كيف طارد فلسطينيون “شبيحة الأسد” في قلب ألمانيا؟
برلين- “شاهدتُ صور أخي الذي قتلوه غداة تسريب صور شهداء قيصر، وعندها رفعت دعوى لدى السلطات الألمانية عبر منظمة “أفو” التي قامت بكل الإجراءات، إلى غاية اعتقال 5 مشتبه بهم من شبيحة الأسد”، يقول فراس الداموني أحد سكان مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق، وانتقل إلى ألمانيا عام 2014، للجزيرة نت.
رحلة التعرف على الجناة بدأت منذ أن نشروا -أو مليشياتهم- صورهم على وسائل التواصل وهم يرتكبون فظاعات بحق المدنيين بحجة الوقوف ضد “المؤامرة” على النظام السوري، مما مكّن عددا من الأهالي من توثيق الأدلة.
ثم جاء منشقٌ عن النظام يحمل لقب “قيصر” عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة توثق عشرات الآلاف من القتلى في المعتقلات السرية، لتحمل أملا جديدا للضحايا وأسرهم.
حركة تعذيب
أسامة شقيق فراس، قضى تحت التعذيب بعد اعتقاله في مخيم اليرموك عام 2012. بقيت الجريمة دون مساءلة إلى حين اكتشاف أن عددا من أعضاء حركة “فلسطين حرة” -التي شكلها رجل الأعمال المقرب من النظام ياسر قشلق والمسؤولة عن اعتقاله- يوجدون في ألمانيا.
وتم التعرف على 5 منهم، 4 فلسطينيين وسوري، وهم حاليا في السجن الاحتياطي منذ بداية يوليو/تموز الحالي، للاشتباه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومن ذلك القتل ومحاولة القتل والتعذيب والاحتجاز المؤدي للوفاة.
تشكلت “فلسطين حرة” في مخيم اليرموك بعد الثورة السورية للقتال إلى جانب الرئيس بشار الأسد وقمع المظاهرات السلمية في المخيمات. قائدها العسكري هو سائد عبد العال، وكان والده عضوا في حزب البعث، وهي الحركة التي حاربت إلى جانب قوات الأسد في إدلب كذلك، وتكونت -غالبا- من لاجئين فلسطينيين، وفرت لهم رواتب وامتيازات، مستغلة أوضاعهم الصعبة.
يوضح فراس أن الشرطتين الألمانية والسويدية (بحكم أن بعض المعتقلين عاشوا في السويد) تعاونتا معه ومع بقية الضحايا، بقي -طوال سنوات- يعكف على جمع الأدلة لغاية إصدار الادعاء العام أمر الاعتقال. ويؤكد “أنا فلسطيني ابن الشتات، وكلي فخر أنني أوصلت صوتي وصوت عدد من الضحايا، لاعتقال هذه المجموعة من المجرمين الذين شردونا داخل المخيمات”.
بحسب المحامي السوري في برلين أنور البني، يُقدَّر عدد من ارتكبوا جرائم حرب ووصلوا إلى أوروبا بنحو 1000، وأخذت ألمانيا النسبة الكبرى من اللاجئين بما يناهز المليون، “لذلك يوجد غالبية الشبيحة فيها”. وأضاف للجزيرة نت أن ملاحقة هؤلاء ممكنة حاليا في جل الدول الأوروبية، وما على الضحايا والمنظمات السورية إلا التحرك ضدهم.
معاناة قديمة
تفاصيل أخرى من القصة تأتي على لسان محمد فرحات، أحد الذين رفعوا الدعوى إثر مقتل ابنه إياس عام 2012. ويقول للجزيرة نت “كفلسطينيين في سوريا كنا نعاني منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، أي قبل اندلاع الثورة التي اتخذ فيها غالبيتنا موقف الحياد بسبب تجارب أليمة سابقة في الأردن ولبنان”.
حسب محمد، أقحم النظام السوري العنصر الفلسطيني بعد اندلاع الثورة عبر مؤامرات لخلق العداء بين المعارضة والفلسطينيين، مما أدى إلى خروج مظاهرات في مخيم اليرموك تطالب بوقف استغلال الفلسطينيين في الحرب. لكن، تدخلت “الشبيحة” ومن ذلك حركة “فلسطين حرة”، وكانت النتيجة مقتل ابنه إياس ضمن ضحايا ما عُرف بمجزرة شارع فلسطين يوم 13 يوليو/تموز 2012، وفق المصدر نفسه.
ويقول محمد إن ابنه كان يحمل كاميرا وأراد توثيق ما جرى في تلك التظاهرة، لذلك كانوا “حريصين على أن يكون هو أول ضحية حتى يمنعوا نقل ما يحدث”، وأشار إلى أن المشتبه بهم الـ5 المعتقلين كانوا في مقدمة المجموعة التي هاجمت المظاهرة السلمية، وقتلوا آخرين منهم طفل.
ويؤكد أن الصدفة لعبت دورا في معرفة عائلات الضحايا بوجود أفراد الشبيحة في أوروبا وتحديدا عبر منصات التواصل. وقرّر رفع الدعوى عام 2017، ويبين أن والديه كانا في سوريا وكان يخاف عليهما، لذلك لم يتخذ أيّ خطوة رغم معرفته بوجود الجناة قربه، “لكن بعد وفاتهما اتخذت القرار فلم يعد لي ما أخسر”.
ويتابع “الشجاعة ضرورية جدا رغم كم التهديدات التي تعرّضت لها، وأنا الآن أعيش تحت الحماية”، لافتا إلى أن أسباب رفع الدعوى لا تعود فقط لمعاقبة الجناة، بل كذلك لأنهم “مجرمون مرتزقة يقتلون لأجل المال، وقد يشكلون خطرا على السكان عربا أو غيرهم”.
تعالت أصوات متعددة في ألمانيا حول أسباب السماح لمشتبه بهم خطرين باللجوء، خصوصا أن منهم الطبيب علاء موسى الذي تمكن من العمل في برلين قبل التعرف عليه، وضابط الاستخبارات أنور رسلان.
حُكم على رسلان بالسجن المؤبد، ولا تزال محاكمة موسى سارية في محكمة فرانكفورت، كما حُكم على موفق دواه بالسجن المؤبد وهو فلسطيني من مخيم اليرموك، إثر ثبوت إطلاقه قذيفة في المخيم ضد مدنيين كانوا ينتظرون استلام مساعدات إنسانية.
تداعيات كبيرة
لكن المحامي أنور البني يوضح أنه ليست هناك ثغرات في نظام اللجوء، بما أن الدولة تستقبل اللاجئين وتعطيهم حماية طالما هم من منطقة فيها حرب ولا يمكنها التأكد من تاريخهم، كما لا يمكن اعتبار كل لاجئ مجرما حتى تثبت براءته، خصوصا أنهم يوقعون وثائق أنهم لم يرتكبوا أي جرائم خطيرة في سوريا.
من جهته، يؤكد فراس أن أشد المواقف صعوبة كانت أن يجتمع وقاتل شقيقه في المكان نفسه، لكن، يقول إنه لا يستطيع لوم الحكومة الألمانية لأنها لم تكن على علم كامل بماضي هؤلاء الأشخاص الذين قدموا اللجوء على أساس أنهم مدنيون ومضطهدون بينما هم “الجلادون”.
ودعا كل من يعرف بوجود “مجرم من شبيحة الأسد” في أوروبا إلى الإسراع بالإبلاغ عنه، كما فعل هو رغم كم التهديدات التي تلقاها.
وبرأي المحامي البني، فإن تداعيات هذه الدعاوى كبيرة، خصوصا على “الشبيحة” في سوريا الراغبين في الانتقال إلى أوروبا، مما يعني أن باب الهجرة أمامهم أُغلق، أما من يوجد منهم في أوروبا، فغالبيتهم سيغادرونها بحثا عن أماكن أخرى لا يتعرضون فيها للاعتقال.
ويوضح أن ذلك لا يعني العودة إلى سوريا التي “تمثل خطرا عليهم من النظام نفسه الذي يمكن أن يضحي بهم”، باستثناء أصحاب الرتب العالية كسمير الشيخ، محافظ دير الزور السابق الذي اعتقلته السلطات الأميركية قبل عودته إلى دمشق.