الاخبار العاجلةسياسة

نهر الصفو لا يزال جاريا.. كيف بدت علاقة أبناء النيل في مصر بعد التطورات الأخيرة بالسودان؟

القاهرة – “لا تبع له هذه السلع يا كاشير”، سمع أحمد آدم هذه العبارة آتية من الخلف حين همّ بدفع ثمن مواد غذائية بأحد المتاجر، نظر للمتحدث فإذا هو مصري يبتسم وقد بدت عبارته ممازحة، وازدادت ابتسامة المتحدث وهو يضيف “حتى يقضوا على من أهان أبناءنا عندهم”.

رغم الطمأنينة التي حاول المصري إبداءها في حديثه الودود مع أحمد، فإن المغترب السوداني لم يخف قلقه، فما قرأه على مواقع التواصل الاجتماعي من بعض ردود المصريين على مشاهد أسر جنود مصريين في السودان من قبل الدعم السريع، فيها إهانات للمصريين، جعله يشعر بأن ثمة “شرخًا” يمكن أن يقع بالفعل بين الشعبين لو لم يتدارك العقلاء الأمر.

في منطقة فيصل بالجيزة، ومدينة أكتوبر غرب القاهرة، يمكن ملاحظة كثافة كبيرة للسودانيين، فلهم نقاط تجمع معروفة فرضها وجودهم الكثيف.

يقول أحمد للجزيرة نت إنه لم يساوره من قبل “شعور الغربة في مصر” باستثناء “مزاح خفيف” لم يكن يستوعبه في بداية قدومه للقاهرة قبل 5 سنوات فتى في الـ15 عاما مع والديه، ومنها كلمة “يا شوكولاتة”، التي عرف أنها لا تحمل إساءة للون بشرته، بل مداعبة لطيفة.

ملايين السودانيين

ويقدر آخر تقرير للمنظمة الدولية للهجرة في مصر أعداد السودانيين بمصر بنحو 4 ملايين سوداني، وللمفارقة فهو العدد نفسه تقريبا الذي ذكره الرئيس المخلوع حسني مبارك في تسعينيات القرن الماضي بإحدى خطبه حين تأزم الموقف بين الخرطوم والقاهرة لأسباب سياسية، وألمح مبارك حينها إلى إمكانية ترحيل السودانيين “لكي تقوم الحكومة السودانية التي تشكك في الرقم بإحصائهم بنفسها”.

يفسر مراقبون عدم ازدياد السودانيين بمصر، رغم نزوحهم الكبير من السودان مع تفاقم وتصاعد الأزمات، بأن “مصر محطة عبور لا إقامة”، هذا الأمر يؤكده حسن الهميم -وهو سائق حافلات سوداني انتقل وأسرته إلى مصر مؤخرا- في حديثه للجزيرة نت، آملا أن يسعفه الحظ بالسفر إلى بريطانيا بترتيبات يسعى فيها زوج ابنته المقيم هناك، مضيفا “الأحداث بالسودان لا تبشر بخير، رغم أننا آمنون وبخير هنا”.

أجمع كل من تحدثوا للجزيرة نت من السودانيين على أنه لا مضايقات إطلاقا ضدهم سواء من الحكومة أو المصريين عقب أحداث السودان التي جرى خلالها احتجاز جنود مصريين وتوجيه إهانات لهم على يد قوات من الدعم السريع، اعتذرت عنها لاحقا قيادات الدعم السريع، كما تبرأ مغردون سودانيون من الإساءات التي لحقت بالمصريين وتلفظ بها سودانيون محسوبون على بعض الأطراف، مؤكدين أنهم هم أيضا “ضحايا”.

 

وترسم زينب حمامات بالحناء على يد إحدى زبائنها في شارع المعز بالقاهرة، وهي تردد “لعن الله الظالمين أعداء السلام”، دون أن تفصح عمن تقصده تحديدا بالظالمين في طرفي الصراع بالسودان، مؤكدة في حديثها للجزيرة نت أن أعداد المترددين عليها في جلستها أمام مسجد الأقمر بشارع المعز وسط القاهرة القديمة لرسم الحناء لم ينخفض، مما يعني أن أحدا لم يقاطعها كونها منتمية للبلد الذي تلفظ بعض أبنائه بإساءات لمصر، وأهين فيه جنود مصريون.

تلفت زينب إلى أنها سمعت من أبناء جلدتها أن هناك منشورات على مواقع التواصل تطالب بمقاطعة وإجلاء السودانيين من مصر، لكن ذلك “لا أثر له على أرض الواقع”.

بالمقابل، هناك قلق هامس بين مصريين من أن يتدفق مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين إلى مصر، مسبيين مضاعفات للأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعانيها بلادهم.

 

مبادرة لرأب الصدع

إزاء تلك المناوشات الافتراضية، بادر مصريون لجمع توقيعات على بيان صاغه الطبيب والناشط المصري حازم الرفاعي، يدعو فيه إلى “رأب الصدع ومنع الشقاق”، واختتم البيان بالقول إنه “يجب تحدي ووقف أي حماقات يصبح من الصعب إصلاحها بمجرد حدوثها، وقد تترك جروحا من الصعب اندمالها، وعاشت وحدة كفاح الشعب المصري والسوداني وتطلعهما المحق نحو الرخاء والتقدم”.

وجمع البيان عشرات التوقيعات من مثقفين وشخصيات مجتمعية، بعضهم جذوره سودانية.

ويفضل السودانيون العمل في مصر في بعض المهن، إما التجارة في البضائع، وإما السمسرة في العقارات، أو العمل أفراد أمن، أو عمال بيع ونظافة في متاجر، ويعتمد كثير منهم على مساعدات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو تحويلات مالية قادمة من ذويهم داخل أو خارج السودان، بحسب حصيلة مقابلات مع سودانيين، أكدت أن أمورهم العملية لا مشاكل فيها.

ولا يشكو إبراهيم المحجوب، الذي يفرش بضاعته البسيطة من مستلزمات الأغراض الشخصية على رصيف بشارع رمسيس وسط القاهرة، من أي سلوك سلبي من المصريين “على العكس، فقد تزايد أعداد المشترين مني مؤخرا”، كما ذكر في حديثه للجزيرة نت، حيث يرى مصريون استحقاقه لأنه “غريب” ربما.

يرى المحجوب أن تطورات الأحداث في السودان لن تنتهي قريبا إلا بعد قضاء طرف على الآخر.

موقف المصريين

لا يبدو أن معظم المصريين يلقون بالا لتلك المناوشات الجارية على مواقع التواصل، بل إن طرح السؤال أصلا حول موقفهم من السودانيين الموجودين بمصر عقب التطورات الأخيرة قد أثار دهشة المتحدثين، يقول سمير عبد الله، وهو معلم أربعيني بمنطقة فيصل: أجلس يوميا في مقهى معظم رواده من السودانيين، لم يتغير شيء ولم نلتفت مطلقا لأي كلام حول وجودهم، سواء قبل الأحداث أو بعدها.

بدوره لم يقلق خالد رمضان إزاء التطورات الأخيرة إلا على عوائد إيجار شقته بمنطقة أكتوبر، حيث يسكن مواطن سوداني مع أسرته، حاول خالد إخفاء قلقه بضحكة مقتضبة وهو يقول للجزيرة نت “أفضل أن أؤجر شقتي للسودانيين، فهم مسالمون وطيبون وأنقياء وصرحاء ومستقيمون وملتزمون، هذا هو رابع مستأجر سوداني لشقتي خلال السنوات الخمس الماضية، غير أنني أجد في نفسي حرجا من مطالبته بإيجار مايو/أيار الذي اقترب أجله في ظل هذه الأحداث، التي لا شك ستؤثر على التحويلات الواردة إليه”.

وأكد أنه لا يلقي بالاً إطلاقا لأي كلام يؤثر على العلاقة بين الشعبين، معربا عن استعداده للصبر على المستأجر، بل مساعدته ماديا لو تطلب الأمر.

وقال البرلماني المقرب من السلطة محمود بدر إنه من المؤكد أن أحدا لن يحمّل السودانيين اللاجئين أو الضيوف في مصر أي مسؤولية، ولن يتعرض لهم، لأنهم ببساطة في دولة مصر “القوية” و”شعبها الأصيل الذي يحترم الضيوف”.

وتداول مغردون دعوة الحكومة إلى تخفيف الأعباء المعيشية عن كاهل السودانيين بمصر، ومراعاة ظروف المرضى والطلبة، وأن تعفيهم من سداد أي مبالغ مالية حتى تعود الاتصالات والمؤسسات السودانية إلى عملها.

في وسط القاهرة، خلا موقف حافلة تنقل المسافرين إلى أم درمان السودانية من رواده، وقال للجزيرة نت موظف بالمحطة التي تكدست بالحافلات الفارغة “خسرنا موسم الأعياد، كنا في مثل هذه الأيام من كل عام لا نلاحق حجم طلبات السفر إلى السودان برّا”.

وتابع المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه “القلق مسيطر على الجميع من السفر، فضلا عما يشاع من أن الطرق مقطوعة، وهذا غير صحيح، فقد وصل مسافرون إلى دنقلة جنوبا بسلام”.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى