يعود للواجهة من جديد.. ما قصة إحالة الادعاء العام العراقي مصطفى الكاظمي للتحقيق؟
بغداد- بعد أكثر من 6 أشهر على تركه منصبه رئيسا للوزراء، عاد مصطفى الكاظمي لواجهة الأحداث بالعراق بعد أن قرر الادعاء العام العراقي إحالته للتحقيق بقضية اغتيال أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني بضربة جوية لطائرات مسيرة أميركية قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020.
وأظهرت وثائق رسمية كُشف عنها الأحد الماضي -واطلعت عليها الجزيرة نت- أن رئاسة الادعاء العام، وفي ردها على كتاب النائب بالبرلمان العراقي ورئيس حركة حقوق حسين مؤنس، قد وجهت محكمة التحقيق الاتحادية باتخاذ الإجراءات القانونية بصدد ما جاء بكتاب تحريك الشكوى.
وكان النائب حسين مؤنس قد طلب من رئيس جهاز الادعاء العام بتحريك شكوى قضائية ضد الكاظمي بصفته رئيس جهاز المخابرات السابق، نظرا لما وصفه النائب بإهمال الكاظمي الجسيم وتقصيره مع بعض موظفي الجهاز المكلفين بشأن عدم تقديمه المعلومات الأمنية اللازمة إلى القائد العام للقوات المسلحة لغرض اتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شأنها منع تعريض سلامة الطيران المدني في مطار بغداد الدولي للخطر في تاريخ اغتيال المهندس وسليماني، بحسب الوثيقة المسربة.
ووفقا لهذه الوثيقة تصاعد الجدل حول إمكانية محاكمة الكاظمي على اعتبار أنه كان يشغل أعلى منصب تنفيذي بالبلاد، وفيما إذا كان يتمتع بحصانة سياسية وقانونية من عدمه.
الرأي القانوني
من جانبه، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي أن لا أحد فوق القانون، وفق ما تنص عليه القوانين العراقية، وبالتالي، فإن من حق البرلمان أو أي نائب فيه مطالبة الادعاء العام بفتح تحقيق حول جريمة معينة وفق المادة 2 من قانون الادعاء العام رقم 49 لعام 2017.
وفيما يتعلق بقضية الكاظمي، يتابع التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أن ما حصل في حادثة اغتيال المهندس وسليماني بمطار بغداد يعد انتهاكا للسيادة العراقية، مشيرا إلى أن التحقيقات ستظهر حقيقة الأمر، وفق قوله.
في غضون ذلك، يرى الباحث القانوني أمير الدعمي أن مضمون الشكوى القضائية تتهم الكاظمي بالإهمال في عدم تقديمه -كرئيس لجهاز المخابرات- المعلومات الأمنية اللازمة حول سلامة الطيران المدني بمطار بغداد، مشيرا إلى أن مسؤولية الأجواء العراقية ومراقبتها تقع ضمن مسؤولية العمليات المشتركة ورئاسة أركان الجيش، وبالتالي، فإن جهاز المخابرات ليس من مسؤولياته منح إذن الطيران لهذه الجهة أو تلك، بحسب تعبيره.
الدعمي -وفي حديثه للجزيرة نت- أوضح أن المسؤولية تقع على عاتق رئيس الوزراء العراقي الأسبق والقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، إضافة للعمليات المشتركة، ووفق السياقات الإدارية لجهاز المخابرات، فإن مهمة مراقبة الأجواء ليست من مهام هذا الجهاز في حينها.
ومن الناحية القانونية، يؤكد أن السياق القانوني في البلاد يحتم على الادعاء العام قبول الشكوى ورفعها لمحكمة التحقيق، إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق المضي بالإجراءات، إلا إذا كان لدى المخبر دليل بحق المتهم، وفق ما أفاد به الدعمي.
استغلال سياسي
وفي خضم الحديث عن هذه القضية سياسيا، يعتبر الدعمي أن إيران تعد صاحبة الحق في متابعة قضية اغتيال قاسم سليماني، إلا أن إيران ذاتها كانت قد استقبلت الكاظمي في أواخر فبراير/ شباط الماضي، والتقى الكاظمي حينها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وهو ما قد يعطي انطباعا مغايرا، بحسب تعبيره.
وتحاول بعض الأطراف السياسية تشتيت الحكومة الحالية وحرفها عن محاولاتها النهوض بالواقع العراقي، وفق الدعمي، مشيرا إلى أن ما يثير الاستغراب يكمن في أن الشكوى بهذه القضية ليست جديدة، إلا أن تحريكها في هذا التوقيت يثير الريبة لتزامنها مع الإعلان عن رفع القضاء العراقي إشارة الحجز للعقارات التي يمتلكها المتهم الأول “نور زهير” بقضية سرقة الأمانات الضريبية المعروفة محليا بـ “سرقة القرن”، والتي تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار.
في السياق، يقول الباحث السياسي مجاشع التميمي -المقرب من التيار الصدري- إن محاولات البعض اتهام الكاظمي بالعديد من القضايا غير صحيح، معتبرا ذلك محاولة من قبل بعض الكتل السياسية للهروب من تقديم منجزات بعد 6 أشهر من تشكيل الحكومة الجديدة التي تحاول جاهدة تقديم خدمات أفضل للعراقيين، على اعتبار أن رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني يعد أول شخصية سياسية تحظى بقبول شعبي وسياسي، وفق تعبيره.
وفيما يتعلق بقضية اغتيال المهندس وسليماني، فقد قال التميمي إن “الجانب العراقي كان قد سأل إيران حول الموضوع، وأجابت إيران بأنها لا تتهم الكاظمي بمشاركته في الاغتيال، ولا تمتلك أي معلومة عن مشاركته، وحينما طلبت طهران من العراق ومن البيت الشيعي تقديم الأدلة بتورط الكاظمي، لم يُقدَم أي دليل”.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أن جميع المسؤولين، ومنهم الكاظمي، وجميع رؤساء الحكومات العراقية مسؤولون أمام القضاء، وبالتالي، يجب السماح للقضاء بالعمل دون ضغوط، وفق تعبيره.
مسؤولية الكاظمي
بدوره، يؤكد الباحث السياسي هاشم الكندي -المقرب من الإطار التنسيقي- أن الشكوى القضائية التي رفعها النائب حسين مؤنس ترتبط باستحقاقات نتائج التحقيق مع أحد عناصر جهاز المخابرات المعتقل ضياء الموسوي وإفادته بتورط الكاظمي بقضايا فساد واغتيال المهندس وسليماني، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع الكندي قائلا “إن هذه الدعوة تتعلق بتقصير الكاظمي في منصبه السابق رئيسا لجهاز المخابرات، وإن القضية لا تزال قيد التحقيق، وإن ورود اسمه في القضية يعد أمرا طبيعيا وليس استهدافا سياسيا، ومنصبه السابق لا يعفيه من المسؤولية في حال أثبتت التحقيقات تورطه، وأن استقبال إيران للكاظمي يعد بروتوكوليا، لا سيما أن أي اتهامات لم توجه للكاظمي في حينها، والقضاء سيبت في صحة التهم من عدمها”.
في السياق، يرى الباحث السياسي حيدر الموسوي أن كتائب حزب الله العراق التي تتبع لها حركة حقوق البرلمانية هي التي كانت قد كشفت أولا أن الكاظمي كان جزءا من عملية اغتيال المهندس وسليماني، وأنهم يمتلكون عددا من الأدلة بهذا الشأن، وفق قوله.
ويبرر الموسوي تقديم الشكوى في هذا التوقيت بأن الكاظمي كان قد شغل بعد الحادثة بأشهر منصب رئاسة الوزراء مع امتلاكه السلطة على الأجهزة الأمنية، وبالتالي، فإن هذه الجهة انتظرت الوقت المناسب والأجواء السياسية المناسبة لإثارة الموضوع مجددا.
ويختتم الموسوي -في حديثه للجزيرة نت- أن الدبلوماسية الدولية والإقليمية لم تعد معنية بشخص مصطفى الكاظمي -رغم زيارته الأخيرة لطهران- مما يعني أنه في حال توفر أدلة قضائية مقنعة لدى القضاء فإنه يمكن محاكمته على الجريمة رغم عدم وجود الكاظمي بالعراق حاليا.