمات المالية التي تحاصر أغلبها فضلا عن خلو الميركاتو الشتوي من لاعبين قادرين على تقديم الإضافة، بحسب قوله.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال الجزيري “عادة ما تكون فترة يناير/كانون الثاني مناسبة لتدارك النقائص التي تشكو منها الأندية في بعض المراكز وليس لبناء فريق متكامل أو المراهنة على الألقاب، وعندما نعلم حجم الصعوبات المادية التي تعاني منها معظم الأندية التونسية فإنه من المنطقي أن تحجم أغلبها عن صرف الأموال في تعاقدات قد لا تكون صائبة”.
وبحسب المتحدث فإن “قوانين الاتحاد التونسي لكرة القدم تلزم الأندية بأن لا تتجاوز نسبة الأموال المخصص للتعاقدات في العام الواحد 60% من ميزانية النادي، وهو ما نسعى لعدم خرقه حتى لا نكون عرضة لعقوبات سوء التصرف رغم أن أندية أخرى خرقت ذلك القانون”.
أوضاع مزرية وديون ثقيلة
وتعيش معظم أندية الكرة بتونس أوضاعا اقتصادية مزرية وأزمة ديون ما انفكت تتفاقم جراء انحسار عائداتها سواء من بيع التذاكر بسبب خوض المباريات دون حضور جمهور أو عدم حصولها على إيرادات حقوق النقل التلفزيوني أو لتراجع تسويق لاعبيها في الدوريات الأوروبية وهي عوامل كانت تشكل أبرز مصادر ميزانيات الأندية.
ورغم أن الترجي التونسي كان أحد الأندية القليلة التي تنفق بسخاء على التعاقدات، فإن تراكم الديون للاعبيه السابقين بينهم الجزائريان عبد الرؤوف بلغيث وعبد القادر بدران كان وراء تغير سياسة النادي التي صارت تقوم على ترشيد النفقات.
أما النادي الأفريقي ثاني أندية تونس تتويجا بالألقاب، فلم ينجح في رفع عقوبة المنع من التعاقدات التي فرضها ضده “فيفا” بعد عجزه عن تسوية ديونه الثقيلة والتي تناهز 4 ملايين دينار (1.35 مليون دولار)، بحسب ما أكده المتحدث الرسمي للنادي رشيد الزمرلي.
وقال الزمرلي للجزيرة نت “من الأفضل أن نصارح جماهيرنا بأن النادي يركز جهوده حاليا على تقليص حجم الديون وضمان حد أدنى من الاستقرار المالي بدل التهافت على التعاقد مع لاعبين قد يعجزون عن تقديم الإضافة بل قد يفاقمون أزمة الديون التي نعاني منها منذ أكثر من 5 سنوات”.
وتابع “قررنا عدم رفع عقوبة المنع من التعاقدات المسلطة على النادي منذ سنة، سنعمل حاليا على ضخ الأموال، لنكون جاهزين في صيف 2023 على دخول سوق الانتقالات”.
وعاش الأفريقي آخر 4 سنوات على وقع أزمة ديون هي الأصعب في تاريخه حيث بلغت ديونه أكثر من 40 مليون دينار نتيجة سوء تصرف مالي وشبهات فساد وعجز عن تسديد مستحقات لاعبيه ومدربيه السابقين.