“عودة الإخوان”.. جدل مبكر في انتخابات مصر الرئاسية
القاهرة- فجر المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة المصرية أحمد طنطاوي جدلا مبكرا تحت عنوان “عودة الإخوان”، في إطار مصالحات ودعوات لطي صفحة الماضي وفتح المجال العام كشرط أساسي لنجاح الرئاسيات المقررة رسميا في الربع الأول من العام المقبل.
وفي أول لقاء مع ممثلي عدد من القوى السياسية والأحزاب المدنية، لم يتردد طنطاوي في الرد بوضوح على تساؤل وُصف بأنه “لغم” إن كان يؤيد عودة جماعة الإخوان المسلمين، فردّ طنطاوي أنه “يؤيد ذلك مع طي صفحة الماضي”.
وأظهر النائب السابق بالبرلمان خلال اللقاء عدم ممانعته “التصالح مع الإخوان وعودتهم إلى المشهد بشكل قانوني من خلال تأسيس جمعية بدلا من الجماعة، بحيث تخضع تحركاتهم لقوانين تحكم علاقة الدولة بالجمعيات الأهلية”.
وتأييدا لموقف طنطاوي، ذهب عضو “ائتلاف الديمقراطيين” حسام الخواجة -في حديثة للجزيرة نت- إلى القول إن المصالحة أمر ضروري وحتمي، وإن الدول تستطيع وضع الاشتراطات اللازمة لهذه العودة، كما اعتبر أن موقف طنطاوي يستحق الإشادة ووصفه “بالشجاع”.
ونقلت مصادر من الحركة المدنية حضرت الاجتماع عن طنطاوي قوله إن موقفه من التيارات السياسية “مرتبط بالقانون والدستور” كما أجاب ردا على سؤال عن رأيه في تنظيم الإخوان وعودته لممارسة العمل السياسي.
وقال طنطاوي “إن المصريين جميعا سواء أمام القانون ولا عودة للأمور التي كان متعارفا عليها من قبل”، مضيفا “من حق أي مصري أن يؤسس حزبا سياسيا والفيصل هو القانون”. وذكر أنه -حال فوزه- لن يُصدر أي قرار بحل أي حزب سياسي.
متاعب لطنطاوي
وتوقع الناشط السياسي أسامة لطفي أن يجر هذا الموقف مزيدا من المتاعب على طنطاوي، “وربما يعرقل مسيرته الانتخابية”، وقال للجزيرة نت إن الحكومة لن تسمح بهذه العودة على الأقل في المدى القريب.
ويرى الخبير بمركز دراسات وادي النيل رامي علي أن إغلاق المجال العام يمنع كثيرين من التعبير عن تأييدهم لدعوات المصالحة، ودعا الحكومة للتعامل بقدر أكبر من المسؤولية والوضوح مع هذا الملف.
وبرأي علي، في حديث للجزيرة نت، “سيتم التعاطي مع قضية المصالحة حتى لو طال الوقت”، مشيرا إلى أن حسن النوايا قد يبدأ بإطلاق سراح بعض المعتقلين وتسوية القضايا التي صدرت فيها “أحكام سياسية”.
ويقول الخبير السياسي إن تنظيم الإخوان لم ينتهِ، كما أن تردّي الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود أحزاب سياسية قادرة على المنافسة سيوفر أجواء مناسبة لعودته.
أما حسين -طالب ينتمي لأحد التيارات الإسلامية بجامعة القاهرة واكتفى بذكر اسمه الأول- فيرى أن دعوة طنطاوي بداية يجب البناء عليها، ويقول للجزيرة نت متعجبا “كيف نقبل بإقصاء جزء أساسي من نسيج المجتمع؟”.
ويقول حسين إنه كغيره من الشباب لا يستطيع الجهر بذلك بسبب مخاوف أمنية، لكنه يرى أن من مصلحة الحكومة والمجتمع السماح بما سماها “عودة مشروطة” للإخوان وبحكم للقانون، معتبرا أن عمل الجماعات في العلن أفضل من النشاط السري.
تحدث عن عودة الإخوان في حال فوزه..
سر الهجوم على أحمد الطنطاوي بعد لقائه أحزاب الحركة المدنية pic.twitter.com/ry25I6zv1L— شبكة رصد (@RassdNewsN) June 13, 2023
تيارات مدنية رافضة
بالمقابل، عبّر عدد من ممثلي القوى المدنية عن رفضهم لعودة الإخوان، وقال رئيس حزب الكرامة محمد سامي إن الحركة المدنية تعتمد على فلسفة واضحة وصريحة هي رفض السماح لجماعة الإخوان التي وصفها “بالإرهابية”. وأضاف في بيان صحفي “لن نسمح لأحد أن يطرح هذه الرؤية لكن نقبل بها تقديرًا للإجماع الشعبي المصري”.
من جهته، أعلن المقرر المساعد للجنة الأحزاب السياسية في الحوار الوطني وعضو الحركة المدنية خالد داود موقفه الرافض لعودة الإخوان للحياة السياسية، وقال في تصريح صحفي “نؤكد دائمًا أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون وعليهم الالتزام به وبالدستور، ولا يوجد أي فرصة لعودة الإخوان للسياسة مجددًا”.
كما اعتبر رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي أن رفض عودة الإخوان للحياة السياسية يعد قرار الشعب وليس الأحزاب. وقال إن الحركة المدنية ترحّب بالبرلماني السابق أحمد طنطاوي مرشحا للرئاسة ولكن يجب أن يحترم الإجماع الشعبي الرافض تمامًا لعودة الإخوان إلى السياسة.
كذلك أصدر المتحدث الإعلامي باسم حزب التجمع بيانا يطالب قادة الحركة المدنية بموقف حاسم من محاولات إعادة من سماها “الإرهابية” للمشهد السياسي.
موقف حكومي لم يتغير
من ناحية أخرى، اعتبر برلمانيون أن دعوة طنطاوي للمصالحة تكشف عن نواياه في التحالف مع الإخوان. واعتبر مسؤول برلماني رفض الكشف عن اسمه أن طنطاوي يضع نفسه في دائرة الاتهام بدعم جماعة “يعدّها القانون إرهابية”. ولم يستبعد المصدر صدور مزيد من التشريعات المنظمة لعملية الانتخابات بحيث لا تسمح بتسلل من سماهم “الإرهابيين” إلى المشهد السياسي.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي “لا أستطيع أن أتصالح مع من يريد أن يهدّ بلادي ويؤذي شعبي وأولادي”، على حد قوله.
من ناحيته، يقول الباحث في قضايا الإسلام السياسي حسن فوزي إن موقف الحكومة من المصالحة يتمثل في “عدم التورط في الدم أو التحريض على العنف”، مشيرا إلى أن عودة بعض المعارضين من الخارج أخيرا جاءت في إطار انفتاح على أطياف المعارضة المدنية التي لم تنتهج العنف.
وعند تجدد الدعوة إلى الحوار الوطني في أغسطس/آب الماضي، قال عضو مجلس أمناء الحوار والناشط الحقوقي نجاد البرعي “لم نستبعد الإخوان المسلمين من الحوار الوطني ولكن من مارسوا العنف”، موضحا أن “مصر تستطيع أن تبدأ عهدا جديدا وجمهورية جديدة عن طريق إغلاق ملفات الماضي، وكل من لم يشارك في عنف يمكن العفو عنه”. وأضاف “وكل شخص حتى لو شارك في عنف فقد كانت هناك ظروف أدت إلى ذلك، وهذه الظروف انتهت”.
فتح المجال العام
وفي سياق آخر، اعتبرت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل أن من المبكر الحديث عن أسماء المرشحين لانتخابات الرئاسة، أو أي استحقاقات قادمة قبل عملية تغيير كاملة تضمن وجود انتخابات نزيهة.
وذكرت جميلة إسماعيل -في بيان للحزب- أن الوقت قد حان بعد 10 سنوات من الحكم في غياب المعارضة والنقد، والإعلام والدعم الخارجي الكبير والتأييد غير المسبوق، أن تتاح الفرصة لطاقات وخبرات أخرى من أجل الخروج بحل للأزمات الكبرى التي تعاني منها البلاد.
ويرى مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن “من المستحيل أن تتسم الانتخابات المرتقبة بالحرية والنزاهة في ظل ترسانة التشريعات القمعية، والبناء المؤسسي الذي يجمع كل موارد الدولة وهيئاتها في قبضة الرئيس، ورفض السلطات الممتد طوال أكثر من 10 سنوات لجميع أشكال المعارضة والانتقاد”. واعتبر المركز في تقرير له أن “التعديلات الدستورية أسفرت عن “مصادرة تامة للاشتراطات الأساسية لعقد انتخابات رئاسية حرة ونزيهة”.
ضمانات مطلوبة
وتقول الحركة المدنية الديمقراطية، من جانبها، إنها استقبلت طنطاوي ليقدم طرحا للأسباب التي دعته للترشح لذلك المنصب المهم، كما استمعت إلى وجهات نظر ممثلي الحركة بشأن ما طالبت به من ضمانات لنزاهة الانتخابات المقبلة.
وذكّرت الحركة -التي تضم 12 حزبا سياسيا- بتقدمها بـ15 مقترحا ومطلبا لضمان حرية ونزاهة العملية الانتخابية بانتخابات الرئاسة المقبلة، من أبرزها الإفراج عن سجناء الرأي، ورفع أسماء المعارضين السلميين من قوائم “الإرهاب”، وحياد مؤسسات الدولة، وإتاحة فرص متكافئة لجميع المرشحين، وتحصين أعضاء الحملات الانتخابية من الملاحقة الجنائية.
“فوز محسوم”!
يشار إلى أن الرئيس السيسي الذي لم يعلن رسميا الترشح للانتخابات المقبلة حكم مصر لولايتين: الأولى من 2014 إلى 2018 استمرت 4 سنوات بحسب الدستور المصري، لكن تعديلات دستورية مثيرة للجدل زادت ولايته الثانية عامين إضافيين حتى منتصف 2024، بدلا من 2022.
وبعيدا عن الجدل بشأن “الإخوان”، يصف المحلل السياسي حسن أبو المكارم فوز السيسي بولاية ثالثة بأنه “محسوم” في غياب منافس قوي، وكذلك بعيدا عن الضمانات. وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى موقف حزب “الوفد الجديد” الذي يصفه بأنه أكثر تطرفا في مواجهة الدعوة لعودة الإخوان، وقال إن رئيس الحزب الذي ينوي الترشح للرئاسة هو من أكثر مؤيدي السيسي.
وقد تجاوز حزب “الوفد الجديد” الجدل بشأن الإخوان وأعلن مساء الاثنين أنه سيقدم مرشحا للانتخابات الرئاسية. وقال على لسان رئيسه عبد السند يمامة إن “الوفد يستحق أن ينافس على مقعد رئاسة الجمهورية”، مؤكدا أنه “طالب بتخليد اسم السيسي بجانب أسماء الزعماء سعد زغلول ومحمد علي”.
محطات صعبة
يشار إلى أنه في أول انتخابات تشريعية بعد ثورة 25 يناير 2011، فاز الإخوان المسلمون بنحو 40% من مقاعد مجلس الشعب وشكلوا أكثرية برلمانية للمرة الأولى في تاريخهم، وانتخب سعد الكتاتني رئيسا للمجلس، إلا أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكما في 14 يونيو/حزيران 2012 بعدم دستورية قانون الانتخابات، أعقبه حل المجلس من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة البلاد بعد خلع الرئيس الراحل حسني مبارك.
وفي انتخابات مجلس الشورى، فاز الإخوان بنحو 60% من مقاعده، وانتخب القيادي بالجماعة أحمد فهمي رئيسا له. وطوال فترة حكم المجلس العسكري تراوحت علاقة جماعة الإخوان به بين الشد والجذب، إلى أن فاز مرشح الجماعة رئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي بانتخابات الرئاسة، ليصبح أول رئيس مدني منتخب لمصر في 20 يونيو/حزيران 2012.
وقبيل مرور عام على حكمه، دعت قوى معارضة إلى مظاهرات للمطالبة برحيله، أعقبها قيام وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بعزل مرسي كما عطل العمل بدستور 2012 وحل مجلس الشورى.
وفي أعقاب ذلك، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لحملة أمنية عنيفة طالت أغلب قادتها، إذ اعتقل المرشد العام محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد بيومي وأغلب أعضاء مكتب الإرشاد، إضافة إلى رئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني ونائبه عصام العريان، وآلاف من كوادر الجماعة والحزب.
وفضلا عن حملة الاعتقالات التي شملت للمرة الأولى عضوات بالجماعة، قتل آلاف من أعضاء الجماعة، خاصة في مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة المؤيدين لشرعية مرسي.
وفي 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 أعلن مجلس الوزراء المصري المؤقت اعتبار جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية” بعد أن سبق وصودرت أموال الجماعة ومقارها.
رد الإخوان على دعوات المصالحة
لم يظهر لقيادات الإخوان في الخارج موقف موحد منذ نحو عام بشأن مقترحات العودة للحياة السياسية. وفي هذا السياق، ومع انطلاق أولى دعوات الحوار الوطني في مصر في مايو/أيار العام الماضي، أعلن يوسف ندا -القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين والمفوض الدولي باسمها سابقا- إمكانية الحوار مع النظام المصري، مشيرا إلى أن باب الإخوان مفتوح لطي صفحة الماضي.
وفي رسالة نشرها، اقترح ندا أن تكون البداية عبر “رد المظالم ووقف العدوان، وإنهاء معاناة المسجونين مـن النساء والرجال، ومعاناة أسرهم”، وذلك بتنفيذ ما نصت عليه المادة 241 مـن الدستور الحالي.