الإعلانات تعكر صفو الروحانيات.. مطالب بمنع الدعايات التجارية على إذاعة القرآن الكريم بمصر
القاهرة- تتفتح عينا أشرف حينما تبدأ “ابتهالات الفجر” على إذاعة “القرآن الكريم” المنبعثة من مذياع بجانب سريره، وتلتقط أذناه صدى نفس الصوت القادم من مُكبّر صوت أعلى مأذنة مسجد بجوار منزله.
بداية “مباركة” لفجر يوم جديد، اعتادها السائق لحافلة إحدى المدارس الخاصة، مفتتحا يومه بتناول الفطور، يرتوي قلبه بتلاوة القارئ الشيخ محمد رفعت، ثم تلتقط أذناه رسائل ونصائح برنامج “بريد الإسلام”، وحينما يتعالى صوت المذيع ببرنامج حول دلالات خواتيم الآيات، يكون أشرف قد تجهّز ليبدأ مهام عمله بتوصيل التلاميذ للمدرسة.
وعبر مذياع حافلته الصغيرة، ينجح أشرف في اللحاق بفاتحة برنامج “حديث الصباح”، ولا يغفل ذهنه -رغم التركيز في الطريق- عن متابعة برنامجه المحبب “ومضة تفسيرية”.
“لا يعكر صفو تلك الصباحات السماوية الرائقة إلا إعلانات لمؤسسات تجارية وخيرية”، يقول أشرف للجزيرة نت، منزعجا كون هذه الإعلانات “صارت كثيفة حد أنها باتت غالبة على الإذاعة التي لم تكن تذيع قبل سنوات أي إعلان”.
وتبث الإذاعة إعلانات تجارية تخص مصالح حكومية ومؤسسات خاصة، وخيرية، تدعو بعضها لجمع التبرعات.
تدخل برلماني
ودعت النائبة ألفت المزلاوي -في طلب للبرلمان- إدارة الإذاعة بمنع الإعلانات على هذه المحطة ذات الخصوصية، حيث “لا يصح قطع أجواء الترتيل والتلاوة بإعلانات عن الضرائب وحفر الآبار”.
ولفتت ألفت المزلاوي -وهي أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب- إلى أن ما يراه الناس ويسمعونه في بقية المحطات والقنوات يجب أن يختلف عما يسمعونه من إذاعة للقرآن الكريم.
واحتلت إذاعة “القرآن الكريم” المرتبة الثانية على مستوى الإذاعات في معدل الاستماع عند المصريين، وفق دراسة ميدانية أجراها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر)، أواخر عام 2020.
وأوضحت الدراسة أن 45% من مستمعي المحطة يستمعون لها في المنازل، مقابل 47% يستمعون لها في وسائل المواصلات، و8% يستمعون لها في مقرات العمل. كما بيّنت أن 39% من المستمعين يتحرون سماع المحطة، مقابل 61% يسمعونها عرضا عند تشغيلها من خلال أحد أفراد الأسرة أو سائقي وسائل المواصلات أو زملاء العمل.
ورأى رئيس مركز “تكامل مصر” مصطفى خضري أن “المحطة تمثل حالة روحية عند مستمعيها، عكّرت صفوها هذه الإعلانات، وأشاعت حالة من الغضب نتاج الشعور بالابتزاز العاطفي لمستمعيها الخيرين بطبيعة الحال”، كما قال للجزيرة نت.
وبحسب مصادر بالإذاعة المصرية، بدأت خطة الإعلان على المحطة منتصف عام 2014، حينما أرسل القطاع الاقتصادي باتحاد الإذاعة والتلفزيون اقتراحات لرئيس الإذاعة وقتها عبد الرحمن رشاد بإدخال الإعلانات لمحطة القرآن الكريم، وجاء في الخطاب أن الاتحاد يتلقى رغبات معلنين كثر للإعلان على المحطة التي تعد الأعلى في نسب الاستماع والمتابعة.
واستنكر الكاتب عمار علي حسن “قيام إذاعة مهمتها سقيا الأرواح من الظمأ الروحاني، بإذاعة إعلانات لطلب تبرعات لسقيا الماء، فضلا عن إعلانات تجارية تعزز النزعة الاستهلاكية والتفاخر والأثرة، المصادمة لجوهر رسالة الإذاعة الخالصة لوجه الله لا لوجه التجارة”.
واعتبر حسن -في حديثه للجزيرة نت- أن قطع استمتاع المستمع بتلاوة القرآن، ببث إعلانات تجارية، هو “سرقة لهذه اللحظة الروحانية، فضلا عن أن بث إعلانات تعرض للمستمع سلعا ليست في متناوله، مسألة بعيدة عن التواصي بالمرحمة تجاه محروم في ملجئه الروحي وسلواه الوحيد”.
وبرأي حسن، “ليس مطلوبا من هذه الإذاعة أن تنفق على نفسها، أو تبحث عن مصادر دخل، فمقتضيات توفير الرسالة الدينية الوسطية، التي تبثها هذه الإذاعة، أولى بالإنفاق من قِبل الدولة، إذ تعمل المحطة على مقاومة التطرف، وتوظيف الدين في السمو الأخلاقي والإشباع الروحي، باعتبار تلك الأهداف جزءا من مسؤولية الدولة، مثل الإنفاق على التربية والتعليم، وغاية القهر للقائمين عليها إلزامهم بالإنفاق عليها، وغاية القهر على المتابعين لها إسماعهم ما لا يرغبون”.
أما إذا كان لا مفر للإذاعة من إعلانات، فينصح عمار علي حسن بتخصيص أوقات محددة لها بين البرامج، وأن تتضمن الإعلان عما يتماس ورسالتها السامية، مثل الكتب الحديثة أو الأنشطة الخيرية.
لا مشكلة في التمويل
من جانبه، أكد أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس حسن علي أن الأصل في إذاعة القرآن الكريم هو أنها إذاعة خدمية وليست تجارية، واصفا ما يتم بثه من إعلانات عبر أثيرها بـ”جريمة تخالف قرار إنشائها بالأساس، وتؤذي جمهورها وتنال من قيمة وسمو الرسالة”.
وقال علي -وهو إذاعي سابق أيضا- إنه “إذا كان الهدف من الإعلانات على إذاعة لها جماهيرية ومحبوبة هو جلب التمويل، فهناك طرق أخرى تجارية لجمع المال بعيدا عن الرسالة السامية”.
وطالب علي -في حديثه للجزيرة نت- بضرورة “مراعاة ضوابط واشتراطات مهنية، حال اضطرت الإدارة لبث إعلانات، لا تضر بالرسالة الروحية للإذاعة، كما تناسب طبيعة المحطة وجمهورها”.
إذاعة القرآن الكريم ..
لا يصح مع تلاوة القرآن ..
بث إعلانات تجارية حول :
حفر الأبار والسقيا ..
احتراما لمنهج الله والسنة المطهرة ..
ووعظ علمائنا ..
أفيقوا يا مسؤولي الإذاعة ..— يحيى السيد النجار (@yahya_elnaggar) March 5, 2023
أما الكاتب الصحفي أنور الهواري، فاستبعد أن تكون هناك مشكلة في التمويل لدى الإذاعة، ولكن “المشكلة في سيطرة وزارة الأوقاف كسلطة تنفيذية عليها بما يخل باستقلالها عن السياسات القائمة، فالدعاية هنا لا تقتصر على الناحية التجارية”.
وأكد الهواري -في حديثه للجزيرة نت- أن إذاعة القرآن الكريم تدخل ضمن خدمة يقدمها الإعلام القومي، الذي يتمول من المال العام، وليست في حاجة للإعلانات ولا للتمويل الذاتي.
وتبلغ عوائد الإعلانات على المحطة نحو 25 مليون جنيه سنويا (نحو 8 ملايين دولار)، بحسب تصريحات صحفية أخيرة لرئيس الإذاعات المصرية محمد نوار، موضحا أنه لولا “الضوابط المشددة للإعلان عليها لتضاعفت العوائد، نظرا لإقبال المعلنين عليها ليقينهم بانتشارها”.
ومع تفضيله لعدم الإعلان عليها، إلا أن “الظروف التي تمر بها الإذاعة عموما تفرض استقبال الإعلانات على المحطة التي يتابعها نحو 40 مليون مستمع، يقفز العدد إلى 70 مليونا في شهر رمضان”، مؤكدا “عدم تأثر” مساحة القرآن الكريم المذاعة على المحطة بالإعلانات، وتصل تلك المساحة حاليا إلى 80% على مدار اليوم، فيما لا تزيد فقرات الإعلانات على ربع ساعة على مدار اليوم.