على شواطئ غزة.. حرب أخرى تشنها إسرائيل على الصيادين
يتعمد الجيش الإسرائيلي تدمير كل سبل العيش في غزة ضمن عدوانه المتواصل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي أدى لاستشهاد نحو 19 ألفا معظمهم من النساء والأطفال.
ومن بين سبل العيش التي قتلها العدوان الإسرائيلي مهنة صيد الأسماك ومكوناتها، ما يقضي على مداخيل شريحة كبيرة من الناس.
ورغم القصف الإسرائيلي العنيف برا وبحرا وجوا، يخاطر بعض الصيادين بحياتهم وينزلون إلى شاطئ البحر لصيد الأسماك، لعلّهم يجدون ما يسدون به رمقهم وأطفالهم، في ظل الحصار الخانق المفروض والذي حرمهم كل مقومات الحياة الأساسية.
من بين أولئك الصيادين، أبو تامر فياض من مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، الذي يقول إن معاناتهم مستمرة منذ سنوات الحصار الإسرائيلي الممتدة طوال 17 عاما، وتفاقمت مع بدء العدوان الحالي.
لا بديل عن الصيد
ويضيف أن “العدوان الإسرائيلي متواصل منذ 70 يوما وآلة الحرب والخراب لم تتوقف للحظة، والظروف المعيشية والحياتية للصيادين صعبة، والاحتياجات كثيرة، فمن أين سنوفرها إن لم نمارس عملنا”؟
وأثناء جلوسه على الشاطئ رفقة نجله في انتظار صيدٍ يعلق في صنارته، يقول فياض “الصياد يهرب من العدوان الإسرائيلي وما خلّفه من ضغوط الحياة المادية والاجتماعية والنفسية إلى البحر رغم خطر الاستهداف”.
ويؤكد أن الزوارق الحربية الإسرائيلية لا تتوقف عن استهداف مراكب الصيد والصيادين في كافة مناطق قطاع غزة، مبينا أن معاناة الصيادين مستمرة منذ سنوات الحصار الإسرائيلي الطويلة.
ويعيش في قطاع غزة نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون -حتى من قبل هذه الحرب- من أوضاع كارثية، جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006.
وتعد مهنة الصيد مصدر رزق أساسي لآلاف العائلات في القطاع، وتقيد إسرائيل حدود قوارب الصيد في غزة بـ6 أميال فقط، وتحرسها السفن الإسرائيلية والقوات الخاصة البحرية التي تطلق النار على أي شخص يعبر تلك الحدود.
وضع كارثي
وفي موقع آخر على شاطئ البحر، يجلس الصياد حسن حجي أمام حصاد يومه من بعض الأسماك التي اصطادها ويفرزها كل حسب نوعه.
حجي الأربعيني يصف أوضاع الصيادين في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة بـالكارثية.
يقول حجي -وهو نازح من مخيم الشاطئ شمال القطاع باتجاه دير البلح- إن من يمارس مهنة الصيد الآن، يخاطر بحياته بسبب الاستهداف من قبل البوارج الحربية الإسرائيلية.
ويلفت إلى استهداف زوارق الجيش الإسرائيلي قبل أيام أحد الصيادين من عائلة المسارعي في عرض البحر على مقربة من الشاطئ وهو على مركب بسيط يدوي، ما أدى إلى استشهاده.
ويضيف “يحاول الصياد الحصول على قوت يومه في النزول إلى البحر بقوارب بسيطة أو باستخدام شباك صيد يدوية أو باستخدام صنارة”، مبينا أن الجيش استهدف موانئ غزة ودير البلح وخان يونس ورفح ومراكب الصيادين.
وفيما يتعلق بكميات الصيد، يذكر أنها بسيطة جدا ولا تفي باحتياجات السكان والنازحين في المناطق الوسطى والجنوبية.
وينوه إلى أن أسعار الأسماك أصبحت مضاعفة مقارنة بالسابق، ورغم ذلك المواطنون مقبلون على شرائها في ظل غلاء أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والمواد التموينية.
ويختتم حجي قائلا “ما يحدث بحق سكان قطاع غزة إجرام منظم، وسط صمت عربي ودولي”.
يشار إلى أن كميات الأسماك التي كان يتم اصطيادها في قطاع غزة سنويا تبلغ 2800 طن (قبل عدوان السابع من أكتوبر/تشرين الأول)، في حين كانت قبل فرض القيود الإسرائيلية على عمل الصيادين عقب اندلاع انتفاضة عام 2000 تزيد على 4 آلاف طن سنويا.
ونصت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 على أن المسافة القانونية التي يسمح للفلسطينيين بالتحرك داخلها بحرية بدون أي اعتراضات إسرائيلية هي 20 ميلا بحريا.
الاعتقال والملاحقة
أما الصياد العشريني سعيد أبو هولي، فتحدث هو الآخر عن معاناته في ظل الحرب والحصار. وقال “نتعرض إلى إطلاق نار وملاحقة مستمرة، والزوارق تستهدف الصيادين عند وجودهم في عرض البحر”.
وبيّن أن الصياد الفلسطيني بات في وضع لا يحسد عليه، فالاحتلال دمر العديد من الأسر بتدمير مراكب الصيد و”الحسكات” (قوارب صيد صغيرة)، ومنع الصيادين من دخول البحر.
وأبو هولي نازح من منطقة المطاحن شرق دير البلح إلى المشاعلة غربا هربا من التوغل البري العسكري الإسرائيلي، ويعمل على صيد الأسماك بوسائل بدائية.
من ناحيته، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين نزار عياش إن الاحتلال يحارب الصيادين منذ 17 عاما، بالاستهداف والاعتقال والملاحقة، لكن ذلك تجلى بوضوح في الحرب الحالية.
ويستغرب عياش صمت المجتمع الدولي والعربي تجاه العدوان الإسرائيلي على القطاع، متسائلا “ألا يكفي كل ما حدث من جرائم بحق أبناء شعبنا، ومن بينهم الصيادون”؟.
كما يطالب بالعمل الفوري على وقف العدوان ورفع الحصار وترميم ما دمره الجيش الإسرائيلي بحق قطاع الصيد لأن الصيادين لا يقدرون على إصلاح مركب متضرر واحد، علما بأن الاحتلال ومنذ سنوات يمنع إدخال المواد والأجهزة الأساسية الضرورية لعمل قطاع الصيد الذي يضم نحو 1500 قارب للصيد مختلفة الحجم.