أكاديمي أميركي: كيف تُحدث غزة تغييرا في الجامعات الأميركية؟
يقول البروفيسور ديفيد بالومبو ليو، الأستاذ بكلية لويس هيوليت نيكسون وأستاذ الأدب المقارن في جامعة ستانفورد، إن النشاط الطلابي المؤيد للفلسطينيين في الجامعات يتيح المجال للنقاش والتعلم وممارسة مزيد من الضغوط من أجل إحداث تغيير سياسي.
ويوضح ليو -في مقال له نشره موقع “الجزيرة الإنجليزية”- أنه منذ أكثر من 5 أشهر، ظل الطلاب في جميع أرجاء الولايات المتحدة يحشدون الدعم للفلسطينيين الذين يتعرضون للإبادة الجماعية على يد الجيش الإسرائيلي، مضيفا أنه يبدو جليا، يوما بعد يوم، أن مزيدا من الشباب الأميركي يرون أن الدفاع عن فلسطين “اختبار أخلاقي حقيقي للعالم”، مثلما كانت تنظر إليه أنجيلا ديفيس.
اقرأ أيضا
list of 4 items
صحف دولية: تحذيرات من خطر نشوب حرب شاملة بالشرق الأوسط
صحيفة إسرائيلية: قراصنة إيرانيون يخترقون رادارات إسرائيل
جيروزاليم بوست: لماذا اختارت إيران مهاجمة إسرائيل بالمسيّرات؟
هآرتس: أكثر من 100 مسيّرة إيرانية اعترضت خارج إسرائيل
end of list
ويستمر مقال البروفيسور ليو كالتالي:
إن التعبئة ليست بالأمر السهل، فقد تعرض الطلاب الذين يدعمون تحرير فلسطين للطعن وإطلاق النار والدهس والرش بالمواد الكيميائية التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلية. وأُوقفوا عن الدراسة، واعتُقلوا وأُخضعوا لإجراءات تأديبية. وكان عليهم العمل والاعتماد على مواردهم المالية المحدودة التي تمكنوا من جمعها من أجل تنظيم مظاهراتهم الاحتجاجية.
وعلى النقيض من ذلك، يتمتع الطلاب الموالون لإسرائيل بشبكات مانحة راسخة، ويعتمدون على مؤسسة هيليلس الدولية (Hillels) -وهي أكبر منظمة للحرم الجامعي اليهودي في العالم- وعلى وسائل الإعلام الرئيسية لتضخيم شكاواهم من أن النشاط المؤيد للفلسطينيين معاد للسامية.
إدارات الجامعات ناهضت المؤيدين لفلسطين
وبذلت إدارات الجامعات، التي انتابها القلق من أموال المانحين، قصارى جهدها لإرضاء الأفراد والجماعات القوية، الذين نددوا بالنشاط المؤيد للفلسطينيين، ولم تتردد في تأديب الطلاب الخصوم نيابة عنهم.
وبات المدافعون عن فلسطين، الذين يعانون نقص الموارد ويفتقرون للحماية إلى حد كبير، يتعاملون بذكاء وإبداع إذ شرعوا في إقامة تحالفات مع المجتمعات التي تتنوع عرقيا وطبقيا ودينيا، واستخدموا أساليب وإستراتيجيات متعددة. وتتراوح أفعالهم بين خطط طويلة الأجل وانتفاضات عفوية وتفاعلات بين هذه وتلك.
ولقد أثمرت بعض عمليات التنظيم التي ابتدعوها، فقد صادفت بعضها نجاحات ملحوظة في الكليات والمعاهد التابعة لجامعة كاليفورنيا. وأسفرت الحملات المؤيدة للفلسطينيين عن تصويت تاريخي أجراه اتحاد الطلاب يوم 15 فبراير/شباط الماضي للاستجابة لدعوة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS). ويترتب على ذلك امتناع اتحاد الطلاب عن استثمار أي أموال من ميزانيته البالغة 20 مليون دولار على أي شركة مدرجة على قائمة المقاطعة.
إنجازات ملموسة
وفي اليوم نفسه، دعت رابطة طلاب الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) إلى سحب الاستثمارات من إسرائيل. ويوم 20 فبراير/شباط، صوّت اتحاد طلاب جامعة كاليفورنيا بالإجماع لصالح مطالبة الجامعة بالامتناع عن استثمار الرسوم الدراسية المفروضة على الطلاب في كل ما هو متعلق بأعمال “الفصل العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية”.
ويوم 29 فبراير/شباط، أصدر الطلاب الملتحقون بنظام الانتساب في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد أيضا قرارا بسحب استثماراتهم بالكامل من الشركات المتواطئة في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي السادس من مارس/آذار الماضي، صوَّت الطلاب المنتسبون بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو أيضا لصالح مشروع قانون سحب الاستثمارات.
نتائج متباينة
غير أن النتائج في أماكن أخرى جاءت متباينة، ففي جامعة ستانفورد، حيث أقوم بالتدريس، نظم الطلاب اعتصاما على مدار الساعة لمدة 120 يوما، مطالبين الجامعة بإدانة الفصل العنصري الإسرائيلي والإبادة الجماعية، ودعم الطلاب الفلسطينيين، وتحديد التحيزات المناهضة للفلسطينيين في التدريس والبحث، وتنفيذ مبادرات سحب الاستثمارات.
وعندما طالبت الجامعة فجأة بفض الاعتصام، احتشد أكثر من 500 طالب للدفاع عنه، وظل كثيرون منهم مرابطين طوال الليل، وتحدوا الجامعة باعتقالهم. وفي حين أعرب بعض الإداريين سرا عن درجة ما من التعاطف، لم يتم تقديم أي تنازلات ملموسة، لذلك استمر الطلاب في التظاهر وتعطيل الحياة في الحرم الجامعي، وضاعفوا حملتهم على نطاق الجامعة الرامية إلى سحب الاستثمارات.
ومع أن إدارة جامعة ستانفورد لم تُجرِ بعد أي تغييرات ذات مغزى، إلا أن الطلاب المنظمين للحملة على دراية تامة بما حققوه من إنجازات. وقال لي فرح -وهو أحد منظمي الاحتجاجات في جامعة ستانفورد، في مقابلة أجريتها معه مؤخرا في البث الإذاعي (البودكاست) الخاص بي- إن “من الواضح أنه كان احتجاجا في نهاية المطاف، لكننا أفسحنا أيضا مجالا للحوار. ومن المثير للسخرية أن الجامعة كانت جادة لإقامة فضاء كهذا، وكانت تستميت لخلق هذا النوع من الحوار -وقد اعترف لنا بذلك عديد من المسؤولين، بمن فيهم رئيس الجامعة نفسه”. وأضاف: “ما فعله الاعتصام هو القيام بما كانت الجامعة تحاول القيام به”.
تغيير جذري في البيئات الجامعية
إن ما نجحت الحملات الطويلة الأجل وجهود استقطاب مؤيدين جدد في تحقيقه من دون الاضطرار لدفع أموال نظير نشر إعلانات دعائية، هو إحداث تغيير جذري في البيئات الجامعية. وإلى جانب التفاعلات العاطفية والصاخبة المتبادلة بين أصحاب وجهات النظر المتباينة التي شهدناها في المسيرات والمظاهرات، فقد أدت حملات سحب الاستثمارات المتعمدة والمنهجية والاعتصامات المطولة إلى استمرار المحادثات والحوارات والنقاشات على مدى أشهر.
وتتضمن كل من هذه الإجراءات جلب متحدثين ضيوف (غالبا ما يكونون نشطاء وفنانين وشعراء فلسطينيين بارزين) لسد الفجوات في تنوير الطلاب، وهو ما كانت الجامعات الأميركية سعيدة بإغفالها. ولذلك يتعلم الطلاب من مجموعة واسعة من المصادر ويعملون هم أنفسهم على تثقيف الآخرين.
وفي الشهور التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تغير المشهد بالكامل في الجامعات الأميركية في ما يتعلق بفلسطين. وبدأ البعض يعقد مقارنات مع الحركة الطلابية المناهضة للحرب في فيتنام. وجاء في تقرير لصحيفة طلابية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو حول مسيرة مؤيدة لفلسطين -شارك فيها أكثر من ألفي شخص- أن “إقبالا من هذا النوع لم يسبق له مثيل، حتى بالنسبة للمظاهرات الطلابية المناهضة لحرب فيتنام في الستينيات والسبعينيات”.
أوجه تشابه مذهلة
وبصفتي طالبا سابقا بجامعة كاليفورنيا في بيركلي إبان حرب فيتنام، ومشاركا في تلك المظاهرات وكذلك في المسيرات اليوم من أجل تحرير فلسطين، أذهلني وجود بعض أوجه الشبه الواضحة بين الحالتين.
أولا: في كلتا الحالتين تحدت الاحتجاجات الطلابية تغطية وسائل الإعلام الرئيسية للحروب والمواقف الرسمية لإدارات جامعاتهم. وقد أسهمت الحركة الاحتجاجية في تثقيف الجمهور وتعرية الأدوار التي تضطلع بها مؤسسات التعليم العالي في التأثير على ديناميكيات القوى الوطنية والعالمية. وقد تعرض مديرو الجامعات لمواقف صعبة بسبب تواطئهم في الحروب وتعمدهم عرقلة أنواع معينة من المعرفة والتعلم، ولم يتمكنوا من الاختباء وراء “خطايا تقصيرهم”.
ثانيا: قامت هذه الاحتجاجات بمواءمة نضالات تحرير فيتنام وتحرير فلسطين مع النضالات المحلية والدولية، وظهرت تحالفات واسعة متعددة الأعراق والإثنيات تربط بين النضالات المحلية والوطنية والدولية. وتعني هذه الروابط أنه حتى أولئك الذين يعيشون في مؤسسات معزولة جغرافيا وأصغر حجما لا يشعرون بالانفصال أو الوحدة، بل يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر بكثير.
وقد هالني في الوقت نفسه حجم الاختلاف الكبير والمثير، فقد رأى الطلاب الأميركيون كيف أن حياتهم الشخصية متشابكة بعرى لا تنفصم مع حرب فيتنام.
لقد فقد كثير منا أصدقاء في فيتنام، وأخفى بعض منا أشخاصا يتجنبون التجنيد أو التحقيق الفدرالي بسبب عملهم في الحركة. ولم يكن هناك نقص في التضامن مع الشعب الفيتنامي، ولكن لم يكن هناك النوع نفسه من التركيز على الأمور الشخصية الذي نراه الآن في ما يتعلق بالإبادة الجماعية في غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية.
إيمان قوي بالقضية الفلسطينية
لم يسبق لي أن رأيت العشرات من الأعلام الفيتنامية ترفرف في الجامعات، أو غيرها من الرموز الوطنية التي يعرضها الطلاب مثلما نرى اليوم (مع الحالة الفلسطينية). ويُعد تلويح الطلاب والمتظاهرين الآخرين بالأعلام وارتداؤهم الكوفيات والرموز الفلسطينية الأخرى، بطرق مؤثرة وقوية للغاية، مثالا يجسد إيمانهم بالقضية الفلسطينية.
وبعيدا عن العواقب التي قد تترتب عليهم شخصيا نتيجة الإبادة الجماعية في غزة، فإن طلاب الجامعات الأميركية يعبرون عن تضامن غير مسبوق تاريخيا وتعاطف واهتمام بالشعب الفلسطيني، وعن غضبهم من أن الولايات المتحدة كانت هي الميسرة للتطهير العرقي التاريخي الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين.
ليست هناك عودة إلى الوراء في ما يتعلق بالخطاب الذي يتبناه طلاب الجامعات بشأن فلسطين، فقد اكتسبت تفاصيل النضال ضد الإبادة الجماعية والفصل العنصري في فلسطين قوة واتساعا على وجه التحديد، لأن الحساسيات التي اعتملت في الولايات المتحدة وأماكن أخرى منذ حقبة فيتنام في ما يتعلق بالعنصرية وعنف الشرطة والدولة، وغيرها من أشكال التمييز والقسوة، أصبحت محفورة في ذاكرتنا الثقافية والسياسية.
لا رجعة للنشاط المؤيد لفلسطين
ولن تتمكن أي اعتداءات يمينية على “نظرية العرق النقدية”، أو “التنوع”، أو “الشمول” من تغيير ذلك، ولن يستمر إسكات منتقدي إسرائيل بتهمة “معاداة السامية”.
إن شغف شباب اليوم وطاقاتهم والتزامهم قد أدى إلى إحياء روح النشاط السياسي وتأسيس تحالفات بين الأجيال باعتبارها القاعدة الجديدة.
ومع أنه من الصعب التنبؤ على وجه اليقين بما إذا كانت هذه الحركات في الجامعات سيكون لها تأثير على المشهد السياسي الوطني الأوسع، فإنني أعتقد أنه من الأسلم أن أقول إن كلا من هذه الإجراءات في الجامعات لم تلفت انتباه المجتمع المحلي فحسب، بل جذبته للمشاركة.
ولا يتكون المجتمع الخارجي من الأفراد فحسب، بل يشمل النقابات والجماعات الكنسية ومجموعات المجتمع المدني الأخرى لفرض التغيير السياسي. وفي هذه الأثناء، دعت أكثر من 100 بلدية إلى وقف إطلاق النار، وقد فعل ما لا يقل عن 85 عضوا في الكونغرس الشيء نفسه. وبينما يحدث التغيير، إلا أنه يسير بخطى شديدة البطء، ولهذا السبب لن تشهد الأشهر المقبلة نهاية أو تراجعا للنشاط الطلابي من أجل الحقوق الفلسطينية.