4 سيناريوهات لمستقبل روسيا بعد تمرد مجموعة فاغنر
لا شك أن تمرد قائد مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين المفاجئ في 24 يونيو/حزيران الماضي ووصوله منطقة لا تبعد عن موسكو أكثر من ساعتين مثّلا حدثا استثنائيا في روسيا، فما دلالاته؟ وما السيناريوهات المحتملة لتطور الأوضاع؟
في تقرير نشره موقع الدورية الأميركية المختصة في القضايا الدولية “أتلانتيك كاونسل” (Atlantic Council) حاول الكاتب جيفري سيمينو توضيح ما حصل، لافتا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تجاوز الأزمة المباشرة التي واجهها بسبب هذا التمرد، لكن هناك 4 سيناريوهات ينبغي على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الاستعداد لها في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة وما بعدها.
أولا: هشاشة نظام بوتين
حسب الكاتب، سيبدأ بوتين في استعادة النظام والتقليل بشكل فعال من قدرة بريغوجين ومجموعة فاغنر على تحدي سلطته، أما فاغنر فسيتحول جزء منها بيلاروسيا والبعض الآخر إلى ديارهم أو إلى صفوف القوات المسلحة الروسية النظامية.
ومع ذلك -يضيف الكاتب- حتى لو ظل بوتين في السلطة في المستقبل القريب فإن نظامه الذي بناه على مدى عقدين من الزمن قد تزعزع، حيث أظهر القيصر الروسي أنه عرضة للاعبين منافسين.
وبيّن الكاتب أنه في هذا السيناريو سيكون بوتين في وضع أفضل لتركيز قواته الأمنية على منع المكاسب الرئيسية للهجوم الأوكراني المضاد.
واعتبر الكاتب أن السرعة التي تم بها حل الأزمة وعدم وجود أزمات لاحقة داخل روسيا يعنيان أن أي تأثير على معنويات الجنود الروس كان محدودا، لكن لا يزال بإمكان أوكرانيا تحقيق بعض المكاسب المهمة في هذا الهجوم المضاد.
ووفق الكاتب، ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أن بوتين ضعيف ومن المحتمل أن يضعف أكثر على الرغم من أنه لا يزال يتعين عليهم التعامل معه بصفته زعيما لروسيا، ومع ذلك -ورغم ضعفه- فإنهم على استعداد لمواصلة إمداد أوكرانيا ومواصلة الضغط على موسكو بأنظمة أسلحة جديدة.
وفي غضون ذلك، يزداد اعتماد بوتين على الصين التي لا تريد أن تفقد شريكها الإستراتيجي الأساسي، وقد يستخلص الزعيم الصيني شي جين بينغ الدروس من تمرد بريغوجين ويفكر في التهديدات التي يتعرض لها حكمه في الصين، كما قد يشعر أيضا بالاطمئنان من سرعة حل الأزمة.
ثانيا: قيام سلطة جديدة
ذكّر الكاتب بما حصل في صيف 1991 عندما حاول متشددو الكرملين الانقلاب على ميخائيل غورباتشوف الرئيس السوفياتي والأمين العام للحزب الشيوعي آنذاك، وفشل الانقلاب لكنه أضعف غورباتشوف فخرج من السلطة بحلول نهاية ذلك العام.
وأضاف الكاتب أنه في سيناريو مشابه قد يعاني بوتين من مصير مماثل، حيث تم تجنب تحدي بريغوجين في الوقت الحالي، لكن وضع بوتين السياسي لا يمكن إصلاحه بسرعة، حيث يصطف منافسوه الداخليون ويعززون قوتهم وينتظرون الفرصة المناسبة للانقلاب عليه.
وأشار الكاتب إلى أنه في مواجهة هذه التهديدات الداخلية يصرف بوتين انتباهه عن المجهود الحربي الأوكراني للتعامل مع منافسيه، وفي الوقت نفسه يكتسب الهجوم المضاد زخما، حيث تخترق القوات الأوكرانية نقاط الضعف في خطوط روسيا وتستعيد السيطرة على مناطق كبيرة، وفي هذه المرحلة قد ينتهز خصوم بوتين الفرصة وينقضون على السلطة.
وبيّن أن ذلك قد يسبب بعض الفوضى، لكنه تنبأ بأن يعزز النظام الجديد سلطته بسرعة ويمنع نشوب حرب أهلية ويعيد النظام في حقبة ما بعد بوتين، مشيرا إلى أن الحرب في أوكرانيا قد لا تتوقف على الفور، لكن متطلبات إقامة النظام تقلل احتمالية وقوع أي هجمات روسية جديدة مهمة على المدى القريب أو المتوسط.
وعلى هذا الأساس ستتكيف الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مع هذا الواقع الجديد، فقد تكون هناك فرصة لتخفيف التوترات إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام طويل الأجل أو وقف إطلاق النار في أوكرانيا على الرغم من أن العودة الشاملة إلى العلاقات الطبيعية أمر غير مرجح.
ولفت الكاتب إلى أن هذا السيناريو يمثل حالة من عدم اليقين بالنسبة للصين التي سيتعين عليها التعامل مع نظام ما بعد بوتين، وقد يظل النظام الجديد متحالفا بشكل عام مع الصين بسبب الحاجة إلى الاعتماد على شريكه الإستراتيجي الأول، لكن ليس بمثل الشراكة القوية بين شي وبوتين، حسب سيمينو.
ثالثا: هبوب العاصفة
وهذا السيناريو شبيه بالسيناريو السابق وفقا لسيمينو، لكنه سيشمل هدنة مؤقتة يليها انزلاق إلى حرب أهلية، وبذلك يتشجع خصوم بوتين بسبب ضعفه الواضح الذي سيتفاقم نتيجة تدهور الوضع في ساحة المعركة بأوكرانيا، لكن مع ذلك يبقى غياب منافس قوي له على السلطة مشكلة.
وتوقع الكاتب أن تنقسم روسيا إلى كتل قوى متنافسة، مما يعني أن بوتين سيحتفظ بالسلطة والموالين له في بعض أجزاء روسيا، وقيام قادة آخرين قد يكون من بينهم بريغوجين والقادة القوميون بتطوير شبه إقطاعيات في أماكن أخرى، ومما قد يزيد تعقيد هذا السيناريو احتمال ظهور حركات انفصالية تزيد انقسام روسيا.
ورأى الكاتب أن هذا السيناريو يثير أسئلة كثيرة، فعلى سبيل المثال ماذا سيحدث للأسلحة النووية الروسية، حيث تمتلك روسيا الآلاف من الرؤوس الحربية النووية؟ وستتيح الحرب الأهلية فرصا لمختلف الجهات الفاعلة للاستفادة من الفوضى والوصول إلى تلك الأسلحة، وستسعى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتجنب هذا الانتشار باحتواء الحرب الأهلية داخل حدود روسيا.
وبالنسبة للحرب على أوكرانيا ستؤدي الحرب الأهلية المستمرة إلى انهيار الخطوط الروسية بسرعة مع تفكك القيادة والسيطرة.
وأكد الكاتب أن هذا السيناريو سيئ، خاصة بالنسبة للصين وهي ترى شريكها الإستراتيجي الأول يدخل في حالة من الفوضى، كما يضاعف مخاوفها الإقليمية من الانتشار النووي، فيما يؤدي أيضا إلى عدم الاستقرار على حدودها وتدفق محتمل للاجئين، وستحتاج حينها إلى تخصيص موارد كبيرة لتأمين حدود طويلة لم يكن عليها في السابق أن تقلق كثيرا بشأنها.
رابعا: الإصلاحيون ينتهزون الفرصة
وتابع الكاتب قائلا إن السيناريو الأخير المحتمل هو إمكانية وصول نظام إصلاحي إلى السلطة في موسكو، حيث إن الهدوء المؤقت للتوترات التي أعقبت تمرد فاغنر سيفسح المجال لتحديات متجددة لحكم بوتين، والتي ستتسارع بسبب تدهور الوضع في ساحة المعركة.
وسيتمكن بوتين من الاحتفاظ بالسلطة حتى الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس/آذار 2024، والتي ستكون مزورة وغير شرعية، وفي هذه الحالة ستظهر معارضة أكثر ديمقراطية، ربما بقيادة المحامي والناشط السياسي أليكسي نافالني الذي سيغتنم الفرصة ويتمكن من حشد الدعم الشعبي الكافي.
عندئذ ستعرب نخب الكرملين عن تعاطفها مع الإصلاحيين وسيقرر بوتين في النهاية التنحي، وبعد فوز زعيم إصلاحي في انتخابات رئاسية شرعية ستسعى حكومته الجديدة إلى إنهاء سريع للحرب في أوكرانيا، مع التركيز على تنفيذ إصلاحات سياسية ومكافحة الفساد في روسيا.
وشدد الكاتب على أنه بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يزيد هذا السيناريو احتمالية أن تصبح روسيا أكثر مسؤولية في النظام الدولي ويقلل التوترات العسكرية بين الحلف وموسكو، ومع ذلك لن يحدث التغيير بين عشية وضحاها، أما الصين فسترى أن هذا السيناريو كارثي، حيث هناك دولة مسلحة نوويا على حدودها متقاربة أيديولوجيا أكثر مع الغرب.
وختم الكاتب تقريره بأن هذه السيناريوهات لا تمنع احتمالات أخرى، لكن ينبغي على صانعي السياسة الأميركيين وحلفائهم أخذها في الاعتبار في تخطيطهم الإستراتيجي.