“صوتي هو شريان حياتنا”.. صحفي يتمسك بالأمل رغم القصف الإسرائيلي على غزة
على وقع الصدمة، تواصل إسرائيل سياسة الانتقام وقتل المدنيين في قطاع غزة، وتلجأ عائلة فلسطينية إلى غرفة ذات إضاءة خافتة وسط تصاعد أجواء الحرب التي تلوح في الأفق.
قضت العائلة ليلة مظلمة إثر قطع تيار الكهرباء عن غزة مثل كل سكان القطاع، لكن لم ينم أحد من أفرادها بسبب توالي أصوات القصف الجوي والانفجارات التي تهز جنبات المنزل، وهي واحدة من الهجمات الكثيرة التي تجعل قرابة 2.25 مليون من سكان غزة يعيشون تجربة الموت مرة أخرى.
وفي الصباح، مع ارتفاع صوت الطائرات الحربية الإسرائيلية، تجمّع الصحفي الفلسطيني المقيم في غزة محمد رفيق مهاوش وعائلته في غرفة سفلية ذات إضاءة خافتة، على أمل أن يكون هذا هو المكان الأكثر أمانا.
كانت زوجته تتمسك به وتطمئنهم -كما فعلت مرارا- بينما كانوا ينزلون الدرج إلى الغرفة السفلية التي قد تكون آمنة نسبيا، لكن صوتها المرتعش كشف عن القلق الذي يسيطر عليها.
أمل وخوف
يقول مهاوش -الذي كتب قصته على موقع الجزيرة الإنجليزي- إنه حتى بينما كان يحاول التمسك بشعور الأمل، لم يستطع تجاهل الخوف المرسوم على وجوه عائلته والمخيم على الأجواء، ويقول “أمي، المرأة التي تشهد تجاعيدها على معارك عديدة مع إسرائيل، تشبثت بابني البالغ من العمر عامين، حفيدها الوحيد، وبكلمات مواساة هامسة حاولت تهدئة روعه من ضجيج طائرات إف-16 التي تحلق في سماء المنطقة”.
في تلك الغرفة، يقول مهاوش، “اجتمعنا جميعا -والداي وزوجتي وابني وأختي- وأصواتنا التي كانت بالعادة مليئة بمرح الصباح، أصبحت الآن خافتة مع دموع مكبوتة وصلوات صامتة”.
ويتابع مهاوش “بعيدا عن ملجئنا، بثت القنوات أخبارا وصورا مروعة للدمار، إذ انهارت المباني السكنية مثل الأطلال القديمة، وسحب الغبار والدخان تملأ الهواء. وكل انفجار يرج الأرض تحتنا، وتزيد صرخات الناس في الشوارع وزئير الطائرات المقاتلة فوقنا من توترنا”.
ومنذ مساء السبت، لم تتوقف غارات الاحتلال على الأحياء والمباني السكنية والمساجد والأراضي الزراعية في قطاع غزة الذي استشهد فيه حتى الآن نحو 500 من سكانه وجرح أكثر من 2700 شخص، وفق وزارة الصحة بالقطاع، في حين نزح عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتظهر مقاطع مصورة حجم الدمار الذي لحق بالقطاع والأوضاع الصعبة التي يعيشها سكانه الذين فقد كثير منهم بيوتهم وممتلكاتهم.
وفي أحد المقاطع المصورة، يقول شاهد عيان يقف على ركام ما كان قبل يوم واحد مبنى سكني يضم عديدا من الأسر “ما حدث هنا دمار شامل، نحن عائلة البواب، وكان 150 من أفراد عائلتنا يعيشون في هذه العمارة، فهنا بيتي وبيوت أعمامي وبيت أختي وبيوت أشقائي الخمسة وعائلاتهم، وكل تلك البيوت دمرت بالكامل”.
ويضيف “جميعنا أصبحنا مشردين نسكن عند أقاربنا وأصدقائنا ومعارفنا”.
مواطن آخر من سكان غزة يقف أمام حطام مسجد في الحي الذي يسكنه بعد أن سوته غارة إسرائيلية بالأرض، ويبدو من ملابسه ويديه اللتين لا يزال التراب عالقا بهما أنه فرغ للتو من محاولة رفع بعض من أنقاض المسجد وإنقاذ من قد يكون عالقا تحتها، يقول “كنا في هذا المسجد في أمان الله تعالى، وفجأة تعرض للقصف دون سابق إنذار”.
صوت الصحافة
في تلك اللحظة السريالية، يقول مهاوش، “تشبثت بقناعة بأن صوتي لم يكن شريان حياتي فحسب، بل كان أيضا اتصالا بالعالم الذي غالبا ما كان يتجاهل نضالنا، كصحفي وكاتب نجا بأعجوبة من 5 حروب مدمرة مع إسرائيل، أعلم أن صوتي هو صلتي مع عالم يمكن على الأقل أن يشاركنا أماني السلامة”.
ويردف “طوال اليوم، كل بضع ساعات، نتبادل المكالمات الهاتفية، ونتواصل مع أحبائنا في جميع أنحاء المدينة. الجيران يطمئنون على بعضهم البعض، وحتى الغرباء تبادلوا معنا كلمات التضامن والدعم.. على الرغم من أنني أشعر بقلق عميق في داخلي من أننا يمكن أن نكون هدفا في أي لحظة، وفي أي وقت”.
وأصيب عشرات الصحفيين خلال التغطيات في الضفة والقطاع والقدس والداخل المحتل في اعتداءات كثيرة، أبرزها اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي استهدفها قناص من الجيش الإسرائيلي على نحو متعمّد قبل أكثر من عام، خلال تغطيتها اقتحام الاحتلال مدينة جنين.
استشهاد أبو عاقلة ليس الانتهاك الوحيد من الاحتلال، فقد تواصلت الانتهاكات الإسرائيلية من اعتقالات وقتل وعرقلة في الأحداث الميدانية التي يغطيها الصحفيون على الأرض خلال الاجتياحات في الضفة الغربية، والحروب على القطاع، والاقتحامات في الأقصى، والانتفاضات السابقة، وحتى في الفعاليات السلمية الأسبوعية في المناطق المهددة.
وعام 2021، قصفت إسرائيل 33 مقرا صحفيا في قطاع غزة خلال العدوان، منها ما دُمّر تدميرا كليا.
وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين عمر نزال إن استهداف الصحفيين الفلسطينيين مستمر وهو مغطى من قبل المستوى السياسي الإسرائيلي، وما يدلل على ذلك تصريحات عضو الكنيست بن غفير بأنه يؤيد “إطلاق النار على كل صحفي يعوق عمل الجنود”.
تضامن ووحدة
يقول الصحفي الفلسطيني إنه لا يمكن إنكار حصيلة الإرهاق النفسي الذي استقر في قلوب العائلات، ولا يزال الخوف يخيم في أعين أولئك الذين شهدوا الساعات الأولى من القتال، “ولا تزال الانفجارات تسكن قلوبنا” كما يقول مهاوش. ويستدرك “كل لحظة تمر هي معركة ضد الحزن”.
ورغم تلك المشاهد الصعبة، فإن الصمود والقدرة على التحدي هو ما يصنع الأمل والتصميم وسط الخوف والدمار، خاصة مع حلول الليل المظلم، كما يقول الصحفي الفلسطيني الذي يختم “هذه شهادة على روح الفلسطينيين التي لا تتزعزع، إذ يقفون متحدين معا في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، ضد هجمات المحتل”.