لماذا يريد نتنياهو إقحام “الشاباك” في مكافحة جرائم القتل بالداخل الفلسطيني؟
القدس المحتلة- أثار توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمنح جهاز الأمن العام “الشاباك” صلاحيات لـ “مكافحة العنف والجريمة” في بلدات فلسطينيي 48، ردود فعل منددة في الداخل الفلسطيني كون هذا الجهاز يستبيح دماء الفلسطينيين بوسائل مختلف ومنها الجريمة المنظمة.
وأوعز نتنياهو بتشكيل لجنة لفحص إشراك “الشاباك” في “مكافحة العنف والجريمة” بمجتمع فلسطينيي 48، على أن تقدم توصياتها في غضون أسبوع، وتكليف مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي بالمتابعة مع كافة الأطراف وإخراج فكرة تكليف “الشاباك” بمكافحة “عصابات الجريمة المنظمة” إلى حيز التنفيذ.
وأسس جهاز “الشاباك” المعروف بـ “شين بيت” عام 1949، وعام 1957 أقرت تل أبيب بوجود مثل هذا الجهاز الذي ينشط بسرية تامة، ويركز جل نشاطه بصفوف فلسطينيي 48، وأيضا بأوساط اليساريين واليمينيين اليهود، وهو جهاز استخبارات يعنى بالقضايا الأمنية الداخلية ويتبع مباشرة مكتب رئيس الحكومة.
ويعتبر “الشاباك” -الذي يعنى أيضا بإحباط ما يسمى “العلميات الإرهابية” ومكافحة المقاومة بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967- أكثر الأجهزة الأمنية حضورا وتأثيرا على عملية صنع القرار السياسي والعسكري بإسرائيل كونه يعنى بالأمن الداخلي.
متابعة| مصادر صحفية: 5 قتلى في جريمة إطلاق نار في يافة الناصرة. pic.twitter.com/7iXlJOS1xi
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 8, 2023
نفوذ غير مسبوق
ويحتكر “الشاباك” جمع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالفلسطينيين في الداخل، وكذلك في كل قطاع غزة المحاصر، والضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهو ما منحه النفوذ غير المسبوق في دوائر صنع القرار بإسرائيل والحكومة، خاصة بكل ما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين.
ويأتي تخويل “الشاباك” صلاحيات لـ “مكافحة الجريمة” بمجتمع فلسطينيي الداخل، في وقت قتل 94 شخصا من فلسطينيي 48 منذ مطلع العام الحالي، وسط تقاعس شرطة الاحتلال في الحد من فوضى السلاح وغياب الرادع لاستعماله من قبل عصابات الجريمة المنظمة التي تنشط ببلدات فلسطينيي الداخل، مع اتساع ظاهرة السوق السوداء والإتاوة.
وحيال ذلك، وجهت الفعاليات الفلسطينية بالداخل أصابع الاتهام للمؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها الأمنية والشرطية، وحملتها مسؤولية استفحال العنف والجريمة وتصاعد جرائم القتل واتهامها بالتورط في سفك واستباحة الدماء ومنح الغطاء والدعم لعصابات الجريمة المنظمة.
وحذرت الفعاليات الفلسطينية من إقحام “الشاباك” في حياة المجتمع الفلسطيني بالداخل تحت ذريعة “مكافحة العنف والجريمة” ونبهت إلى أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اختراق غير مسبوق للداخل الفلسطيني واستغلال ذلك لتحقيق وخدمة أهداف جهاز الاستخبارات بإحكام السيطرة على فلسطينيي 48.
تضليل وتشويه
ووصف رئيس اللجنة الشعبية في اللد، المحامي خالد زبارقة، الحديث الإسرائيلي عن إقحام جهاز “الشاباك” بـ “مكافحة العنف والجريمة” في البلدات الفلسطينية بالداخل بـ “الدجل” على مجتمع فلسطينيي 48.
وأوضح زبارقة للجزيرة نت أن “الشاباك” موجود أصلا في مشهد العنف والجريمة وحالة الفوضى ببلدات فلسطينيي الداخل، قائلا “الشاباك ليس حلا كونه طرفا بالمشكلة، لأنه يغذي ويرعى الجريمة المنظمة ويدعمها ويغض الطرف عن ممارساتها، وبالتالي هو ليس جهة محايدة”.
واتهم رئيس اللجنة الشعبية في اللد جهاز “الشاباك” بأنه يقف وراء استفحال العنف والجريمة في البلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر التي تغرق في مستنقع الدماء، مؤكدا أن الاستخبارات الإسرائيلية عنصر فعال في نشر الجريمة وإشاعة الفوضى والسلاح بصفوف الفلسطينيين بالداخل.
وأكد زبارقة بقوله: هكذا يجب أن تقرأ الحالة بأن “الشاباك” -الذي يعرف جيدا تشكيلة ونشاط ومقدرات عصابات الإجرام- هو من يقف وراء نشر السلاح واستفحال الجريمة، وليس هو المخلص والمنقذ، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة تهدف من وراء الزج بـ “الشاباك” إلى التضليل وغسيل الدماغ وتشويه الوعي الفلسطيني.
سيطرة واستباحة
لذلك، يؤكد رئيس اللجنة الشعبية في اللد أن هناك إجماعا بالداخل الفلسطيني بأن المؤسسة الإسرائيلية هي من تستبيح دماء فلسطينيي 48 بوسائل مختلف ومنها الجريمة المنظمة، حيث دأبت الفعاليات الفلسطينية على عدم السماح بتوغل “الشاباك” بهدف عدم حرف الأنظار عن القضية الحارقة وهي استباحة الدم الفلسطيني، والانشغال بقضايا ثانوية.
ويعتقد أن المؤسسة الإسرائيلية عمدت من خلال سياسات ممنهجة لإيجاد هذا الواقع الدموي ببلدات فلسطينيي الداخل، وزرع الخوف وانعدام الأمن الشخصي والجماعي من أجل أن تمرر هدفها السيطرة على فلسطينيي 48 ودفعهم للاستجداء بـ “الشاباك” لتخليصهم من شبح العنف والجريمة.
وبرر زبارقة إجماع فلسطينيي 48 الرافض للاستعانة بـ “الشاباك” للجم العنف والجريمة ببلدات الداخل الفلسطيني بالقول “المخاوف تتلخص بأن تتم شرعنة نشاط الشاباك ومختلف الأذرع الأمنية الإسرائيلية بالحياة اليومية لفلسطينيي الداخل، والتمادي باستباحة حقوقهم وانتهاك الحريات وتكميم الأفواه والتدخل في الشؤون الجماعية وحتى الشخصية، تحت غطاء قانوني”.
فتنة وتفكيك
ذات الموقف تبناه رئيس لجنة الحريات وعضو لجنة لجماهير الداخل الفلسطيني الشيخ كمال الخطيب الذي أشار إلى أن استفحال العنف والجريمة يؤكد الاتهام الدائم والمباشر للمؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها برعاية ودعم عصابات الجريمة المنظمة، وتحميل الاستخبارات الإسرائيلية مسؤولية فوضى السلاح وجرائم القتل بالداخل الفلسطيني.
وردا على سؤال للجزيرة نت حول الإجماع والاعتقاد السائد بأن “الشاباك” هو المعني بمثل هذه الجرائم، أكد رئيس لجنة الحريات أن المؤسسة الإسرائيلية ومنذ انتفاضة القدس والأقصى الثانية، وبهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني، عمدت على إشاعة الفوضى بالبلدات الداخل الفلسطيني عبر نشر السلاح، وتغذية العنف والجريمة، وغياب الردع والعقاب.
وأشار إلى الشيخ الخطيب إلى أن تصريحات نتنياهو للاستعانة بـ “الشاباك” وإسراع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لتشكيل مليشيا الحرس الوطني، يندرج في إطار السياسات الإسرائيلية لحصد ما زرعوه من بذور الفتنة عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، لتفكيك المجتمع الفلسطيني بالداخل وفقدانه الأمن والأمان الشخصي والجماعي بغرض ترويضه واحتوائه.
توسل واستجداء
وأوضح الشيخ الخطيب أن تعمد المؤسسة الإسرائيلية، السماح باستفحال العنف والجريمة في بلدات الداخل الفلسطيني، أتى بهدف أن يتوسل فلسطينيو 48 إلى الشرطة الإسرائيلية التي قتلت العشرات منهم منذ الانتفاضة الثانية بغية أن توفر لهم الحماية.
ولفت إلى أن حكومة نتنياهو تريد الدفع بفلسطينيي 48 للاستجداء بـ “الشاباك” والترويج وكأنه هو المخلص والمنقذ لهم من مستنقع العنف والجريمة، وذلك على الرغم من أن جهاز المخابرات هو إحدى الأدوات التي وظفت لتفكيك النسيج المجتمعي للفلسطينيين.
وأشار الشيخ إلى أن إقحام الشاباك فيما يسمى “مكافحة العنف والجريمة” يعني إدخاله إلى كل بيت عائلة من فلسطينيي 48، والتدخل بشؤونهم والتحكم والسيطرة عليهم، إلى درجة التجنيد والإسقاط لشبانهم وشاباتهم، تحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة، وفك رموز جرائم القتل ولجم عصابات الجريمة المنظمة.
وعليه، فقد حذر الشيخ الخطيب من تداعيات إقحام الاستخبارات الإسرائيلية في حياة المجتمع الفلسطيني، واعتبر ذلك وسيلة غير مسبوقة لاختراق هذا المجتمع، وحرماته، وخصوصياته، والإسقاط تحت غطاء قانوني وقبول فلسطيني، قائلا “لن نسمح أن يتحقق ذلك”.