مع تصاعد الحرب.. ملفات يخشاها الغرب في تعامله مع أزمة السودان
لندن- بينما تتصاعد الأزمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تتابع العواصم الغربية ما يحدث بكثير من القلق، وهو قلق له بواعثه القوية بداية من الموقع الحيوي والإستراتيجي للسودان والتوجس الغربي من التمدد الروسي فيه، فضلا عن الخشية من موجة هجرة جديدة قد تصل هذه المرة إلى أوروبا.
وحتى الآن لم تخرج بيانات الدول الأوروبية المؤثرة (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) عن التعبير عن القلق والدعوة للتهدئة والعودة إلى المفاوضات، لكن بالعودة إلى ما نشر عن الحالة السودانية خلال الأشهر الماضية من مراكز الأبحاث الغربية وكذلك في أكبر الصحف الغربية يظهر أن احتمال انهيار الأوضاع في السودان كان حاضرا في ذهن صانع القرار الأوروبي.
-
كيف تنظر أوروبا للأزمة السودانية؟
تقارب أوروبا والغرب عموما الأزمة السودانية من خلال 3 قضايا أساسية:
- أولاها الموقع الإستراتيجي للسودان: وهنا نجد صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) البريطانية تنقل على لسان أكثر من خبير غربي أن تصاعد الصراع ستكون له تداعيات إقليمية واسعة، إضافة إلى القلق من تأثر الحركة في البحر الأحمر الذي يعد أحد الشرايين المهمة للتجارة العالمية.كما تقول صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية إن ما يحدث في السودان -لو استمر- ستكون تداعيات على العلاقة مع دول الجوار، خصوصا مع إثيوبيا التي دخلت في صراعات حدودية مع السودان أكثر من مرة.
- أما القضية الثانية فهي ملف المهاجرين: ذلك أن السودان يستضيف حوالي مليون لاجئ قادمين من دول الجوار، كما تقول الأمم المتحدة إن هناك حوالي 7 ملايين سوداني تعرضوا للتهجير القسري بسبب الصراعات المسلحة.وقد سبق لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” أن حذر الأوروبيين خلال حوار له مع صحيفة “بوليتيكو” (Politico) الأميركية نهاية عام 2021 من أن بلاده قد تصبح مصدرا لتدفق المهاجرين.
- أما القضية الثالثة فهي الخشية من النفوذ الروسي: وهذه الخشية هي التي جعلت التحركات الروسية في السودان تحت المجهر إلى أن أعلن الاتحاد الأوروبي في فبراير/شباط الماضي فرض عقوبات على شركة “ميروي للذهب” (Meroe Gold)، والتي قال إنها فرع لمجموعة فاغنر، وهي وسيلة للتحايل على العقوبات الأميركية “واستغلال ثروات السودان من الذهب”، فضلا عن المحادثات التي جمعت بين السودان وروسيا من أجل إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر، وهو المشروع الذي قوبل برفض غربي كبير.
-
ما التوقعات الغربية لمجريات الأحداث؟
تنقل صحيفة “فايننشال تايمز” عن مركز “مجموعة المخاطر” (Crisis Group) أنه كلما طال أمد الصراع المسلح “زاد احتمال أن ينتقل التأثير إلى دول الجوار، وزادت مخاطر تدخل أطراف قريبة من الحدود السودانية في هذا الصراع”.
من جهته، يقول أليكس دي وال -وهو أحد أكبر الخبراء الغربيين وعلى دراية بالسودان وصاحب كتاب “ديمقراطية السودان الناقصة” (Sudan’s Unfinished Democracy)- إن ما يحدث “قد يكون ممهدا لحرب أهلية”.
وأضاف دي وال في تصريحات للإعلام البريطاني أن الطرفين “لديهما القدرة على مواصلة القتال لأنهما مسلحان بشكل جيد، وكل طرف يخشى الآخر بشكل كبير، إضافة إلى غياب أي جهة سودانية موثوقة يمكن أن تقوم بدور الوساطة”.
-
هل توقعت أوروبا سيناريو الاقتتال سابقا؟
كانت المواجهة المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع السيناريو الأسوأ الذي وضعته مراكز بحثية غربية وكان متوقعا بشكل دائم، ونجد ورقة بحثية للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إي سي إف آر” (ECFR) -الذي يعد من أكبر المراكز المتخصصة في السياسة الخارجية- تحذر من استفراد الجيش بالقرار والدخول في صراع مسلح.
ويقول ثيودور مورفي -وهو مدير القسم الأفريقي في المركز- في هذه الورقة إن نقطة التحول في السودان هي استقالة عبد الله حمدوك “والتي فرضت تحديات كبيرة على صانع القرار الأوروبي”.
وتحذر الورقة البحثية -التي تمت صياغتها منذ أكثر من سنة ونصف وتم تقديمها لصناع القرار الأوروبيين- من أن “سجل الجيش في اكتساب القوة مؤخرا يظهر نيته الاستيلاء على السلطة الكاملة، لذلك يحتاج الشركاء الدوليون إلى التركيز أولا على الجيش”.
ويظهر من خلال الورقة أن هاجس الصراع المسلح حول السلطة كان حاضرا عند الأوروبيين منذ مدة طويلة، ولهذا كانت كل التوصيات تركز على ربط المساعدات الدولية للسودان بتراجع الجيش عن رغبته في الانفراد بالحكم، ومنح المدنيين هامشا أكبر في السلطة.
-
كيف يمكن أن تتدخل الدول الغربية؟
حسب صحيفة “غارديان”، فإن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الغربي الأكبر في السودان بمواجهة النفوذ الروسي، إضافة إلى النفوذ السعودي والإماراتي، لكن أكثر ما يخشاه الغرب فعلا هو منح روسيا فرصة لزيادة نفوذها هناك عبر إعطائها منفذا في البحر الأحمر.
ويظهر أن الإستراتيجية الغربية في التعامل مع الأحداث في السودان ستكون من خلال التنسيق مع الدول الإقليمية التي لها تأثير في هذا البلد، وعدم التدخل مباشرة في المفاوضات والوساطات.
كما أن الملف السوداني -حسب ردود الفعل الحالية- لا يظهر أنه أولوية للغرب المنشغل بالحرب الأوكرانية، وكل ما يبحث عنه هو قطع الطريق أمام أي تمدد روسي في السودان.