خسائر فادحة وبنى مدمّرة.. فلسطينيون يروون للجزيرة نت جرائم الاحتلال في جنين
مخيم جنين- ليس بعيدا عن ساحة مخيم جنين، وهي المكان الأبرز الذي تعرض للتدمير الإسرائيلي، يجلس الفلسطيني إبراهيم تركمان على كرسي بلاستيكي أمام منزله المحترق بعد تعرّضه لقذيفة من نوع “إنيرجا”، ويفكّر ماذا سيفعل لإصلاح المنزل قبل إعادة أسرته النازحة.
يقول تركمان للجزيرة نت إنه عاد من بلدة عرانة شمال شرق جنين، حيث نزح مع بقية أسرته عند أصهاره حتى انتهى العدوان على المخيم، وجاء فجرا ليجد منزله مدمرا، وأضاف “أفكّر كيف يمكن أن أعيد البيت كما كان.. لا شيء ينفع في حالته هذه، انظري إليه: محروق بالكامل، وفي الداخل كله أسود”.
يسكن تركمان مع أسرته في الطابق الأرضي، وعائلة شقيقه في الطابق الثاني، وقد حوّلت الطائرات الإسرائيلية الطابقين إلى مكعب من السواد بعد قصفه فجر الاثنين، في الساعات الأولى من العدوان العسكري على مخيم جنين.
وفي المنزل المحترق، تفحّم أثاث جديد اشتراه نجل تركمان الأكبر الذي كان يتحضّر لزفافه يوم الجمعة القادم. وقال الأب إنه كان يستعد لنقله مع أغراض أخرى إلى منزله الجديد، لكن الاقتحام فاجأهم ولم يستطيعوا نقل شيء، حتى ملابسهم احترقت كامل.
ويضيف تركمان “سمعنا صوت القصف على ساحة المخيم، فأخرجت زوجتي وأولادي من المنزل، خشية أن تتطاير الشظايا فتصيبهم، لكنّهم أطلقوا قذيفة إنيرجا على المنزل مباشرة بعد خروجنا، ثم سمعنا صراخ الجيران بأن منزلنا يحترق.. والصحيح أنهم حرقوا فرحتي بزفاف ولدي مع المنزل أيضا”.
يصمت الرجل ثم يقول “لا أعرف ماذا أفعل، أفكّر في تدبّر غرفتين لإيواء عائلتي، عوضا عن لجوئنا عند أصهاري..”.
احتجاز ليومين
في الحارة المقابلة لمنزل تركمان، وعلى الطريق الممتد من مدخل المخيم حتى “شارع برقين” غربا، كانت سائدة جرادات تحمل بعض الحجارة من منزلها الذي فجّره الاحتلال وتنقلها إلى الشارع.
قالت سائدة للجزيرة نت إن قوة عسكرية اقتحمت منزلها وهي تحاول تنويم طفلتيها، واحتجزت الصغيرتين في الغرفة الداخلية من المنزل، ثم حطمت غرفة الجلوس ووضعت على حائطها متفجرات وفجرت الجدار الذي يفصلها عن جيرانها، ليتمكن الجنود من التنقل بين البيوت المتلاصقة.
تذكر جرادات أن “هذا ما فعلوه في اجتياح 2002 أيضا، كانوا يتنقلون في المخيم من بيت إلى آخر عبر هدم الجدران..”.
وتروي الأم ما حدث في منزلها: “قالوا لي اتركي البنات في الدخل وتعالي معنا. وضعوني على الأرض في غرفة الجلوس، وبدؤوا الحفر لوضع المتفجرات في الجدار، وعند لحظة التفجير تراجع الجندي إلى خارج الغرفة وأبقاني داخلها، وقال لي ضعي أصابعك في أذنيك لأن صوت التفجير عال”.
تقول إنه “كان حريصا على حماية نفسه من تطاير الحجارة بعد التفجير، لكنه لم يهتم لوجودي في الغرفة..”.
ليس هذا فحسب، فمع اتخاذ المنزل ممرا لقواتها، احتجز الاحتلال سائدة جرادات وطفلتيها مدة يومين كاملين في المنزل، ومنع خروجهم.
خسائر غير نهائية
مثل عائلتي تركمان وجرادات الكثير من القصص في حارات مخيم جنين المدمرة بعد يومين من القصف والاشتباكات واستهداف المنازل.
ويتحدث الأهالي عن سلسلة من الانتهاكات الواسعة، أبرزها التدمير الواسع لمرافق المخيم بالجرافات العسكرية، وهدم البيوت أو تدميرها من الداخل، وتجريف الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، وقطع الكهرباء عن المخيم كاملا.
وفي بيان نشرته بلدية جنين صباح الخميس، قالت إن نحو 30 ألف مواطن في مخيم جنين وأحياء المدينة المحيطة به يعيشون دون مياه منذ بدء العملية العسكرية يوم الاثنين الفائت.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن رئيس بلدية جنين نضال أبو صالح، أن البلدية تحتاج لقرابة 10 ملايين دولار لإغاثة الناس بشكل مستعجل.
ووفق رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين محمد الصباغ، فإن الطواقم العاملة تمكنت حتى صباح اليوم الخميس من إحصاء 84 منزلا مدمرا بشكل جزئي، و6 منازل مدمرة بالكامل، في حصيلة لم تكتمل بعد.
وقال الصباغ للجزيرة نت إن هذا هو الرقم الأوّلي الذي توصّلت إليه طواقم وزارة الأشغال الفلسطينية في المخيم، وما تزال تعمل لإحصاء باقي البيوت المتضررة، لافتا إلى أن ضيق مساحة المخيم والحواري فيه يصّعب عمل الآليات التي قدمت لإزالة الركام وتنظيف الشوارع.
ويضيف المسؤول بالمخيم “منذ أمس تعمل فرق وزارة الأشغال العامة لإزالة الركام والتدمير، كما قدم عدد من المتطوعين بمعداتهم وآلياتهم للمساعدة بهدف الإسراع في إيجاد مأوى للعائلات النازحة، وخصوصا التي فقدت منازلها”.
وتعمل لجنة الخدمات مع بلدية جنين على توفير شقق للسكن المؤقت لإيواء العائلات التي فقدت منازلها كليا أو جزئيا.
وكانت جرافات الاحتلال الإسرائيلي قد جرفت شبكة المياه الرئيسية في مخيم جنين، إضافة إلى شبكات الصرف الصحي، فيما فجّرت 6 محولات للكهرباء.
ويقول الصباغ إن “العمل جار لتوفير التيار الكهربائي ولو بالحد الأدنى الذي يوفر الإنارة في المنازل، ونعمل بطرق إسعافية في كافة القطاعات لحين تأمين الخدمات الدائمة لكافة السكان”.
تقديرات إعادة الإعمار
من ناحيته، قال وزير الأشغال العامة في السلطة الفلسطينية محمد زيارة إن حجم الدمار الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي على جنين كان ضخماً؛ حيث تم تجريف طرق كاملة، وباتت الأنقاض تملأ الشوارع وتعيق الحركة.
وتحدث الوزير لتلفزيون فلسطين ظهر الخميس عن تقديرات أولية حول حجم الدمار في مدينة جنين ومخيمها، مبينا أن 4 مباني أزيلت بالكامل وتحتاج إلى 1.5 مليون دولار لإعادة إعمارها.
أما عدد المباني المتضررة بشكل متوسط لكنها غير آيلة للسقوط، فقد بلغ 25 مبنى، وتكلفة إعادة إعمارها تبلغ مليوني دولار.
وفيما يتعلق بالوحدات السكنية التي تعرضت لأضرار جزئية، فقد بلغ عددها 250 وحدة وتحتاج إلى 2.5 مليون دولار لإعمارها. بينما بلغ عدد المباني التجارية والخدمية المتضررة 150 منشأة، بتكلفة 5 ملايين دولار. وقال إن تكلفة إعادة إعمار جامع الأنصار الذي دمرّه الاحتلال قُدّرت بقرابة مليون دولار.