اعتقال ومحاكمة في سنّ 12 عاما.. لماذا يستهدف الاحتلال أطفال فلسطين بتشريعات جديدة؟
نابلس- خوف وقلق كبير يتملك عائلة الطفل المقدسي محمد باسل زلباني (13 عاما) منذ اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل أكثر من 5 أشهر، وأودعته السجن بتهمة تنفيذه عملية طعن داخل حافلة إسرائيلية قرب مدخل مخيم شعفاط بالقدس.
وتسعى العائلة جاهدة لدحض اتهامات الاحتلال، خاصة أن طفلها الأسير قاصر لا يحاكم بالسجن الفعلي كما ينص القانون، لكنها تخشى من محاولات الاحتلال التلاعب بعمره ليصبح 14 عاما، وبالتالي يسهل اتهامه ومحاكمته كبالغ ونقله من المدرسة الداخلية (دار رعاية) للسجن.
وتتزامن تخوفات عائلة زلباني مع محاولات إسرائيلية لتمرير مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي قدّمه العضو المتطرف يتسحاق كرويزر، يقضي بتعديل القانون الجنائي ليسمح باعتقال الأطفال المقدسيين في سنّ 12 عاما.
ويقول باسل زلباني والد الطفل الأسير محمد -للجزيرة نت- إنّ الاحتلال عقد حتى الآن 4 جلسات محاكمة لطفله القاصر الذي أقرّ بأنه “مذنب”، ليأخذ حكم القاصر ويبقى في مدرسة داخلية كما هو الآن، ولا يحوّل للسجن ويحاكم كشخص بالغ.
ويُصرّ الأب على رفض تحميل ابنه ذنبا لم يرتكبه كما تدعي سلطات الاحتلال، وهو “قتل الشرطي الإسرائيلي لزميله أثناء عملية الطعن”.
وفي 13 فبراير/شباط الماضي، اعتقل الاحتلال الطفل محمد الزلباني من داخل حافلة عند مدخل مخيم شعفاط، واتهمه بتنفيذ عملية طعن داخل الحافلة، خلال فحص للهويات كان ينفذه جنديان إسرائيليان، وأثناء ذلك أطلق أحدها النار في المكان وقتل زميله خطأ.
التهمة دخول الأقصى
ومثل عائلة زلباني، يخشى ذوو الطفل جمال أبو حمدان من قرية بيتا قرب نابلس شمال الضفة الغربية “مصيرا مجهولا” لابنهم القابع في سجن مجدو، فالتعديلات القانونية المقترحة تطال أطفال الضفة الغربية الأسرى بشكل أو بآخر، والذين تتضاعف معاناتهم بالمحاكمات وفقا “للأوامر العسكرية”.
كما أن خطر إجراءات الاحتلال الجديدة يكمن في “توسيع نوع العقوبة” وليس في تخفيض السن فقط، وبالتالي يواجه المتهم بـ”دخول المسجد الأقصى دون تصريح” حكما كبيرا يفوق الفعل الذي ارتكبه، كما تقول والدة جمال، السيدة غادة أبو حمدان.
وتضيف أن ابنها اعتقل قبل نحو شهرين وخضع للتحقيق 40 يوما وللمحاكمة 6 جلسات في ظروف قاسية وترهيبية رافقته منذ اعتقاله، وليس أثناء تنقله بين المحكمة والسجن فقط.
والطفل جمال أبو حمدان واحد من أكثر من 160 طفلا فلسطينيا تعتقلهم إسرائيل وتحاكمهم بقوانين تعكف على تعديلها لتزيد معاناتهم، وهو ما حدا بالشارع الفلسطيني للخروج لرفض هذه الإجراءات القمعية التي كان أبرزها في مدينة نابلس.
عنصرية وتوسيع نوع العقوبة
في هذا السياق، توضّح مديرة ومحامية مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى وحقوق الإنسان سحر فرنسيس أن القانون الجنائي الإسرائيلي لم ينص أصلا على اعتقال أي طفل بشكل فعلي بغض النظر عن جرمه الذي ارتكبه، وأن من يعتقل دون 14 عاما ينقل لمراكز تأهيل أو يحبس منزليا أو يغرم ماليا، لكن دون اعتقاله في السجون.
وتبين سحر -للجزيرة نت- أنه مع اعتقال الطفل المقدسي أحمد مناصرة عام 2015، عدّلت إسرائيل قانونها ليصبح الاعتقال لمن هم في سن 14 عاما مقترنا بثلاث جرائم فقط، هي “القتل ومحاولة القتل والإيذاء الصعب”.
أما مشروع القانون الجديد، فيهدف لإلغاء الإجراء القديم واعتقال الأطفال في سن 12 عاما ومعاقبتهم بالسجن الفعلي مع توسيع التهم الموجهة إليهم، كإدخال أي جرائم لها علاقة بما يسميه الاحتلال “بالإرهاب” ويفسره بطريقته، مثل إلقاء الحجارة والمشاركة في المظاهرات وغيرها.
كما يطال القانون الجديد الأطفال المقدسيين أساسا ولا يرتبط بقانون المحاكم العسكرية والأوامر العسكري الذي تتعامل به إسرائيل مع الأطفال المعتقلين من الضفة الغربية، والذي يُمكِّن الاحتلال من احتجاز أطفال لساعات حتى إن كانوا في سن 5 سنوات، واعتقال آخرين فوق 12 سنة والزج بهم في السجن مباشرة ومحاكمتهم.
وهذه “ازدواجية وعنصرية” -بحسب وصف فرنسيس- تتعامل بها إسرائيل أساسا مع المعتقلين من الأطفال الفلسطينيين، وتزيد عنصريتها فتعرف الطفل الإسرائيلي بأنه من هو دون 18 عاما، أما نظيره الفلسطيني فهو الذي لم يتجاوز 16 عاما.
وتكمن مخاطر التعديل أيضا في توسيع نوع العقوبة، وبالتالي تحويل أي طفل مقدسي يعتقل إلى سجون الاحتلال في الدامون وعوفر وغيرها، وليس لدور الرعاية أو للمنزل أو تغريمه.
وتقول فرنسيس إن نوع العقوبة (السجن الفعلي) التي تستخدمها إسرائيل مع الأطفال مخالفة لاتفاقيات حقوق الطفل العالمية التي تحرّم الاعتقال أصلا وتدعو لرعاية الطفل الأسير وتأهيله، كما سيتيح تعديل القانون للقائد العسكري الإسرائيلي بالضفة الغربية “تعديل الأوامر العسكرية” التي يعمل بها لتصبح أكثر إجحافا.
وبغض النظر عن عمر الطفل الأسير أو الإجراء المتخذ بحقه، فإن إسرائيل تمارس عنفا معه منذ اعتقاله، فهي تعتقله بحالة ترهيب كبيرة وتقتاده من بين ذويه مكبلا، وتعرّضه للتنكيل خلال التحقيق والتنقل بين السجن والمحاكم، وتعزله منفردا أيضا فضلا عن المحاكمة غير العادلة.
أوامر عسكرية
بدورها، تقول أماني سراحنة مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني (جهة رسمية) إن إسرائيل لا تتعامل مع الأطفال الفلسطينيين المعتقلين باعتبارهم أطفالا أصلا، وهو ما يعد مخالفة للقوانين والأعراف الدولية.
وتضيف سراحنة للجزيرة نت أنه بصرف النظر عن القوانين المتعلقة بمحاكمة الأطفال أو تعديلاتها، فإن ظلم الاحتلال واقع أساسا بالتفرقة العنصرية بين الطفل المقدسي الذي تعامله وفق القانون المدني الإسرائيلي، ونظيره بالضفة الغربية الذي يُعامل بالأوامر العسكرية المختصة بالأحداث، “فالأمر يبدأ بتعديلات قانونية ثم ينتقل بشكل أو بآخر إلى أوامر عسكرية بالضفة الغربية”.
وتشير سراحنة إلى أن الخطورة تكمن في أن هذه التعديلات تجري بظل حكومة يمينية متطرفة تحوّل كل الشعارات التي ترفعها والتهديدات لقوانين وتشريعات، وتحرّض بشكل علني كبير على الفلسطينيين، مضيفة “دولة الاحتلال تريد تقنين العنف الذي تمارسه بأشكال مختلفة ضد الفلسطينيين، وخاصة الأسرى ومنهم الأطفال”.