لماذا تزيد حرب غزة من احتمال تحول إيران لقوة نووية؟
منذ بداية الحرب في غزة تردد صدى تعليقات حكومة إيران المتفائلة، بل وحتى المنتصرة. وقال مرشدها الأعلى علي خامنئي -في خطاب ألقاه الشهر الماضي، مشيرا إلى النكسات الإسرائيلية في ساحة المعركة- إن “هزيمة النظام الصهيوني في هذا الحدث ليست مجرّد هزيمة له، بل أيضًا هزيمة الولايات المتحدة”.
وبداية يناير/كانون الثاني الجاري، تفاخر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأن أعداء بلاده “يستطيعون رؤية قوة إيران، والعالم كله يعرف قوتها وقدراتها”.
وبعد بضعة أيام، أعلن متحدث باسم الخارجية أن ما يسمى بمحور المقاومة -يضم قوى وفصائل حليفة تدعمهم طهران بالمنطقة- أصبح أكثر “تماسكًا ومرونة واتحادًا من أي وقت مضى”.
وقال الكاتب علي فايز -في تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية- إنه من السهل رؤية سبب “سعادة” طهران، فقد ورّطت الحرب عدوها الإقليمي الرئيسي (إسرائيل) في صراع طويل الأمد وربما لا يمكن الفوز فيه، وأجبرت الولايات المتحدة (خصمها العالمي الرئيسي) على التركيز على منع تصاعد هذا الصراع.
ومع ذلك، يرى الكاتب أن الصراع المستمر قد لا ينتهي بالنصر الواضح الذي أعلنته طهران بالفعل. فهي تريد أن تصبح قوةً مهيمنة في الشرق الأوسط، ولكنها لم تكن على استعداد للاستفادة من الحرب في غزة من خلال جعل محور المقاومة يفتح جبهات رئيسيّة جديدة ضد تل أبيب أو واشنطن.
والرسالة الواضحة -وفق الكاتب- أنه يمكن لإيران أن تسبب الفوضى، لكنها ليست قويّة بما يكفي لشن هجوم حقيقي، فهي لا تزال بحاجة إلى حلفائها الإقليميين في المقام الأول للدفاع عن أراضيها، لذلك قد تستنتج طهران أن هذا الصراع جعلها تبدو أضعف لا أقوى وأنها أكثر عرضةً للخطر.
وإذا كان الأمر كذلك بالفعل، كما يقول فايز، فقد تقوم طهران بمحاولة أخيرة للحصول على الردع النهائي، ألا وهو الأسلحة النووية، بالرغم مما ينطوي على ذلك من مخاطر. وهو خيار قد يوفر لإيران ذلك النوع من الحصانة التي تتمتع بها كوريا الشمالية وروسيا في مواجهة الغرب.
وسيكون من الصعب إيقاف إيران إذا قررت أن تصبح قوة نووية. فبرنامجها النووي متقدم للغاية بالفعل، ويخضع الآن لرقابة دولية محدودة. ومع أنه يمكن للولايات المتحدة أن توجه ضربة عسكرية، فإن هذه الضربة في حال نجاحها ستؤخر توجه إيران نحو التسلح فقط. والعواقب التي قد تترتب على تحوّلها إلى قوة نووية تظل محفوفة بالمخاطر إلى الحد الذي يجعل من منعها أمرًا يستحق العناء، وهو ما يعني محاولة استئناف الجهود الدبلوماسية.
وبالنسبة لطهران، كان هجوم حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمثابة انتصار. فقد تعرّضت طهران لعمليات إسرائيلية سريّة على مدار فترة طويلة، بما في ذلك اغتيال كبار العلماء النوويين والقادة العسكريين، بالإضافة إلى تخريب المنشآت النووية والعسكرية. وعندما شنت إسرائيل حربها على غزة، تمكنت طهران من تصوير نفسها على أنها حاملة راية القضية الفلسطينية، مما عزز سمعتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفق المقال.
ضعف إستراتيجي
وأضاف الكاتب أن الحرب ساعدت إيران بطرق أخرى أيضًا، فقد أدى الصراع إلى تأخير تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية على أقل تقدير، وهو ما كان من الممكن أن يعيد عزل إيران في أعقاب الانفراج الإيراني السعودي الذي توسطت فيه الصين في مارس/آذار الماضي. وقد استخدم محور المقاومة الصراع لصقل قدراته ونطاق انتشاره. وإضافة إلى الهجمات التي شنها حزب الله والحوثيون، شنّت الجماعات شبه العسكرية العراقية والسورية ما يزيد على 150 هجومًا على المنشآت العسكرية والدبلوماسية الأميركية بالعراق وسوريا.
لكن تحت هذا المظهر الخارجي المتفائل، أظهرت طهران علامات “ضعف إستراتيجي”. فوفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، تشير تقييمات المخابرات الأميركية إلى أن إيران فوجئت بهجوم حركة المقاومة الإٍسلامية (حماس) ولم تفعل إلا أقل القليل لمساعدة حليفها المفترض رغم أن حماس ألحقت بإسرائيل أعظم هزيمة منذ نصف قرن من الزمن. كما ذكرت الصحيفة أن خامنئي أمر قادته العسكريين بممارسة “الصبر الإستراتيجي” لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة.
وأشار الكاتب إلى أن إحجام إيران عن دخول المعركة بكامل قوتها أمر منطقي. فبموجب الإستراتيجية الإيرانية، يهدف محور المقاومة في المقام الأول إلى ردع إسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة إيران نفسها، وهو أمر لم يحدث بعد. ورغم عدم تعرض إيران لهجوم من أي من البلدين، فقد تعرض قادتها وحلفاؤهم لضربات أميركية وإسرائيلية.
وأورد أنه بعد تولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة عام 2021، بدأت إيران إجراء مفاوضات غير مباشرة معها على أمل الحد من التوترات الإقليمية وتخفيف عقوبات واشنطن. والأهم من ذلك، تقييد برنامج إيران النووي. لكن لم تنجح المحادثات في استعادة الاتفاق النووي لعام 2015.
وبحلول صيف 2023، يبدو أنها قد توصلت إلى تفاهم مؤقت لخفض التصعيد إذ أوقف “وكلاء إيران” الهجمات ضد القوات الأميركية بالعراق وسوريا، وأبطأت إيران عمليات التخصيب عالية المستوى للمرة الأولى منذ عام 2021. في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، وتبادل الجانبان بعض السجناء في سبتمبر/أيلول 2023.
وبناء على هذا التقدم، كان من المفترض أن تعود إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في عُمان، لكن هذه الفرصة الصغيرة أُغلقت في اللحظة التي هبط فيها مقاتلو حماس بالمظلات على إسرائيل. ومع دخول الولايات المتحدة عام الانتخابات الرئاسية ومشاركة النظام الإيراني الآن في حرب ضد حلفاء الولايات المتحدة، لا يوجد احتمال حقيقي لمشاركة دبلوماسية جادة.
ويأتي هذا الانهيار مع اقتراب إيران أكثر من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج أسلحة نووية. فاليوم، ستستغرق طهران حوالي شهر حتى تتمكن من إنتاج ما يكفي من المواد النووية المخصبة لبناء ترسانة من 4-5 رؤوس حربية نووية، ويمكنها تصنيع قنبلة قابلة للتسليم ربما بعد بضعة أشهر فقط.
الدبلوماسية الخيار الوحيد
ولفت الكاتب إلى أن طهران لا يزال لديها أسباب وجيهة لعدم صنع سلاح نووي أو حتى تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صنع الأسلحة. فمجرد تجاوز هذه العتبة قد يدفع إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة وقائية. وإذا تمكنت إيران من صنع سلاح دون أن يتم اكتشافه، فإنها تخاطر بإثارة سباق تسلح نووي إقليمي مع منافسيها بالخليج، مثل السعودية، كما أنه من المرجح أن يثير غضب الصين أهم مستهلك للنفط الإيراني وشريك دبلوماسي “لا يقدر بثمن”.
مع ذلك، فقد تقرر طهران أن فوائد امتلاك أسلحة نووية تفوق المخاطر، وقد دفعت بالفعل الثمن الاقتصادي للأسلحة النووية بعد أن عانت لسنوات من العقوبات. ولم تعد تعتقد أن الغرب راغب وقادر على تقديم تخفيف فعال ومستدام للعقوبات، حتى لو تراجعت عن برنامجها النووي.
ومن المؤسف أن الأحداث التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول تزيد احتمالات التسلح النووي. فقد أضعف رد فعل طهران الحذر من مصداقية ردعها الإقليمي، وربما يرى قادتها في الحصول على أسلحة نووية وسيلة للحصول على ضمانات جديدة بأنها لن تتعرض لهجوم من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، يريد المسؤولون الإيرانيون أن تحصل البلاد على سلاح نووي وأن ينظروا إلى هذه اللحظة على أنها فرصة عظيمة، وذلك لأن خصوم إيران منشغلون بالحروب في غزة وأوكرانيا، والمنافسة مع الصين.
وتابع الكاتب أنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من إثبات محاولة إيران امتلاك أسلحة نووية، فلن يكون لديهم طريقة جيدة لوقف ذلك. فمحاولة شن الضربات العسكرية سيرد عليها بهجمات على الأصول الأميركية، كما أن إيران تمتلك الآن ما يكفي من المعرفة والموهبة التي لن تؤدي معها الضربات إلا إلى تأخير التحول النووي. وإذا قامت طهران بتوزيع اليورانيوم عالي التخصيب إلى منشآت سرية لمزيد من التخصيب وتصنيع الأسلحة، فسيتعين على واشنطن إما قصف هذا البلد بأكمله بالقنابل أو محاولة تغيير النظام، عن طريق الغزو أو الثورة الداخلية.
ولا يبدو أي من هذه الخيارات معقولاً. إذ يبلغ عدد سكان إيران ضعف عدد سكان العراق تقريبًا، ومساحة اليابسة أكبر بحوالي 4 أضعاف، وجيشها أقوى بكثير، وسوف تكافح الولايات المتحدة بقوة لتسوية البلاد أو الاستيلاء عليها والاحتفاظ بها، كما أن العواقب الإنسانية لحملة القصف الموسعة أو الغزو ستكون مروعة. وقد أظهرت حملات “القمع” التي شنها النظام الإيراني ضد الاحتجاجات المتكررة أن طهران تحتفظ بقبضة فعالة على السلطة، وفق الكاتب.
وهذا لا يترك للولايات المتحدة سوى خيار حقيقي واحد ألا وهو الدبلوماسية، فهي الوحيدة التي أدت إلى تقليص برنامج إيران النووي في الماضي، وهو الخيار الوحيد الذي لديه فرصة للقيام بذلك اليوم.