سجال صاخب في مناظرة جولة الإعادة برئاسيات إيران.. وهذا الفائز بها
طهران- نظرا لانتقال التنافس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت في 28 يونيو/حزيران الماضي، إلى جولة الإعادة، شارك المرشحان الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي الليلة الماضية في أولى المناظرات المباشرة المخصصة بالقضايا الثقافية والسياسية على التلفزيون الحكومي.
وسعيا لاستقطاب أكبر عدد من أصوات المترددين ورفع نسبة المشاركة في الجولة الثانية المقررة يوم الجمعة المقبل، دافع كل من جليلي وبزشكيان عن برامجه وهاجم توجهات المرشح المنافس، في مشهد يذكّر الناخب الإيراني بالمناظرات الثنائية التي سبقت رئاسيات 2009 وشاهدها عشرات الملايين من الناخبين.
وخلافا للبرود الذي سيطر على أغلب المناظرات الخمس التي عقدت قبيل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فإن أولى مناظرات جولة الإعادة، التي بدأت الساعة التاسعة والنصف مساء الاثنين وانتهت فجر اليوم الثلاثاء، تمكنت من دغدغة فضول الناخبين وتسخين فترة الدعاية التي ستسمر حتى الساعة الثامنة من صباح الخميس المقبل.
عتاب واتهامات
كانت البداية مع المرشح جليلي ليتحدث عن أهمية برامجه لزيادة نسبة المشاركة الشعبية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في بلاده والتي رأى الطريق إليها يمر عبر مشاركة الشعب في إدارة البلاد، بينما استغل بزشكيان فرصة الحديث إلى الشعب عبر التلفزيون لنفي بعض الشائعات حول عزمه رفع أسعار الوقود.
وحاول بزشكيان منذ بداية المناظرة أن يقف إلى جانب الشعب في مواجهة ما سماه “التمييز” بحق النساء والقوميات والنخب الإيرانية مما أدى إلى عزوف 60% من الناخبين عن صناديق الاقتراع، وراح يذكّر بسخط الشعب جراء غلاء المعيشة والسياسات بشأن الحجاب وتقييد الإنترنت.
اللافت أن جليلي حاول طوال المناظرة أن يستخرج أسئلة من تصريحات بزشكيان، مستخدما عبارته المأثورة “صحيح ما قاله زميلي ولكن ماذا عن..” فنجح في جرّ خصمه إلى الحديث عن أمور قد لا يكون راغبا بالحديث عنها.
ووجّه جليلي عتابا لخصمه بسبب وصف أحد أفراد حملة المرشح الإصلاحي الانتخابية الطرف المقابل بأنه “طالبان”، لكنه مهد الطريق لبزشكيان ليذكره بما فعله أنصاره لدى حضوره إحدى العتبات المقدسة جنوبي طهران، حيث هتفوا ضد بزشكيان ووصفوه بأنه “منافق”، كما ذكّره بمهاجمة عصابة من أصحاب الزي المدني أحد أنصار بزشكيان في تبريز بآلة الصعق الكهربائي.
وأشار مهدي خسروي، مقدم برنامج المناظرة، إلى وصف رئيس حملة جليلي الانتخابية أنصار المرشح المقابل بأنهم “نفايات وقمامة”، داعيا إياهم إلی مراعاة الجانب الأخلاقي، فما كان من جليلي سوى أن يشهر كراسة سميكة كتب عليها بعض الأمثلة لإساءات تعرض لها من قبل أعضاء الحملة الانتخابية التابعة لبزشكيان.
سجال ساخن
وازدادت المناظرة سخونة في جزئها الثاني عند الحديث عن السياسة الخارجية؛ فتحولت إلى مواجهة بين مدرستين الأولى بقيادة الإصلاحيين تؤمن بضرورة مواصلة المفاوضات النووية ووضع حد للعقوبات التي أثقلت كاهل البلاد بسبب الملف النووي، والمدرسة الأخرى بزعامة المحافظين ترى أن الجانب الغربي غير قابل للثقة وأنه راوغ طهران في الاتفاق النووي فأخذ من الجمهورية الإسلامية كل شيء دون مقابل.
وشدد جليلي على أن حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي تمكنت من إبطال مفعول العقوبات ورفعت صادرتها من النفط الخام إلى مليوني برميل يوميا، وذلك ما حدا بالمرشح الإصلاحي إلى التساؤل عن كيفية زيادة الصادرات وأسعارها وحجم التخفيضات للزبائن مما يكبد البلاد خسائر كبيرة.
وعلى غرار هذه القطبية، يرى المرشح الإصلاحي ضرورة معالجة الأزمة الناجمة عن عدم التوقيع على قوانين مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف)، بينما حاول المرشح المقابل التملص من الرد المباشر حول برنامجه للانضمام إلى قوانين فاتف أو رفضها، لكن بزشكيان تشبث بسؤاله وكرره مرات حتى انتزع الموقف السلبي من الطرف المقابل تجاه هذا الملف.
وظهر جليلي أنه يمتلك خططا وبرامج مدونة لمعالجة مشكلات البلاد جراء تجربته في حكومة الظل التي شكلها في عهد حكومة الرئيس المعتدل حسن روحاني واستمر عملها في حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، لكن بزشكيان وصف هذه الخطط بأنها بعيدة كل البعد عن المبادئ العلمية، كما طالب المرشح المحافظ بالخروج من الظل إلى الضوء لعل برامجه تجدي في وضع حد للمعضلات المستعصية.
ورغم الجدل الذي شهدته المناظرة، سارع المرشحان إلى مصافحة بعضهما واحتضان كل منهما الآخر في نهاية البرنامج.
ولتقييم المناظرة، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى دبلوماسيين سابقين يختلفان في ولائهما للتيارات السياسية التي تقف خلف كلا المرشحين.
إستراتيجية بزشكيان
يرى السفير الإيراني السابق في الأردن، نصرت الله تاجيك، أن المرشح الإصلاحي كان أكثر صراحة في المناظرة الثنائية وتمكن من رفع رصيده وأن يستدرج منافسه للحديث عما لا ترغب به الشريحة الرمادية، فركزت إستراتيجيته على كشف أفكار الخصم وسياساته على حقيقتها أمام الجمهور.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى تاجيك أن المرشح بزشكيان كان الفائز في أولى المناظرات الثنائية لأسباب عدة، منها أنه تحدث بشكل صريح ومباشر عن أبرز هموم الناخب لا سيما على صعيد السياسة الخارجية.
كذلك تجاوز بزشكيان رؤية الطرف المقابل التي لا تنظر إلى الولايات المتحدة والدول الغربية سوى بعين العدو، وأظهر أن له مشروعا بشأن حلحلة القضايا الشائكة في السياستين الداخلية والخارجية، ليتمكن نسبيا من تحقيق رغبة أنصاره وتحدي الطرف المقابل.
إستراتيجية جليلي
في المقابل، اتهم السفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، المرشح الإصلاحي بأنه “متوهم”، ذلك لأنه لم يعتبر من تجربة زملائه وتوقيعهم على الاتفاق النووي وعودة جميع العقوبات على طهران رغم تنفيذها تعهداتها في الاتفاق.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى أبيانه أن المرشح جليلي كان الفائز في مناظرات الليلة الماضية لجملة أسباب، منها أن لديه معرفة بمشكلات البلد وبرنامجا مدوّنا لمعالجتها وذلك بسبب قيادته حكومة الظل.
ومنها مواقف تثبت صواب ما قاله قبيل التوقيع على الاتفاق النووي والمفاوضات مع الغرب وموضوع “فاتف”، وكذلك يظهر عمله في سنوات سابقة بالخارجية الإيرانية أنه أكثر خبرة في التعامل مع الدول الغربية، كما تبنّی سياسة أخلاقية وكشف أن الطرف المقابل لا يمتلك برنامجا ولا رؤية لحل مشكلات البلد.