خبراء: لهذه الأسباب تحرض إسرائيل على السلطة الفلسطينية
نابلس- قبل الحرب وبعدها لم يتوقف التحريض الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية، لكنه بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تصاعد بشكل أكبر، وأصبح ملحوظا أن إسرائيل وبكل مستوياتها السياسية والعسكرية ترصد كل شاردة وواردة، ليس في أحاديث السلطة الفلسطينية بمختلف مكوناتها، بل وأفعالها أيضا، وتطالبها بإدانة شعبها على كل فعل مقاوم.
آخر ما كان من هذا التحريض جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه الذي نشرته قناة كان الإسرائيلية اليوم، بقوله “نستعد لاحتمال المواجهة مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية”.
وقبل ذلك توالت الانتقادات لتصريحات صحفية للواء جبريل الرجوب القيادي بالسلطة الفلسطينية قال فيها إن “ما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بغزة، قد يحصل بالضفة الغربية”.
وقاد اليمين الإسرائيلي المتطرف هذه الانتقادات والتحريض بكل أشكاله، ولا سيما ما كان على لسان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الذي لا يزال يرى بالسلطة الفلسطينية “شريكا بالتحريض” ضد إسرائيل، كما ذكر بأكثر من تصريح له.
ومع الأيام الأولى للحرب لم تتوقف إسرائيل عن تحريضها وتأكيدها أنه لا يمكن تحت أي شكل تمكين السلطة الفلسطينية من حكم غزة وعودتها إليها.
لكن لماذا كل هذا التحريض؟ سؤال رد عليه مسؤولون وخبراء فلسطينيون تحدثوا للجزيرة نت عن أدوات إسرائيلية للضغط على السلطة الفلسطينية، لتطويعها أكثر وحضها على الاستجابة لكل ما يريده الاحتلال.
جر السلطة للحرب
يقول عبد الأتيرة مستشار رئيس الوزراء الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح إن “إسرائيل تشن حربا على كل الشعب الفلسطيني بكل مواقعه، وإن الهدف هو إنهاء القضية الفلسطينية بالترحيل والقتل والهدم”.
وأضاف للجزيرة نت “إسرائيل تحرض لجر السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية إلى معركة لا يمكن أن تكون فيه متكافئة، وليست من مصلحة الشعب الفلسطيني، وتهدف لتهجيره، وهذا لن يكون”.
وشدد الأتيرة على أن التحريض عليهم في السلطة الفلسطينية “يومي”، وقال “قبل أيام ذهبنا إلى تقديم العزاء بأحد شهداء مخيم بلاطة قرب نابلس، فنشر الاحتلال صورنا وسط استفزاز كبير”.
ولفت القيادي الفلسطيني إلى أن نتنياهو وحكومته يعملون لتقويض النظام بالسلطة الفلسطينية، ولا يريدون السلطة ككل، وقال “إسرائيل تريد شعبنا خانعا وخاضعا لإسرائيل، وأعلنت ذلك مرارا”.
وبين أن ما يجري حاليا يشبه تماما تلك المرحلة ما قبل سنة من تصفية الرئيس الراحل ياسر عرفات “لإدخالنا بمعركة لا نريدها الآن ولا نستطيع”.
وذكر أن قوى الأمن بالضفة “شرطية، وتعمل لحفظ الأمن، ولا يوجد لديها من الأسلحة والذخائر ما يمكنها من الصمود أمام الآلية العسكرية لساعات”.
ولم يستبعد الأتيرة المصير ذاته الذي واجهه أبو عمار للقيادة الفلسطينية الحالية، وقال “الفلسطينيون محاصرون ماليا واقتصاديا وجغرافيا وبالقرار السياسي أيضا، والاحتلال يشن حربا بمعتقدات دينية وبدافع الانتقام”.
ومن جهته، رأى هاني المصري مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) أن المطلوب من السلطة أكثر مما تقدمه، ولهذا تحرض إسرائيل عليها.
وقال المصري للجزيرة نت “السلطة تتعاون، والمطلوب منها أن تكون عميلة، وأن تدين طوفان الأقصى، وأن تلاحق المقاومة، وأن تقطع رواتب الأسرى والشهداء، وأن تغير مناهجها التعليمية، وألا تحرض عبر الإعلام، وغير ذلك”.
ومرت السلطة حسب المصري بمراحل عدة، والآن جاءت المرحلة الأخيرة، وهي “التحول للعمالة”، كما تريد إسرائيل، وأوضح أن مرحلة الرئيس الراحل “أبو عمار” كانت هناك عملية سياسية فيها التزامات متبادلة، في حين اتسمت حقبة الرئيس الحالي محمود عباس أبو مازن بالتزامات سياسية من طرف واحد، هو الفلسطيني.
تفتيت السلطة
ويبقى السؤال هل تقبل السلطة بذلك أم لا؟ يجيب المصري “إذا رفضت السلطة إملاءات الاحتلال، فسيتم تفتيتها وتحويلها إلى سلطات متعددة، وإذا قبلت ككل، أو أجزاء منها، تصبح موالية للاحتلال ضد شعبها”.
وبين المصري أنه ربما لا يوجد مطالب بتغيير السلطة الآن، لكن المطروح أميركيا تغييرها بموافقتها، بأن يتحول أبو مازن لرئيس فخري، وإيجاد حكومة ورئيس بصلاحيات كبيرة، وهي الطريقة ذاتها التي استخدمت مع أبو عمار عند تنصيب أبو مازن رئيسا للوزراء، وفق رأيه.
ورغم استبعاده استجابة السلطة لإملاءات الاحتلال وضغوطه التي يمارسها عبر التحريض، لأنها تعتمد على حركة فتح ذات التاريخ النضالي والوطني، فإن المصري لم يستبعد إمكانية “أن يقوم بذلك أفراد وشرائح داخل السلطة، ويلبوا مطالب الاحتلال”.
ولا يريد الاحتلال حسب المصري سلطة تعبر عن هوية وطنية، ولها مطامح سياسية، بل سلطة تدير خدمات حياتية لشعبها، وتعمل لخدمة الاحتلال.
إجراءات مطلوبة
بالمقابل رأى حسن خريشة السياسي ونائب رئيس المجلس التشريعي أن التحريض الإسرائيلي يؤكد توحد رؤية الكل الإسرائيلي برفض أوسلو وحل الدولتين، وبالتالي تهجير الفلسطينيين عبر ما يرتكبه من مجازر بغزة، ومحاولات لاجتثاث المقاومة بالضفة الغربية، ولكنه فشل في كلا الأمرين.
ويؤكد خريشة للجزيرة نت أن الكل الفلسطيني مستهدف من إسرائيل، سواء كان مساوما أو مفاوضا أو مقاوما، وهذا يستدعي أن تأخذ السلطة الفلسطينية هذا التحريض بشكل جدي، وتحمي شعبها بالدرجة الأولى، وعليها كذلك أن تنفذ قرارات المجالس الوطنية والمركزية بوقف العمل بأوسلو وإنهاء تبعاته من التنسيق الأمني وغيره.
كما لم يعد مطلوبا منها حماية المقاومة فقط، وتوفير غطاء سياسي لها، بل لا بد من انخراط فعلي بعملية المقاومة بالضفة على اعتبار أن الجميع مستهدف، ولا خيار سوى مواجهة الاحتلال.