نقيب الصحفيين التونسيين للجزيرة نت: السلطة تستعين بأجهزة الدولة لتتبع المعارضين
تونس- قال نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي إن السلطة أصبحت تستعين بأجهزة الدولة لتتبع المعارضين والنشطاء والصحفيين والنقابيين وغيرهم.
وأكد الجلاصي -في حوار مع الجزيرة نت- إن السلطة قامت بتحريك دعوى قضائية ضده، وذلك في سياق استهدافها لنقابة الصحفيين التي أزعج موقفها المدافع عن الحريات السلطة، وفق تعبيره.
واعتبر إنه لا يوجد أفق لحل الأزمة السياسية خارج طاولة الحوار، معربا عن مساندته لمبادرة اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية) للتوافق بين مختلف الأطراف لإنقاذ البلاد.
وهذا نص الحوار:
-
تتالت مؤخرا الإيقافات والملاحقات القضائية. فهل صحيح أنكم أيضا أصبحتم محل تتبع قضائي؟
نعم هذا صحيح. لقد علمت بذلك صدفة عن طريق المحامية سعيدة قراش التي عثرت على اسمي ضمن قائمة تضم 8 نشطاء من المجتمع المدني، وجميعنا أصبحنا محل تبع قضائي.
-
ومن يقف حسب اعتقادكم وراء تحريك هذه القضية؟
القضية رفعها 8 عناصر أمنيين ضدنا بسبب احتجاج سلمي تم تنظيمه في 18 يوليو/تموز 2022 أمام وزارة الداخلية ضد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد. وقد تم رفع الشكاية بعد يوم واحد من ذلك الاحتجاج، بينما تم تحريك القضية الآن من قبل السلطة.
-
هل تلقيتم أي استدعاء رسمي للمثول أمام المحكمة؟
رسميا لم يصل بعد أي استدعاء لا إلى مقر إقامتي ولا لمقر النقابة الوطنية للصحفيين، وحتى بقية النشطاء المشتكى عليهم لم يصلهم أي استدعاء، ما عدا الناشط وائل نوار.
-
وما مضمون هذه القضية؟
لم أطلع بعد على ملف القضية بشكل مباشر، ولكن بحسب المحامية فإن التهم تتعلق بالإساءة لموظف عمومي وتعطيل حركة السير والتحريض على العصيان ضد السلطة.
-
وهل حدثت مناوشات ذلك الوقت مع الأمن؟
لقد كنت متواجدا في ذلك الاحتجاج بصفتي الصحفية قصد تغطية ذلك الحدث لفائدة موقع “نواة”، رغم أني في العادة أشارك في عدة تحركات سلمية مع منظمات المجتمع المدني. وفي ذلك الاحتجاج لم يقع تسجيل أية صدامات بين الأمن والمتظاهرين، وكل ما وقع هو رفع شعارات من قبل المتظاهرين ضد مشروع الدستور الجديد الذي صاغه الرئيس قيس سعيد.
-
كيف تقرؤون تحريك هذه القضية في وقت تصاعدت فيه مؤخرا الإيقافات والملاحقات ضد خصوم الرئيس؟
بطبيعة الحال تحريك القضية يأتي في سياق عام يتسم بتصاعد الإيقافات والملاحقات القضائية ضد السياسيين والمحامين والنشاط والنقابيين والصحفيين وكل مخالف للنظام. وهذا يوضح بلا شك أن هناك استهدافا واضحا ضد نقابة الصحفيين، في وقت تصعد فيه أطراف موالية للرئيس استهدافها للنقابة، تماشيا مع الخطاب التحريضي الرسمي ضد الإعلام، خاصة وأن صوت نقابة الصحفيين أصبح مزعجا للسلطة بحكم دفاعها عن الحريات.
-
وما بوصلة نقابة الصحفيين في خضم ما يجري؟
نقابة الصحفيين كانت دوما منتصرة للحريات والدفاع عن حقوق المواطنين في النفاذ للمعلومة وحرية الصحافة والتعبير، وقد كان صوتها عاليا للتنديد بكل الانتهاكات التي تسببت في تراجع ترتيب تونس 21 نقطة على المستوى العالمي في حرية الصحافة والتعبير.
وهذا التدهور ناتج عن تصاعد الاعتداءات وانتهاكات حقوق الإنسان، والتحريض على شبكات التواصل ضد النقابيين والنشطاء والسياسيين، ومحاكمات الرأي التي تقوم بها السلطة -ممثلة في وزيرة العدل- ضد النشطاء والمحامين والسياسيين على خلفية آرائهم، وذلك بموجب المرسوم 54 سيئ الذكر المتعلق في ظاهره بمكافحة الشائعات والأخبار الزائفة.
لقد انتقدت نقابة الصحفيين تلك الانتهاكات وتمسكت بالدفاع عن حقوق الصحفيين وعن ديمومة المؤسسات الإعلامية العمومية والمصادرة والخاصة، وقد قمنا مؤخرا بتحرك احتجاج سلمي أمام مقر رئاسة الحكومة بالقصبة في إطار يوم غضب للصحافة التونسية.
وهذا كله يزعج السلطة مما جعلها تحرك هذه القضية ضدي، تزامنا مع قضايا أخرى تم تحريكها ضد نقابيين تابعين لاتحاد الشغل، بعدما كان الرئيس قد هاجم في خطاب رسمي اتحاد الشغل.
-
لكن الرئيس قال مرارا إن حرية التعبير مضمونة. كيف يمكن إذن تفسير هذا التناقض بين الخطاب والممارسة؟
أكيد أن الخطاب الرسمي في واد والممارسات في واد آخر، ثم إن حديث الرئيس عن حرية التعبير كلام بلا معنى، لأننا سجلنا انتهاكات وملاحقات عدة بحق صحفيين من بينهم خليفة القاسمي بموجب قانون الإرهاب، وصالح عطية الذي حوكم بالسجن من قبل المحكمة العسكرية، ونزار بهلول الذي أعطت وزيرة العدل تعليمات كتابية للنيابة العمومية لإحالته بسبب مقال صحفي.
وهناك أمثلة أخرى لمحامين أحيلوا إلى المحاكم لمجرد الإدلاء برأيهم، مثل العياشي الهمامي ولزهر العكرمي، وذلك بموجب المرسوم 54 سيئ الذكر الذي صاغه الرئيس، والأمثلة كثيرة.
-
حسب رأيكم ما تداعيات كل ذلك على واقع حرية التعبير في تونس؟
للأسف حرية الصحافة في تونس تواجه الخطر الداهم، وهناك تهديد حقيقي لحرية التعبير ولوسائل الاعلام في أن تتداول بحرية المواضيع التي تهم الرأي العام، وهناك مساع من السلطة لتدجين وسائل الإعلام على غرار التلفزة التونسية العمومية التي تحولت إلى تلفزة ناطقة باسم السلطة تمنع فيها كل أصوات المعارضة، وأصبحت تمارس فيها الدعاية لفائدة النظام الحالي.
وأصبحت السلطة تبث حالة من الترهيب ضد مؤسسات الإعلام الخاصة، مثلما حدث مع إذاعة “موزاييك” التي تم اعتقالها مديرها العام نور الدين بوطار من منزله قبل أيام، وهي رسالة لبقية وسائل الإعلام أنها ليست بمنأى عن الملاحقات إذا لم تدخل بيت الطاعة.
غير أننا نقول إن تونس ما تزال تزخر بالمناضلين والحقوقيين والنشطاء والنقابيين الذين سيدافعون عن حرية التعبير وحق المواطن في النفاذ للمعلومة بعيدا عن كل وصاية تقوم بها السلطة.
-
هل تعتقد أن إحالة المدير العام لإذاعة موزاييك هدفه تخويف بقية وسائل الإعلام؟ أم للأمر علاقة بقضايا مالية تلاحقه؟
رغم أن الملف قيد التحقيق ولكن دعني أؤكد لك أن نقابة الصحفيين لم تتدخل في ملف بوطار، ولم تعلن موقفها من هذه القضية إلا بعد اطلاعها على الملف.
ولو كان هذا يتعلق بقضايا مالية أو تآمر على أمن الدولة، لما كانت النقابة ستتدخل، ولكن ثبت لدينا من المحاضر والاستماعات والاستنطاقات أن جزءا كبيرا من القضية مسيس للانتقام من إذاعة “موزاييك” الخاصة، وذلك على خلفية خطها التحريري واستقلاليتها ونقدها للسلطة من باب الموضوعية ومن خلال ما تنقل من أحداث لكل ما يحدث من معاناة للمواطنين، وهو ما أزعج السلطة التي تسعى لضرب وسائل الإعلام المستقلة.
-
كيف تقرؤون التطورات الأخيرة من إيقافات وإحالة عدد من الشخصيات إلى التحقيق؟
من الواضح أن السلطة أصبحت تستعين بأجهزة الدولة لتتبع المعارضين والنشطاء والصحفيين والنقابيين وغيرهم، كما أن هناك حالة عامة من التنصت العشوائي وغير القانوني على هواتف المواطنين، وهذا انتهاك صارخ بحقهم في حرية المراسلات، وبالتالي فإن ما تقوم به السلطة من توظيف لأجهزة الدولة الأمنية والقضائية والعسكرية لتتبع المعارضين لها يفتح الباب على مصراعيه لعودة الدكتاتورية، ومن مسؤولية الجميع التصدي لهذا الانحراف.
-
ألا يوجد أفق لحل الأزمة السياسية؟
على السلطة اليوم الاقتناع بأن حلول توظيف أجهزة الدولة لملاحقة المعارضين لها لن يحل الأزمة السياسية، وبالتالي نحن نرى أنه لا يوجد مخرج للأزمة إلا عن طريق الحوار بين كل الأطراف، بعيدا عما تقوم به السلطة من تقسيم للمجتمع، ولذلك نحن نساند مبادرة اتحاد الشغل للحوار، من أجل الخروج من الانقسام السياسي، والبحث عن اتفاق بين كل القوى الوطنية يحمي الديمقراطية ومدنية الدولة ويحمي الحقوق والحريات.
-
برأيكم هل يربح الصحفيون معركة حرية التعبير في ظل ما تصفونها من ممارسات معادية للصحافة؟
ليس لدينا خيار آخر سوى الدفاع عن حرية التعبير، واعتقد أن حركة التاريخ لا تعود للوراء، وتونس ستمشي قدما في مجال حرية التعبير والصحافة، رغم الانتكاسة الحالية، وستنصر قيمة الحرية والعدالة والمساواة، وستبقى المهنة صامدة وتدافع عن حقوقها وحقوق الناس.