وسط خشية الاحتلال من تمدد الظاهرة.. مخيم نور شمس نجم جديد في مواقع المقاومة الفلسطينية
نابلس – لم يكن اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي الأخير منزل الفلسطيني سامر جابر بمخيم نور شمس كسابقه من اقتحامات للمكان نفسه، فهذه المرة لم يفشل فقط في اعتقال من يطاردهم، بل خرج بإصابة متوسطة لأحد جنوده من وحدة النخبة المعروفة بـ”الدفدوفان” التابعة لقوات المستعربين الخاصة.
وفي كمين محكم أعده المقاومون في المخيم القريب من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، حوصر جنود الاحتلال داخل منزل جابر، حيث أمطرتهم المقاومة بالرصاص والعبوات الناسفة والمتفجرات المحلية الصنع، واستمر الاشتباك نحو 6 ساعات، استخدم فيها الاحتلال الإسرائيلي كل قوته، لكنه فشل في اعتقال أو إصابة أحد من رجال المقاومة.
الجزيرة نت زارت موقع الاشتباكات، حيث يقول جابر صاحب المنزل إنه لكثرة الاقتحامات صار وعائلته يغادرون منزلهم ليلا ويعودون نهارا، واصفا الاقتحام الأخير بالعنيف جدا، إذ أطلق الجنود كلابا نهشت أجسادهم، فضلا عن الاعتداء المباشر عليهم، وقد عاث جنود الاحتلال بالمنزل وهدموا أجزاء منه قبل انسحابهم.
المقاومة في نور شمس
وعمل المقاومون بمدينة طولكرم ومخيماتها بمسمياتهم وانتماءاتهم الحزبية المختلفة، مستفيدين من تجربة كبيرة للمقاومة الممتدة بمناطق الضفة الغربية، وخاصة بمدن نابلس وجنين وأريحا ومخيماتها.
وعلى وقع الاقتحامات وضغوط أخرى كثيرة لا سيما اعتقال اثنين من أولاده ومطاردة ثالث، يعيش المواطن جابر وأهالي مخيم نور شمس، ورغم ذلك تحظى المقاومة هناك بتأييد كبير يتصاعد أكثر مع كل عملية للمقاومة.
وأسوة بغيره من مواقع المقاومة والمسميات التي رافقت تلك الحالة مثل “الكتيبة” في جنين و”عرين الأسود” بنابلس وغيرها، التحق مخيم نور شمس باكرا بهذه الظاهرة عبر “كتيبة طولكرم- سرايا القدس”، وذاع صيتها باستشهاد المقاوم سيف أبو لبدة قبل أكثر من عام، والذي تحوَّل لأيقونة النضال بالمخيم وبالمدينة ككل.
وبين مدّ وجزر، نمت المقاومة بمخيم نور شمس، ثم ما لبثت أن اشتد عودها مطلع العام الجاري، واشتبكت مع جنود الاحتلال خلال اقتحامهم المخيم أكثر من مرة، ثم تتالت صولاتها في المدينة ومحيطها، وتعزَّزت بحضورها وتنسيقها مع نظيرتها بمدينة طولكرم، إضافة لتنوع انتماء عناصرها.
وحيث دارت المواجهات الأخيرة بالمخيم، تجولت الجزيرة نت ورصدت استعدادات المقاومة بالانتشار الكثيف للكاميرات والمتاريس الحديدية والإطارات المطاطية وحس أمني عال يظهر على المواطنين.
سلوك فطري
في هذا السياق، يقول فتحي قرعاوي، السياسي وأحد سكان نور شمس، إن المخيم بحكم بعده عن خط التماس مع الاحتلال ظل لسنوات بعيدا عن أعمال المقاومة، لكن الاحتلال ما انفك يُضيق على أهله ويستفزهم بالاقتحام والاعتقال، وبالتالي نبتت مقاومة عنيدة وصلبة تتصدى له، مقتدية بحالة المواجهة بالضفة.
وأوضح قرعاوي أن سكان المخيم من المهجّرين عام 1948 من حيفا، وبينهم ترابط اجتماعي بحكم القرابة، وهم أيضا ممن ذاقوا ظلم الاحتلال، وشكَّل ذلك كله احتضانا للمقاومة وقاعدة جماهيرية عريضة، بل انخرط الأهالي مرات كثيرة في المقاومة والتصدي للاحتلال.
وأضاف قرعاوي أن المقاومة سلوك فطري وتظهر حيث يوجد الاحتلال، كما أن المقاومة حالة عامة ومستمرة وغير محددة بوقت، ويجري التنسيق بين فصائلها بمستوى عال، مما يُفشل عمليات الاحتلال.
ولم يظهر تميز المقاومة بمخيم نور شمس بإفشالها اقتحامات الجيش وأهدافه فحسب، وإنما بالتنسيق العالي بين أطرافها والعمل ككتلة واحدة، مما يزعج الاحتلال ويزيد في وحدتها واستمرارها، وتلعب جغرافية المخيم دورا في صموده، لا سيما وقوعه على رأس تلة وكثافة سكانه واكتظاظ مبانيه وانحسار طرقه الرئيسية في اثنتين فقط وضيق تفرعاتها.
وأوضح أن كل ذلك يجعل من اقتحام الاحتلال للمخيم أمرا صعبا، فضلا عن الاشتباك داخله، مشيرا إلى أن المقاومة انتقلت أيضا للاشتباك خارج المخيم.
تطور نوعي
بدوره، يقول الناشط في اللجان التنظيمية بمخيم نور شمس إبراهيم النمر إنه في ظل فشل كل الخيارات وغياب الأفق السياسي لدى الشعب الفلسطيني عامة، واللاجئ خاصة، لم يبق إلا خيار المقاومة سبيلا لهم في المخيم، الذي بات عصيا على الاحتلال ويصعب كسره.
وعن عوامل صمود المقاومة في المخيم، يقول النمر للجزيرة نت إن المقاومة تملك الوعي والخبرة، لا سيما وأن أغلب عناصرها أسرى محررون، والباقي ممن تجرّعوا ظلم الاحتلال بشكل أو بآخر.
وفي المخيم الذي يعيش فيه 12 ألف نسمة، يقول النمر إنهم أمام جيل متمرد ومبصر لكل الأوضاع الصعبة في المخيم، وخاصة تلك التي باتت ترافق اقتحامات الاحتلال من قتل واعتقال وتدمير، وبالتالي لم يعد يرى إلا خيار المقاومة.
ويقول المتحدث إن الاحتلال يسابق الزمن لإنهاء ظاهرة المقاومة في طولكرم حتى لا تمتد إلى مناطق أخرى.
وتشهد المقاومة بطولكرم “تطورا نوعيا”، كما يقول مراقبون تحدثوا للجزيرة نت، ليس بالتصدي لاقتحامات الاحتلال، بل باشتباكها مع جيش الاحتلال والمستوطنين عند نقاط التماس خارج حدود المدينة. وكل ذلك يرون فيه إطالة لأمد المقاومة وتكتيكها، وتحسين أدائها في تحقيق أهدافها حتى لا تتحول إلى “لقمة سائغة” كما يظن الاحتلال.