الاخبار العاجلةسياسة

بعد طي صفحة الانتخابات.. لماذا تحتاج تركيا لدستور جديد الآن؟

أنقرة- يتسم المشهد السياسي في تركيا بديناميكية متواصلة، فبعد عام حافل بالأحداث الكبرى، شهدت فيه البلاد انتخابات رئاسية وبرلمانية في مايو/أيار 2023، وانتخابات محلية في 31 مارس/آذار الماضي، يبرز مجددا موضوع إعادة صياغة دستور جديد كأولوية على الساحة السياسية في البلاد.

وفي هذا الإطار، بدأ رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش سلسلة من اللقاءات المهمة مع قادة الأحزاب السياسية في البلاد، وافتتح هذه الجولة بزيارة إلى أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة.

تلت ذلك لقاءات متتالية مع قيادات حزب الجيد وحزب السعادة وحزب المساواة الشعبية والديمقراطية الكردي، في خطوة تظهر توجه البرلمان نحو تحقيق توافق واسع النطاق قد يشكل ملامح المستقبل السياسي لتركيا.

وفي تصريح له عقب الزيارات، أشار قورتولموش إلى أنه بعد إنهاء المشاورات مع الأحزاب السياسية الأخرى، من المرجح أن يتم بدء النقاشات المتعلقة بمحتوى هذه القضية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، عقب تحديد الطرق والإجراءات اللازمة.

متطلبات المرحلة

في إطار التحركات المتصاعدة حول الدستور، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس حزب “الحركة القومية” دولت بهشلي، في منزله بأنقرة، وتبعه لقاء مع رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل، في أول لقاء رسمي بين الطرفين، وهو الأول منذ 8 سنوات بين الرئيس وزعيم المعارضة.

وأكد حزب الشعب الجمهوري التزامه بالحوار، وأنه سيدعم دستورا ينسجم مع قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، شريطة أن تكون محادثات الحزب الحاكم مبنية على حسن النية.

ويتطلب تمرير دستور جديد في تركيا أو إجراء أي تعديلات دستورية موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أي ما يعادل 400 نائب من أصل 600، وفي حالة الرغبة بطرح الأمر للاستفتاء الشعبي، يلزم الحصول على موافقة 360 نائبا على الأقل.

لكن في الوقت الراهن، لا يحظى أي طرف سياسي في تركيا بالأغلبية اللازمة لتمرير الدستور بشكل مباشر، إذ يمتلك التحالف الجمهوري الحاكم 323 مقعدا فقط، وهو ما يحتم على الحكومة البحث عن تحالفات وتوافقات إضافية مع الأحزاب الأخرى، لضمان تمرير الدستور الجديد، مما يضعها في موقف يتطلب المزيد من التفاوض والتوافق السياسي.

محاولات سابقة

لا تعتبر قضية إعداد دستور جديد لتركيا أمرا مستحدثا، إذ طُرحت العديد من المقترحات والمشاريع المختلفة خلال الأعوام 2011 و2013، إلى أن تم تشكيل “لجنة توافق لصياغة الدستور” عام 2016، والتي ضمت ممثلين من جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان.

وعلى الرغم من أن لجنة المصالحة الدستورية قد اكتسبت خبرات وتجارب مهمة خلال عملها، فإنها لم تنجح في تحقيق هدفها النهائي، ونتيجة لذلك، تم حل اللجنة قبل أن تتمكن من إنجاز مسودة دستور متكاملة.

ومنذ عام 2021، دعا أردوغان مرارا إلى ضرورة صياغة دستور جديد لتركيا، يعكس القيم الديمقراطية والليبرالية الحديثة، ويكون ملائما لـ”قرن تركيا”، ويعمل على إنهاء عصر الوصاية والدساتير التي تمت صياغتها في أعقاب الانقلابات.

وقد تنشب مجموعة من الاختلافات بين الأحزاب السياسية التركية بشأن بعض البنود والعناصر الرئيسية للدستور الجديد، إلا أن هناك إجماعا عاما على ضرورة تحديث دستور عام 1982، الذي أُعد بواسطة مجموعة عسكرية بعد الانقلاب الذي وقع عام 1980.

وخضع الدستور الحالي لـ23 تعديلا خلال الـ41 عاما الماضية، كان آخرها إقرار الانتقال إلى النظام الرئاسي في البلاد عام 2017.

وعن مدى حاجة تركيا لدستور جديد قال الباحث القانوني يوجال أجير للجزيرة نت، إن الدستور الحالي لم يعد يلبي التطلعات الديمقراطية والحقوقية للمجتمع التركي، ولا يزال يفتقر إلى الشرعية الكاملة في عيون الشعب، حيث لم يُصَغ بمشاركة شعبية واسعة.

فتركيا -حسب أجير- بحاجة لدستور مدني يُصاغ في جو من الديمقراطية والتوافق، ويأخذ بعين الاعتبار السياقات الاجتماعية والسياسية الراهنة، على عكس الدساتير السابقة التي تم إعدادها في ظل ظروف استثنائية مثل الحروب أو الانقلابات.

واعتبر الباحث أن النضال ضد الانقلابات والدساتير الناتجة عنها في تركيا لم يبدأ بشكل جدي حتى وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، قائلاً “هذا النضال توج بالنجاح بفضل التعديل الدستوري الذي تم بالاستفتاء في 12 سبتمبر/أيلول 2010، الذي مثّل نقطة تحول في العملية الديمقراطية التدريجية للبلاد”.

ونفى أجير أن يكون هناك أي عائق قانوني يمنع إعادة صياغة الدستور في حال موافقة العدد الكافي من الأعضاء، ووجود لجان رقابة تابعة للبرلمان التركي تشرف على جميع مراحل الإعداد.

مبادئ وثوابت

يعتقد تحالف الشعب (الجمهور) بقيادة الرئيس أردوغان أن الظروف قد نضجت لإعداد دستور مدني جامع تتم صياغته عبر التوافق والحوار، بهدف مواكبة تطلعات تركيا الراهنة والمستقبلية، بحيث يسعى هذا الدستور لأن يشمل جميع المواطنين الأتراك وأن يضمن لهم حرياتهم الأساسية.

كما يهدف هذا الدستور الجديد لجلب إصلاحات للنظام القضائي لتعزيز العدالة والكفاءة، بالإضافة إلى التخلص من البيروقراطية المعرقلة للتقدم، إلى جانب إعادة تعريف مفهوم المواطنة بما يفصل بين الانتماء العرقي والوطني.

وقال مستشار الرئيس التركي محمد أوجوم، إن الدستور الجديد لن يتم بناؤه من الصفر ولن يتم المساس بالبنود الثلاثة الأولى من الدستور الحالي المتمثلة في المبادئ الأساسية للجمهورية التركية.

وأشار إلى أهمية الحفاظ على النظام الرئاسي وتطويره كونه المنجز الأساسي لإرادة الشعب، وضرورة الحفاظ على “قاعدة 50% + 1” في الانتخابات، والتي تعني الحصول على أكثر من 50% من الأصوات الصحيحة بصوت واحد.

وأوضح المستشار أن المبادئ الرئيسية للدستور الجديد هي:

  • “دستور جديد” متوافق مع العصر، يقوم على الجمهورية والديمقراطية.
  • “دستور مدني” يتم إعداده وفقا لإرادة الشعب.
  • “دستور شامل” يشمل جميع أفراد الأمة التركية.
  • “دستور تحرري” يضمن جميع الحقوق والحريات.
  • “دستور وقائي” يحمي البيئة والموارد الطبيعية.
  • “دستور اجتماعي” يعزز العدالة الاجتماعية ويقلص الفوارق بين فئات الدخل.
  • “دستور يتيح الديمقراطية المتطورة” ويسمح بالمشاركة الإلكترونية وتنويع قنوات مشاركة الجمهور في العملية التشريعية.

مصالح الأطراف

من جانبه، يشير المحلل السياسي والباحث القانوني تونج يلدرم في حديثه للجزيرة نت، إلى أن جميع الأحزاب السياسية التركية تمتلك مصالح ظاهرة وخفية قد تحققها من خلال صياغة دستور جديد للبلاد.

ويوضح أنه في حين يهدف تحالف الجمهور من التغيير -على سبيل المثال- إلى إزالة العقبات القانونية التي يفرضها الدستور الحالي أمامه في اتخاذ بعض القرارات، يسعى كذلك لكسب تأييد شريحة واسعة من المواطنين من خلال تضمين نص دستوري يضمن للمرأة الحق القانوني في ارتداء الحجاب دون أي شروط أو قيود.

ومن جهة أخرى، تعمل المعارضة التركية على استغلال الدستور الجديد كفرصة لإلغاء النظام الرئاسي الذي تبنته تركيا عام 2017، والذي تراه المعارضة مقيدا للأحزاب الأخرى وللحريات العامة، ومضرا بالحياة السياسية التركية.

كما لفت المحلل السياسي إلى أن المعارضة عبّرت سابقا عن قلقها بشأن إمكانية إجراء تعديلات جذرية على النظام الانتخابي للرئاسة، والتي قد تتيح للرئيس التركي فرصة الترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2028.

وقال يلدريم إن “الدساتير تعبر عن توافق اجتماعي”، مؤكدا أن زيادة عدد الأطراف المشاركة في صياغة الدستور تعزز من قوته وشرعيته، ومضيفا أنه حتى في المجتمعات التي تسودها روح التجانس والتصالح، من الصعب تحقيق إجماع تام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى