ممر زنغزور يصطدم بمماطلة أرمينية ومعارضة إيرانية.. ما خيارات تركيا؟
إسطنبول – بعد اللقاء الذي عقده الرئيسان التركي والأذربيجاني في إقليم نخجوان، تزايد الحديث عن مشروع ممر زنغزور الذي تسعى أنقرة لإنشائه من أجل الوصول إلى باكو، ومن ثم إلى امتدادها التاريخي في آسيا الوسطى.
ورغم أن إنشاء الممر يعد أحد بنود الاتفاق الذي أنهى حرب 2020 التي تمكنت أذربيجان خلالها من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من إقليم قره باغ الخاضع لسيطرة حكومة أرمينية انفصالية، فإن يريفان أبدت تماطلا في تطبيق هذا المشروع، مدعومة بموقف إيراني يعارضه من حيث المبدأ.
ونص الاتفاق الذي أنهى حرب قره باغ الثانية وتوسطت فيه روسيا، على أن “تضمن أرمينيا تأمين خطوط النقل” المارة عبر أراضيها بين إقليم نخجوان الأذربيجاني وبقية أراضي أذربيجان.
ويتمتع إقليم نخجوان بحكم ذاتي ويخضع لسيادة أذربيجان، إلا أنه يفتقد إلى الاتصال الجغرافي به، في حين تحده أرمينيا من الشمال والشرق، وتركيا من الغرب، وإيران من الجنوب.
ووقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف بروتوكول اتفاق بين البلدين بشأن مشروع سكة حديد “قارص-نخجوان”.
كما وقع وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار ونظيره الأذربيجاني برفيز شهبازوف اتفاقية لتعزيز التعاون بين البلدين في مجال الطاقة الكهربائية، ووضعا حجر الأساس لخط أنبوب نقل الغاز الطبيعي بين نخجوان وإغدير التركية.
وتبدو مشاريع التعاون الموقعة بين أنقرة وباكو خطوة أولى على طريق تحقيق مشروع الممر البري الذي من المفترض أن يصل أذربيجان بإقليمه الغربي عبر منطقة زنغزور، كما تبرز أهمية تحول المشروع إلى واقع بالنسبة لتركيا على نحو خاص من النواحي الإستراتيجية والاقتصادية، بحسب خبراء.
أهمية ممر زنغزور لتركيا
تقول مديرة مكتب أنقرة في جريدة “ديلي صباح” ديلارا أرسلان إن الممر يتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، لأنه سيتيح طريقا مباشرا من البلاد عبر أرمينيا إلى أذربيجان، مما سيمكن البلدين من زيادة التجارة الثنائية والتعاون بينهما. وتابعت أن الممر الممتد بين أوروبا وآسيا الوسطى يعود بالفائدة على الكثير من الدول.
وأضافت أرسلان للجزيرة نت أنه “لم يكن من قبيل الصدفة أن يزور أردوغان نخجوان بعد الانتصار الأخير لأذربيجان في قره باغ، حيث سيكون ربط الإقليم بباكو هو الهدف التالي للمنطقة”.
وأوضحت أن الطموح التركي والمطلب الأذربيجاني اصطدم حتى الآن بمعارضة أرمينية إيرانية، على الرغم من اختلاف أسباب ودرجة معارضة كل منهما للمشروع.
اعتراضات أرمينيا وإيران
تقول العاصمة يريفان إن إنشاء ممر زنغزور من دون نقاط سيطرة وتفتيش أرمينية سيكون تقويضا لسيادة البلاد. وقال وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن “إنشاء ممر عبر أراضي أرمينيا خارج سيطرتنا غير مقبول، وينبغي ألا يكون مقبولا للمجتمع الدولي”.
من جهتها، عارضت إيران تغيير “الحدود التاريخية” في المنطقة، واعتبرته “خطا أحمر”، بالتوازي مع تعزيز حشودها العسكرية في المنطقة الحدودية.
وكان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قال عقب انتهاء حرب قره باغ الثانية عام 2020 “إننا فرحون بعودة قره باغ إلى أذربيجان، لكن إذا كانت هناك سياسة لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فإن الجمهورية الإسلامية ستعارض تلك السياسة، لأن تلك الحدود كانت طريقا للتواصل منذ آلاف السنوات”.
وتعتقد الصحفية التركية ديلارا أرسلان أن يريفان تماطل في تمكين الطريق لأنها تخشى أن تفقد سيادتها على الجزء الإستراتيجي المتاخم لإيران حليفتها.
أما إيران التي تتابع التطورات المتعلقة في أذربيجان عن كثب، فإنها تتخوف من زعزعة استقرارها الداخلي لأنها تضم سكانا من القومية الأذرية يبلغ عددهم نحو 15 مليونا، بحسب أرسلان.
وبالإضافة إلى ذلك، تقول أرسلان إن إيران تعترض على المشروع خوفا من فقدان الاتصال مع أرمينيا، فضلا عن تخوفها من الدور الأكبر لتركيا في القوقاز وآسيا الوسطى.
ويرى الباحث والمحلل السياسي التركي أحمد طاهر أوغلو أن الموقف الإيراني بالنسبة لتركيا أكثر صعوبة وتعقيدا من موقف أرمينيا نفسه، لأن الأخيرة تشعر بأنها مستفيدة بطريقة أو بأخرى من المشروع كنقطة عبور، في حين ترى إيران أنها ستخسر الكثير، رغم محاولات الطمأنة التي تبعثها تركيا.
وقال طاهر أوغلو للجزيرة نت إن أنقرة تدرك أن هذا الممر يحرم إيران من المنفذ الوحيد إلى البحر الأسود، حيث تعتبر أرمينيا جسر طهران لتصدير بضائعها لدول المنطقة.
وتابع أن هناك بعدا جيوسياسيا آخر يثير قلق إيران، ويتعلق بالتعاون الثلاثي بين تركيا وأذربيجان وأرمينيا، واحتمال نجاح مسار التطبيع بشكل يضعف نفوذ طهران ومصالحها في المنطقة.
خيارات أنقرة
وبينما تحاول تركيا طمأنة إيران، وتعرض عليها أن تكون جزءا مستفيدا من المشروع، فإن طهران -بحسب المحلل السياسي- لا تنظر بإيجابية لهذه العروض.
وعن الخيارات التي يمكن اللجوء إليها للتغلب على المعارضة الإيرانية لمشروع ممر زنغزور، يستبعد طاهر أوغلو أن تلجأ تركيا للتصعيد مع إيران، لا سيما أنها تتقاسم معها حدودا بطول 534 كيلومترا، في وقت تعاني فيه أزمة اقتصادية، وتحاول التهدئة في شتى الملفات للخروج من هذه الأزمة.
وقال الباحث التركي إنه من الممكن أن تلجأ تركيا في المدى القريب لتعزيز الأدوات الدبلوماسية لتحقيق هذا الغرض، ومحاولة إشراك روسيا في هذه العملية للضغط على طهران، لا سيما أن البلدان الثلاثة يجمعها العمل المشترك في عدة ملفات.
عرض إيراني بديل
وتشير تقارير إلى أن إيران تتمسك بمعارضتها إنشاء ممر بين نخجوان وأذربيجان عبر الأراضي الأرمينية، بيد أنها تقترح بدلا منه إنشاء ممر مماثل، ولكن على الجانب الإيراني من الحدود.
ولفتت الصحفية التركية أرسلان، التي رافقت الرئيس التركي في زيارته إقليم نخجوان، إلى أن أردوغان أشار في طريق عودته من الإقليم إلى إمكانية النظر في المقترح الإيراني، ونقلت عنه قوله “إذا لم تمهد أرمينيا الطريق (للممر)، فأين سيمر؟ سوف يمر عبر إيران”.
وقالت أرسلان إنه يمكن لأنقرة الآن، في هذا الموقف، أن تلعب “لعبة مزدوجة”، حيث تعرض إنشاء ممر على كل من إيران وأرمينيا، ومن يوافق أولا على التعاون سيكون المستفيد الأكبر. واعتبرت أنه إذا رفضت طهران العرض وقبلته أرمينيا، فإن إيران ستفقد موقعها بوصفها دولة عبور.
وبالمثل، فإن مماطلة يريفان ستؤدي إلى خسارة أخرى لها، لا سيما أنها عانت بالفعل منذ عقود من العزلة مع إغلاق حدودها مع تركيا، كونها دولة غير ساحلية وليس لها علاقات مع أذربيجان.