هيمنت عليها “عباءة الفرد”.. هل تنتهي أحزاب الأردن إلى مقار فارغة تعتمد على الدعم الحكومي؟
عمّان- تُعيد مدخلات العملية السياسية الأردنية منذ شهور بقوة مفهوم إعادة إنتاج النخب وتدويرها، مما يُعد -وفق مراقبين سياسيين- بمراوحة في المكان الذي ما برحته الحياة الحزبية الأردنية منذ الإطاحة بأول حكومة برلمانية منتخبة قبل نحو 67 عاما.
والآونة الأخيرة، ينشط في المملكة حراك حزبي لافت بعد أن حدد قانون الأحزاب الجديد، رقم (7) لسنة 2022، مهلة تنتهي في 15 مايو/أيار المقبل، لتصويب أوضاع الأحزاب القائمة واستكمال ترخيص أحزاب جديدة.
واشترط القانون الجديد -بعد إقراره من البرلمان- ألا يقل عدد الأعضاء المؤسسين للحزب عند انعقاد مؤتمره التأسيسي عن ألف شخص، يمثلون 6 محافظات على الأقل، بواقع حد أدنى 30 عضوا من كل محافظة.
خارطة غير مستقرة
ووفق الهيئة المستقلة للانتخاب، فإن 12 حزبا جرى تصويب أوضاعها وتجديد ترخيصها، إلى جانب ترخيص حزب واحد جديد، وفق شروط اعتمدتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الهيئة محمد خير الرواشدة -للجزيرة نت- أن 3 أحزاب أخذت صفة “قيد التأسيس” وهناك طلبان لتأسيس حزبين جديدين.
ووفق الرواشدة، تدرس الهيئة طلبات 19 حزبا قائما لتوفيق أوضاعها مع القانون الذي اشترط على الأحزاب القائمة، وعددها 56، شروطاً عديدة من أهمها: انتساب ألف عضو منهم 20% نساء و20% شباب تحت عمر 35 عاماً، وأن يمثل هؤلاء 6 محافظات من بين 12 محافظة.
ولن تستقر الخارطة الحزبية، حسب الهيئة المستقلة، قبل منتصف مايو/أيار المقبل، وهي آخر مدة بموجب أحكام قانون الأحزاب النافذ الذي اعتبر الأحزاب المرخصة بموجب القانون السابق بحكم المنحلة حتى تصويب أوضاعها.
ورغم الإقبال اللافت للأحزاب على تصويب أوضاعها، تكشف استطلاعات الرأي عن إحجام الأردنيين عن الانتساب للأحزاب. وهو ما يرجعه نضال البطاينة أمين عام حزب إرادة “الجديد” إلى “إرث قديم، لا يتناسب وحجم الطموح السياسي للمرحلة”.
طفرة حزبية ولكن..
ويستعرض الباحث السياسي الدكتور عبد الله الطوالبة أبرز الأسباب العميقة لمراوحة الحياة الحزبية بمربع “الفردية” موضّحا أنه منذ مناداة حزب “الشعب” عام 1927 بتشكيل مجلس نيابي منتخب وحكومة برلمانية، وما تلاه من تشكيل أحزاب يسارية وإسلامية وقومية حتى اليوم “ظلت الأحزاب رهينة الشخصية الواحدة، ولم تخرج من عباءة الفردية”.
وشهدت الحياة الحزبية طفرة أواسط خمسينيات القرن الماضي، ومع اتساع رقعة المد القومي، إذ بلغت ذروتها بتشكيل أول حكومة برلمانية حزبية برئاسة سليمان النابلسي، في أكتوبر/تشرين الأول 1956.
وأضافت التنظيمات الفلسطينية -التي نشطت على الساحة، خلال عقدي الستينيات والسبعينيات- زخماً سياسياً للنشاط الحزبي، لكنه تراجع بقوة، غداة الصدام المسلح بين الجيش الأردني والتنظيمات الفلسطينية، وخاصة أحداث “أيلول الأسود” العام 1970.
وغداة تلك الأحداث لجأت الحكومة الاردنية إلى حظر الحياة الحزبية، مستثنية جمعية الإخوان المسلمين الذين سمح لهم بممارسة العمل الحزبي.
وصيف 2021، بادر الملك عبد الله الثاني إلى تشكيل لجنة لتحديث المنظومة السياسية وعهد بها إلى رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وشملت توصياتها إعداد مسودتي مشروعي قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية.
إعادة إنتاج النخب
وتصرّ أوساط الحكم على أن تكون الأحزاب البرامجية أداة وحيدة لتداول تشكيل الحكومات البرلمانية، وهو ما يفسّر ظهور أحزاب جديدة آخر عامين. لكن النخب السياسية تفهم سعي الدولة إلى تنظيم العمل الحزبي لتكريس “وجود 3 أحزاب قوية” بالاستناد لمقولة الملك الراحل الحسين بن طلال “الازدحام يعيق الحركة”.
وفي هذا الوسط، تبرز تخوفات من إزاحة الأحزاب الأيديولوجية والمعارضة مثل اليسارية والقومية، باعتبارها لا تلبي متطلبات المرحلة، وفشلت في تحقيق أي حضور سياسي بالبرلمان أو الحياة السياسية، وانحصرت في فعاليات تشبه الصالونات السياسية، وانتهت إلى مقار فارغة تعتمد على الدعم الحكومي.
20 ألف متحزّب فقط
تتحدث الإحصاءات الرسمية عن نحو 20 ألف مواطن فقط ينتمون إلى أكثر من 50 حزباً. ويقول الباحث الطوالبة “ما زلنا نكرر أنفسنا وندور في دائرة واحدة، أحزاب تقوم على أشخاص بعينهم ولا يثق بهم الشعب الأردني، بل ويراهم أساس الداء فكيف سيأتون بالدواء”؟.
والطوالبة كما غيره من الأردنيين راقب “ظهور أشخاص لا باع لهم بالعمل السياسي، ولا تاريخ سياسياً معروفاً لهم، وصاروا يقودون أحزاباً ويلتف حولهم المئات، مدفوعين بمصالحهم وليس بالدفاع عن مصالح فئة معينة”.
ويرى ما يحدث “تشويها للعمل الحزبي الحقيقي لا أكثر” متوقعاً انتهاء العديد من أحزاب اليوم “إلى ما انتهى إليه الأولون”. لكنه يعتقد أن طريق النجاة يتطلب “تحول الأردن من التحزّب الحالي إلى التيارات الحزبية والفكرية، كما حدث بفرنسا”.
غير مهتمين بالسياسة
وبحسب دراسة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية بالأردن في أغسطس/آب 2022، فإن 2% فقط من العينة المستجوبة يفكرون بالانضمام إلى الأحزاب السياسية، فين حين لا يتابع 94% أية نشاطات حزبية، ولا يتوقع 51% نجاح الحياة الحزبية.
المركز ذاته أعد دراسة حول المشاركة السياسية لطلبة الجامعات يوم 20 مارس/آذار 2022، ومن أبرز نتائجها أن حوالي ربع عدد الطلبة (23%) مهتمون بالسياسة (بدرجات متفاوتة) و(77%) غير مهتمين، فضلا عن أن أكثر من ثلثي الطلبة (78%) يرون أن ممارسة الأحزاب العمل السياسي لم تكن ناجحة.
الأمين العام لحزب “إرادة” نضال البطاينة، الذي جال الأردن مروجاً لحزبه، يرد قائلا “اليوم غير الأمس” رابطاً إحجام الناس بقناعات الأهل وأرشيفهم عن تجارب قديمة.
ويقول البطاينة للجزيرة نت “من أصل 4800 منتسب للحزب هناك 38% تحت سن 35 عاماً، مما يبدد غيمة الخوف المزعومة، داعيا جميع المؤسسات الرسمية إلى الانخراط في معركة تجذير الوعي ومأسسة ثقافة الحياة الحزبية بالمجتمعات.
والأحزاب لا تنبثق في الصالونات السياسية ولا من الطبقة المخملية -كما يوضح البطاينة- بل تبدأ من الناس وفي الاشتباك الدائم مع مصالحهم وقضاياهم، وأن التحزّب قد يكون حلا لمواجهة الضغوطات الداخلية والخارجية.
بيد أن رئيس مركز دراسات الشرق الاوسط، الدكتور جواد الحمد، لا يرى فروقات جوهرية بين الموجة الحزبية الحالية وسابقاتها، بالنظر إلى ما مرّت به الحياة الحزبية من منعطفات كثيرة. وقال إن الحياة الحزبية لم تبلغ مرحلة الاستقرار بعد.
ويرى أن الأحزاب القائمة لا تقوم على رؤى إستراتيجية لمستقبل البلاد واتجاهاتها، بل تكتفي بالتركيز على القضايا الجزئية.
موجة وقانون مختلف
ولدى المحلل السياسي نظام بركات رأي آخر يذهب به إلى اختلاف الموجة الحالية عن سابقاتها، ولا سيما بالفكرة الحزبية لدى النخب، إلى جانب القائمة الحزبية التي ستحوز 41 مقعدا من المقاعد البرلمانية.
والمهم -بالنسبة لبركات- في القانون الجديد الذي اشترط العتبة (تجاوز نسبة الحسم) أمام أي حزب، كشرط للحصول على المخصصات المالية وللدخول في مضمار المنافسة.
وبسؤاله إن كان هناك إقبال على الأحزاب، يجيب بركات الجزيرة نت بأن “الخوف لا يزال مسيطراً على سلوك العامة بل على الطلاب أيضاً” فضلاً عن أن الأحزاب اليوم هي “أحزاب أشخاص، يجلس رؤساؤها على الكرسي ولا يتغيرون مع الوقت، باستثناء جبهة العمل الإسلامي التي تغيرت قيادتها عبر انتخابات داخلية وأفرزت قيادات جديدة”.