تحت مظلة نظامية لا حزبية.. من يُعرقل توحيد البشمركة في كردستان العراق؟
أربيل– لم يقف تأثير الخلافات والصراعات السياسية عند حدّ تحويل إقليم كردستان العراق إلى “نظامين إداريين” في كيان واحد فحسب، بل تعدّى الأمر إلى أن يشمل أبرز وأكثر الملفات حساسية وهو الملف الأمني والعسكري فيه.
ومن تلك الانعكاسات جعل قوات البشمركة منقسمة على ما تُسمى بوحدتي (70-80) الخاضعتين لإمرة الحزبين الرئيسيين في الإقليم وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ما جعل لكل منهما أجهزة استخباراتية وأمنية وعسكرية وأخرى معنية بمكافحة الإرهاب خاصة بهما، كل حسب مناطق نفوذه.
حيث يُدير الاتحاد الوطني الكردستاني محافظتي السليمانية وحلبجة بالإضافة إلى الإدارات المستقلة التابعة لهما، بينما يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على محافظتي أربيل ودهوك والأقضية والنواحي التابعة لهما.
هذ الانقسام الداخلي لاسيما على المستوى الأمني والعسكري، جعل الإقليم في مرمى الانتقادات باستمرار ومن الحلفاء الدوليين الإستراتيجيين تحديدا، بسبب عدم تمكنه من توحيد قواته الأمنية تحت سقف مظلّة نظامية واحدة وبعقيدة وطنية مؤسساتية لا حزبية، وفقًا لآراء خبراء ومختصين تحدثوا للجزيرة نت.
-
ما البشمركة وما شكل تسليحها؟
قانونيا، وبحسب الدستور العراقي المقرّ عام 2005، تُعدّ قوات البشمركة جزءًا من منظومة الدفاع الوطني وهي خاصة بإقليم كردستان العراق، وإن كان تسليحها متوقفًا على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ومنذ عام 2014 لاسيما بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، تعمل الدول الحليفة للإقليم فيما يسمى بـ”التحالف الدولي لمحاربة التنظيم” ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا على مشروع إستراتيجي لإعادة توحيد قوات البشمركة من حيث التبعية والتسليح والعقيدة العسكرية والتنظيم الهرمي ومصادر التمويل وخريطة التوزع والانتشار، بالإضافة إلى التدريب وتلقي الهبات.
-
ما سلبيات عدم توحيد البشمركة؟
تُحذر واشنطن وحلفاؤها باستمرار حكومة الإقليم من سلبيات عدم توحيد البشمركة، مهددةً بإيقاف الإمدادات المالية والعسكرية عنها.
ودفع هذا التهديد كردستان مؤخرًا إلى إطلاق مشروع لتوحيد البشمركة، والهدف الرئيسي منه هو توحيد تلك القوات مع إضفاء الطابع المؤسساتي وإعادة هيكلة قواتها، وأسهم حتى اليوم في إدماج 10 ألوية عسكرية.
ويكشف نائب رئيس لجنة البشمركة في الدورة الخامسة ببرلمان كردستان (2018-2023) عثمان كريم عن عقد لجنته خلال الفترة السابقة أكثر من 70 اجتماعًا مختلفًا للتباحث مع الأطراف السياسية والحكومية والتحالف الدولي وغيرها من أجل توحيد صفوف قوات البشمركة.
-
هل أسفرت الاجتماعات المتتالية عن تحقيق نتائج؟
وفي حديثه للجزيرة نت، يأسف عثمان كريم من عدم تمكن كل تلك الاجتماعات من تحقيق النتائج المرضية لتحقيق هدف واحد وهو توحيد تلك القوات رغم تشكيل فرقتين عسكريتين من عملية دمج مجموعة ألوية من وحدتي قوات 70 و80 التابعتين للحزبين الرئيسيين في الإقليم.
-
هل هناك أسباب لتأخر توحيد القوات؟
يُحمل الأمين السابق لوزارة البشمركة والخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية الفريق أول جبار ياور الخلافات السياسية في الإقليم لاسيما فيما يتعلق بإدارة الحكم وملفات الأمن والنفط والغاز بين الحزبين الرئيسيين وراء تأخر توحيد البشمركة في منظومة أمنية وعسكرية واحدة.
ويُشير إلى أن عملية توحيد البشمركة بدأت فعليا وعلى أرض الواقع عام 2010 وشملت هيكلية الوزارة أولاً ومن ثم الألوية العسكرية بعد أن كانت هناك وزارة للبشمركة في أربيل وأخرى في السليمانية.
وتضم تشكيلات وزارة البشمركة نحو 170 ألف مقاتل، بحسب الفريق جبار، تمّ توحيد قرابة 70 ألف منها، فيما زالت البقية منضوية في وحدتي 70 و80 التابعتين للحزبين الرئيسيين وبنسب متساوية تقريبًا.
وبالإضافة إلى وزارة البشمركة، يمتلك الإقليم وزارة الداخلية التي تضم تشكيلات الشرطة المحلية وجهاز الأمن المسمى محليا بـ”الأسايش”، وصنوفًا أخرى من قوى الأمن الداخلي، فيما يتبع جهازي مكافحة الإرهاب والاستخبارات لمجلس أمن الإقليم.
وبحسب العُرف السياسي السائد في الإقليم، تكون وزارة الداخلية ومجلس أمن كردستان من حصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، بينما تكون وزارة البشمركة من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني.
-
ما المشكلة الأساسية التي تحول دون توحيد القوات؟
وينتقد ياور -في حديث خاص للجزيرة نت- عدم توحيد جميع الصنوف العسكرية والأمنية في الإقليم ومنها البشمركة، مؤكدًا “المشكلة الأساسية هي كيفية توحيد الأفكار وليس الأرقام فقط، مع توحيد العقيدة العسكرية بجعل كل مقاتل تابع لحكومة الإقليم سواء كان في وزارة البشمركة أو الداخلية أو جهاز مكافحة الإرهاب، وأن يحمل هؤلاء المقاتلون عقيدة قتالية وطنية تؤمن بالدفاع عن كردستان ومصالحها وليس أفكارا تُدافع عن مصالح الأحزاب”.
ويوضح أن مُذكرات التفاهم الموقعة منذ عام 2016 بين وزارتي البشمركة والدفاع الأميركية وآخرها في عام 2022 تنصّ في بنودها الرئيسية على ضرورة إجراء الإصلاحات الداخلية مع توحيد كل قوات البشمركة والقوات الأخرى في الإقليم بحيث تكون تحت السيطرة الحكومية وليس تحت سيطرة الأحزاب السياسية.
وعلى إثر ذلك، يُحذر الأمين السابق من مخاطر عدم توحيد البشمركة بإيقاف المساعدات المالية المُقدمة لها من الولايات المتحدة والاستشارات العسكرية والأعتدة والذخائر.
-
هل أسهمت الضغوط الدولية في بدء عملية التوحيد؟
يؤكد العضو البارز في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي أن الضغوط الدولية، ومنها للتحالف الدولي وأميركا، أسفرت حتى الآن عن دمج 22 لواءً في البشمركة وجعلها تحت إمرة وزارة البشمركة.
وفي حديثه إلى الجزيرة نت، يُحمل سورجي الحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولية بطء توحيد البشمركة لغايات غير واضحة يصفها بـ”عوائق ومطبات” أمام تلك الخطوة، معلقًا” لا أستبعد إحتمالية انسحاب التحالف الدولي من الإقليم على غرار ما حدث في أفغانستان في حال لم تحدث الإصلاحات وتوحيد البيشمركة”.
بدوره، يُخالف العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفا محمد كريم رأي سورجي، ويقرّ باختلاف واقع كردستان مع أفغانستان.
ويستند كريم في رأيه إلى عدّة أسباب، أبرزها وجود أكبر قنصلية أميركية في العالم بمدينة أربيل، بالإضافة إلى قرار الكونغرس الأميركي الأخير بدعم البشمركة بمنظومات الدفاع الجوية.
ويضيف “في حال حدث الانسحاب فإنه سيكون من العراق عمومًا وليس الإقليم فقط، كما حصل في عام 2009 ببقاء البعثات الدبلوماسية والشركات الأميركية التي توجد حاليًا بقوة وكثرة في كردستان”.
ويؤكد العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني في حديثه إلى الجزيرة نت، وجود إصرار لاسيما من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني والتحالف الدولي وواشنطن تحديدًا على توحيد البشمركة وبشتى الطرق.