السودان.. هل تنجح الضغوط الخارجية والداخلية في خفض التوتر بين الجيش والدعم السريع؟
الخرطوم- نشطت خلال الساعات الماضية تحركات دولية وداخلية رافقتها ضغوط غربية أسهمت في تخفيف التصعيد العسكري، وخفض التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتسربت معلومات عن طرح رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” شروطًا لحل الأزمة عكست تباعد مواقف الطرفين.
وبلغت الأزمة ذروتها فجر أمس الخميس، إذ اتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتحشيد والانتشار والتحرك داخل العاصمة الخرطوم وعدد من المدن دون موافقته أو التنسيق معه.
واعتبر الجيش -في بيان- تحركات قوات الدعم السريع مخالفة لمهام ونظام عملها، محذرا من أن البلاد تمر بما وصفه بالمنعطف الخطير، وأن التحرك سيؤدي إلى مزيد من التوترات التي تقود إلى انفراط عقد الأمن في البلاد.
في المقابل، قال مكتب الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع إن بعض وسائل التواصل الاجتماعي تناقلت “مزاعم” بأن الدعم السريع قام بأعمال حربية باتجاه مطار مروي.
وأوضح المكتب -في بيان- أن الدعم السريع “قوات قومية تعمل في إطار القانون بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى”، وأن وجودها في الولاية الشمالية وبمدينة مروي “يأتي ضمن وجودها في بقية الولايات، في إطار تأدية مهامها وواجباتها التي تمتد حتى الصحراء”.
الاقتراب من مروي
وكشفت مصادر أمنية عن أن قوات الدعم السريع خططت منذ وقت مبكر للاقتراب من مطار مروي الدولي شمالي البلاد، الذي يشمل قاعدة عسكرية متقدمة هي الأكبر والأهم بعد قاعدة الخرطوم، وتنفتح على حدود السودان الشرقية مع إثيوبيا، والغربية مع ليبيا، والشمالية مع مصر.
وفي حديث مع الجزيرة نت، قالت المصادر الأمنية إن قوات الدعم السريع اشترت مزرعة كبيرة قرب مطار مروي من زعيم قبلي لديه علاقة مصاهرة مع حميدتي، وبدأت في إنشاءات لتحويلها إلى قاعدة مجاورة، وتم إيقاف عمليات التشييد من قبل الجيش قبل أن يسمح لهم بالاستمرار في البناء.
وحسب المصادر ذاتها، شهدت الأسابيع الماضية بث غرف إعلامية من داخل البلاد وغربها معلومات “مضللة” تحاول استثارة السودانيين عن سيطرة القوات المصرية على مطار مروي والقاعدة العسكرية، لإضعاف قيادة الجيش واتهامها بالتنازل عن السيادة الوطنية والمساس بكرامة الشعب السوداني.
ورجحت أن يكون هدف انتشار قوات الدعم السريع قرب مطار مروي لتحييد القاعدة العسكرية لأهميتها الإستراتيجية وتأثيرها الحاسم في أي عمليات محتملة في العاصمة أو شمالي البلاد وغربها وشرقها.
واستضافت قاعدة مروي في العامين الأخيرين تدريبات مشتركة للقوات السودانية والمصرية في مناورة “حماة النيل” لكل تخصصات الجيشين، وقد سبقتها مناورة “نسور النيل 1 و2” بمشاركة عناصر من القوات الجوية وعناصر من قوات الصاعقة (القوات الخاصة) لكلا البلدين.
مساع داخلية
دفع التصعيد العسكري وحشد القوات في الخرطوم ومدن أخرى قيادات حركات مسلحة للتحرك من أجل إنهاء التوتر ونزع فتيل الأزمة الأمنية.
وفي لقاءين منفصلين، استقبل البرهان وحميدتي حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، ووزير المالية والاقتصاد ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، وعضو مجلس السيادة رئيس الحركة الشعبية-شمال مالك عقار.
وقالت تلك الحركات المسلحة إنها وجدت تجاوبا من الجانبين، وحثتهما على التحلي بالروح الوطنية وتقديم كل تنازل يحقن الدماء ويعين على تحقيق الوفاق الوطني الشامل.
وأوضح مناوي -خلال إفطار رمضاني- أن جهوده مع جبريل وعقار نجحت في وقف مواجهة وشيكة بين الجيش والدعم السريع.
كما عقدت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري “قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي” اجتماعًا طارئًا وقالت إنها ظلت في لقاءات متصلة طيلة الأسبوع الماضي جمعتها بقيادة الجيش والدعم السريع، بهدف خفض حدة التوتر واتخاذ إجراءات عملية لتسريع الخطى في العملية السياسية، وقررت طرح أفكار عملية لتجاوز التوتر الحالي واستعادة المسار السياسي بما يعجل بتجاوز نذر المواجهة والوصول لاتفاق نهائي تتشكل بموجبه حكومة مدنية.
مواقف متباعدة
وتسربت معلومات عن تباعد مواقف قيادتي الجيش والدعم السريع بشأن حل الأزمة، وحسب مصادر سياسية قريبة من لقاءات الوساطة تحدثت للجزيرة نت، فإن البرهان اشترط انسحاب قوات الدعم السريع من مروي وعدم تحركها إلى أي منطقة في البلاد، إلا بعد موافقة الجيش كما ينص قانونها، ووضع جدول زمني لدمجها.
وفي المقابل، كشف وزير الإعلام الأسبق حسن إسماعيل -في تسجيل بثه على مواقع التواصل الاجتماعي- أن حميدتي طرح على الوسطاء 5 شروط لتسوية الأزمة، تشمل السماح لقواته باستكمال إنشاء قاعدة جوية خاصة بها قرب مثلث الحدود السودانية المصرية الليبية، وإحالة مئات الضباط في الجيش والشرطة والمخابرات إلى التقاعد، وإقالة وزير الداخلية المكلف حامد عنان، وتشكيل لجنة مشتركة لدمج الدعم السريع في الجيش خلال 10 سنوات، وتسريع التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي.
وذكر إسماعيل أن حميدتي وعد في حال تلبية شروطه بتبعية قواته إلى القائد العام للجيش وليس هيئة الأركان، وسحب قواته من مروي وإخلاء بعض المقار التي تشغلها في الخرطوم، وإعادة تموضعها وخفض مستوى تأهبها.
تحركات خارجية
وعلى المستوى الخارجي، أعرب المبعوثون والممثلون الخاصون من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلق بالغ إزاء تصاعد التوترات في السودان، وخطر التصعيد بين القوات السودانية وقوات الدعم السريع.
وفي بيان، اعتبر مبعوثو الترويكا (فرنسا وألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية) والاتحاد الأوروبي أن الإجراءات التصعيدية تهدد بعرقلة المفاوضات نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
كما تباحث حميدتي في اجتماع هاتفي مشترك مع المبعوث الأميركي لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان بيتر لورد، والمبعوث الخاص للمملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان روبرت فيرويذر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان جون أنطون بشأن تطورات الأزمة في بلاده.
وعقد سفراء الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات لقاءين مع البرهان وحميدتي وطالبوا بتجاوز الخلافات وتجنب المواجهات وتسريع العملية السياسية.
وحملت الاتصالات الدولية من العواصم الغربية مع أطراف الأزمة السودانية ضغوطًا وتهديدات مبطنة وتحذيرًا من الدخول في مواجهات عسكرية، والتلويح بعواقب وخيمة تجاه أي طرف يدفع البلاد نحو المجهول حسب مصادر دبلوماسية سودانية استطلعتها الجزيرة نت.
صراع على السلطة
ويرى الأستاذ في مركز الدراسات الدبلوماسية عبد الرحمن أبو خريس أن اختيار قوات الدعم السريع للانتشار في مروي يأتي لموقعها الإستراتيجي وقاعدتها العسكرية المهمة وقربها من أكبر مواقع الجيش في قيادة سلاح المدفعية بمنطقة عطبرة وفي شندي.
وقال للجزيرة نت إن حميدتي يسعى إلى فرض أمر واقع في مروي لتحسين موقفه التفاوضي بشأن دمج قواته في الجيش، وتوجيه رسالة إلى الشعب السوداني برفض الوجود المصري في القاعدة العسكرية بمروي، لإدراكه حساسية السودانيين تجاه أي تدخلات أجنبية في شؤون بلادهم، واستغلال الاتصالات الدولية معه لتعزيز نفوذه السياسي باعتباره رقمًا صعبًا في المعادلة الداخلية.
أما مدير مركز دراسات السلام في جامعة الخرطوم السابق منزل عسل، فيرى أن ما يجري بشأن التصعيد العسكري في مروي ومناطق أخرى يرتبط بصراع على السلطة، ويقول للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع نشرت قوات في الخرطوم ومدن أخرى ولم ترفض قيادة الجيش.
ويضيف أن البرهان يسعى إلى استغلال قضية مروي للتنصل عن الاتفاق الإطاري، والهروب من العملية السياسية بعدما اقتربت من نهايتها وقناعته بمغادرة موقعه السيادي.
ويوضح عسل أن الجدل الذي أثارته مروي دفع مسألة الوجود المصري في القاعدة العسكرية إلى الواجهة، مما يتطلب من قيادة الجيش توضيحًا للشعب السوداني لتبرير ذلك الوجود وضروراته، لأن هناك من يعتقدون أن التدخل الإقليمي في شؤون البلاد له تأثير مباشر على الأوضاع السياسية.