“حج البدل” وسيلة اللبنانين العاجزين عن السفر لأداء الفريضة
بيروت- بحزن عميق، تعبّر حنان الخليل للجزيرة نت عن عدم قدرتها على أداء فريضة الحج، رغم اقتراب عمرها من الـ80، حيث بقيت لسنوات تجمع المال، لكنها الآن لم تتمكن من أداء الفريضة، وتقول: “روحي تشتاق للحج، لكن جسدي لم يعد يقوى على مشقته”.
لجأت الخليل (76 عاما) لتفويض شخص آخر لأداء الحج بدلا عنها، وهي ظاهرة شائعة بين العائلات اللبنانية، حيث يتم توكيل شخص لأداء مناسك الحج نيابة عن فرد آخر غير قادر لأسباب خارجة عن إرادته، وهو ما من شأنه أن يكون وسيلة لتحقيق أمل الكثيرين بكسب الأجر عن طريق أداء الفريضة بالإنابة.
تقول السيدة المسنة إنها لجأت لهذه الخطوة وعقدت النية لحج البدل خوفا من انقضاء عمرها قبل أدائها، وتقول: “لا أحد يعرف متى ينتهي عمره، وأرغب في العمل لآخرتي والحصول على هذا الثواب العظيم”.
وفي حالة أخرى، قرر أحمد قبلاوي هذا العام إرسال حاج بديل عن والدته المتوفية، تعبيرا عن برّه لها، وأشار للجزيرة نت أنه قام بذلك تنفيذا لوصية والدته الراحلة التي كانت تحلم بأداء فريضة الحج، معبرا عن أمله في أن يتقبل الله عمله، وأن يجعله في ميزان حسنات والدته.
أمر متكرر
ومع اقتراب موسم الحج، يلجأ العديد من اللبنانيين لتوكيل أشخاص بدلا عنهم بسبب الصعوبات التي تمنعهم من السفر إلى مكة المكرمة لأداء هذا الركن الأساسي من أركان الإسلام.
ويروي حسن دياب، وهو أحد منظمي حملات الحجيج، تجربته بأداء حج البدل، حيث يطلب الكثيرون منه أداء الفريضة بدلا عن أقاربهم، ويشجعهم على ذلك أنه مرشد في هذه الحملات.
ويقول دياب للجزيرة نت، إنه يتلقى طلبات كثيرة من أشخاص يطلبون أن يحج بدلا عن آبائهم أو أمهاتهم، أو عن أموات لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج في حياتهم، ويثقون بأنه سيقوم بأداء المناسك والشعائر المطلوبة على أكمل وجه.
ويحجّ دياب هذا العام بدلا عن شخص متوفّى، وهي ليست المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك، بل إنه سبق حج بالبدل أكثر من 10 مرات، ويوضح أن الناس تلجأ لتوكيل آخرين بالحج بسبب كبرهم بالسن أو لعدم قدرتهم على أداء المناسك لأسباب شرعية مانعة.
وعن تكاليف حج البدل، يقول صاحب حملة المهاجر للحج والعمرة إبراهيم عنتر، إنه يترتب على من يرسل شخصا آخر لأداء حج البدل أن يدفع تكاليفه كاملة وكأنه هو الذي سيذهب للحج، بما في ذلك المصاريف الشخصية للحاج المنتدب، وإذا كان الأخير لديه عائلة، فيجب أيضا تغطية مصاريفهم خلال الأيام التي سيغيب فيها.
ويوضح عنتر أن بعض الأشخاص أو القائمين على حملات الحج هذه الأيام باتوا يتعاملون مع هذا الموضوع بشكل مختلف، إذ يعتبرون حج البدل وسيلة لتخفيف المصاريف عنهم، باعتبار أن الشخص البديل ذاهب إلى الحج بكل الأحوال، وخاصة إذا كان مرافقا للحملة أو مرشدا لها، “أي أنهم يتعاملون مع الموضوع كتجارة” حسب قوله.
ضوابط وأحكام
يوضح الشيخ الدكتور عبد الله البقري للجزيرة نت أن الحج البديل يُعرف عند الفقهاء بمصطلح “النيابة في الحج”، ويتمثل هذا النوع في أن “ينوب شخص مسلم بالغ عاقل عن آخر في أداء فريضة الحج”.
ويضيف البقري أن من الشروط التي يجب توافرها في الشخص الذي يرغب بالقيام بالحج البديل أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه من قبل، وفقا للمذهب الذي يعتمده جمهور الفقهاء، ويستثني البقري من هذا الشرط مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان، الذي أجاز لمن لم يحج بعد، أداء الحج عن غيره.
وعن شروط الحج البديل، يشير البقري إلى أنه يمكن تطبيق النيابة في حج الفريضة في حالتين:
- إذا مات شخص ما دون أن يسبق له القيام بالحج.
- أو في حالة من لا يستطيع السفر والوصول إلى بيت الله الحرام، مثل المرضى الذين لا يمكنهم السفر بالطائرات أو السيارات وما شابه ذلك.
وفيما يتعلق بالأجر في حالة النيابة، يستشهد البقري برواية عن السلف، حيث سُئل سعيد بن المسيب “لأيهما الأجر؛ أَللحاج أم للمحجوج عنه؟” فقال سعيد “إن الله تعالى واسع لهما جميعا”، مشيرا إلى أن النائب يحصل على أجر مماثل للشخص الذي يُنوب عنه، وبالتالي كلاهما يتشاركان في الفضل والثواب.
لا أرقام محددة
ومع بداية يونيو/حزيران الجاري، بدأ موسم الحج لهذا العام، حيث انطلقت أولى الرحلات الجوية بين بيروت والسعودية في الثاني من الشهر الجاري.
ويُقدر عدد الحجاج بنحو 7500 حاج بين لبناني وفلسطيني من اللاجئين في لبنان، وتتراوح تكلفة الحج لهذا العام بين 4800 و6400 دولار.
وفيما يتعلق بأعداد حج البدل في لبنان، لا تتوفر أرقام دقيقة وذلك لسبيين: الأول أن كل مسؤول عن حملة ينفرد بمعرفة عدد الحجاج بالبدل في حملته، والسبب الثاني يعود أحيانا لتوجه الكثيرين للحج نيابة عن آخرين دون إعلان ذلك للجميع.