اغتيال إسماعيل هنية.. البحث عن نصرٍ في مستنقع الهزيمة
منذ تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948 وحتى عام 2018، نفَّذت أجهزتها الأمنية أكثر من 2700 عملية اغتيال، وظَّفت خلالها باقة متنوعة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية، بداية من معجون الأسنان المسموم وحتى الطائرات بدون طيار والسيارات المفخخة، وفق الرصد الذي أجراه الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان وأصدره في كتابه الشهير “انهض واقتل أولا: التاريخ السري للاغتيالات المستهدفة في إسرائيل”. وتتنوع أهداف الاغتيالات الإسرائيلية، ما بين استهداف القادة العسكريين للتأثير على موازين الصراعات، واستهداف المهندسين والتقنيين لوأد محاولات التطور التقني والعسكري للخصوم وحرمانهم من كوادرهم، لكن نسبة معتبرة من الاغتيالات الإسرائيلية صُمِّمت لتحقيق أهداف سياسية في المقام الأول، ومن المؤكد أن اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يقع ضمن هذه الفئة.
تأتي واقعة الاغتيال وسط ظرف إستراتيجي شديد السوء بالنسبة إلى إسرائيل، إذ كان السابع من أكتوبر وما بعده حدثا مفصليا هزَّ أركان دولة الاحتلال وضرب سمعة جيشها في مقتل، وفرض تحولات إستراتيجية ليس فقط في طبيعة الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، ولكن في البيئة السياسية والأمنية الإقليمية برُمتها. وداخليا، كسر الهجوم العديد من “التابوهات” الإسرائيلية العتيقة وأهمها “عقيدة الردع”، التي طالما قامت على فكرة أن تفوق إسرائيل العسكري الواضح على خصومها، واستخدامها المستمر للقوة الباطشة ضد الفلسطينيين، سوف يمنعان أي شكل من أشكال المقاومة أو التهديد يمكن أن تُمثِّل تحديا وجوديا لاستقرار الدولة العبرية وبقائها ورفاهية مواطنيها.
اقرأ أيضا
list of 2 items
اغتيال إسماعيل هنية.. كيف نفهم جذور القتل في العقل الإسرائيلي؟
كيف سربت المقاومة ٢٠٠ صفحة من بيانات جنود الاحتلال الإسرائيلي؟
end of list
نسف طوفان الأقصى العديد من اعتقادات إسرائيل الراسخة حول نفسها، ثم جاءت الأحداث بعده لتنسف اعتقادات العالم الثابتة حولها. فعلى مدار قرابة عشرة أشهر من حرب الإبادة القاسية ضد قطاع غزة، لم تنجح دولة الاحتلال في تحقيق شيء باستثناء قتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 90 ألفا آخرين، وهدم آلاف المباني، وتشريد وتجويع جميع أهل غزة عن بكرة أبيهم، ما أظهر وجهها القبيح أمام العالم وحشد دعما عالميا للنضال الفلسطيني. أما على المستوى الإستراتيجي، فقد كان حصاد إسرائيل هو الفشل على جميع الأصعدة حتى بالمعايير التي وضعتها دولة الاحتلال نفسها، فلم تنجح إسرائيل في استعادة أكثر من 4 أسرى أحياء في عملية معقدة مدعومة أميركيا قتلت خلالها أكثر من 200 قتيل فلسطيني، فيما لا يزال هناك ما لا يقل عن 115 أسيرا في قبضة المقاومة. فشلت حكومة الاحتلال وجيشها كذلك في منع غزة من تشكيل تهديد للأراضي المحتلة كما تعهَّدوا في بداية الحرب، ومن فضول القول إن إسرائيل لم تحقق هدفها في القضاء على حركة حماس، ولم تقترب من تحقيقه بأي معنى من المعاني.
أبعد من ذلك، أصبحت دولة الاحتلال الإسرائيلي محاصرة بالضربات على أكثر من جبهة، شمالا من حزب الله اللبناني وغيره من الفصائل، وجنوبا من جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية التي تشن هجمات بالطائرات المسيرة ضربت العمق الإسرائيلي على مقربة من السفارة الأميركية، وتستهدف السفن المتوجهة لإسرائيل وتعطل حركة الملاحة في مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم. علاوة على ذلك، ضُربت إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي بأول هجوم مباشر قادم من الأراضي الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة.
لم تعد إسرائيل قادرة على توقع الضربة التالية من حيث حجمها أو مصدرها أو حتى الجهة التي ستنفذها. في ضوء ذلك بات السؤال المطروح على مائدة صانع القرار الإسرائيلي هنا: ما الذي يمكن أن تحققه إسرائيل بالمزيد من العمليات العدائية في غزة؟ والجواب: المزيد مما حققته خلال الأشهر العشرة الماضية، القتل والتدمير والتشريد، وقطعا الفشل الإستراتيجي. باختصار، لقد فشلت إسرائيل عسكريا في غزة، وما من شيء بإمكانه تغيير هذه الحقيقة بعد كل هذا الوقت، وكان الحل الذي تفتَّقت عنه الأذهان هو البحث عن تحقيق نوع من الانتصار السياسي المغلف بطابع عسكري، وتُعَد الاغتيالات التي تُجيدها إسرائيل ميدانا مثاليا لتحقيق هذا النوع من الانتصارات.
فمن خلال استهداف قادة المقاومة الفلسطينية في الخارج، أمثال صالح العروري وإسماعيل هنية، وقادة الفصائل المتحالفة مع إيران مثل القيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، يمكن لحكومة الاحتلال أن تقدم لشعبها “نصرا رمزيا مؤقتا” يتسرب وسط سيل من الفشل، ومن خلال إثبات حضورها العسكري خارج حدودها وصولا إلى إيران نفسها، تبرهن إسرائيل على قدرتها على الفعل، وترمم بعضا من شتات ردعها المتآكل، وتنقل المعركة، ولو جزئيا، إلى الساحة الإقليمية الأوسع بعيدا عن مستنقع غزة الذي تغرق فيه حتى أذنيها.
الاغتيالات الإسرائيلية.. بين النجاح التكتيكي والفشل الإستراتيجي
لطالما برعت إسرائيل في اغتيال خصومها البارزين، محوِّلة العالم إلى ساحة للقتل، هذه بصمة مميزة لا ينكرها أحد للموساد وأجهزة دولة الاحتلال الأمنية. وفي أحيان كثيرة، كانت الاغتيالات الإسرائيلية ذات دوافع انتقامية بالأساس، ومنها تلك العمليات التي استهدفت المفكرين والسياسيين من أمثال الفلسطيني غسان كنفاني والمصريين جمال حمدان وسلوى حبيب وغيرهم من المثقفين الذين تصدوا لإسرائيل بالفكر والقلم. وفي أوقات أخرى، كانت الاغتيالات تسعى لحرمان خصوم إسرائيل من كوادرهم المهمين، كما في حالة علماء الذرة المصريين مصطفى مشرفة وسميرة موسى ويحيى المشد، لكن ما يمكن الجدال بشأنه حقا هو مدى فعالية تلك الاغتيالات التي ارتكبتها من أجل إضعاف خصومها إستراتيجيًّا، حيث تمتلك دولة الاحتلال سجلا يمكن التشكيك فيه بشدة في هذا الأمر.
إذا أخذنا حركة حماس مثالا، فيمكننا أن نحصي عشرات الاغتيالات في صفوف القادة السياسيين والعسكريين للحركة خلال العقود الثلاثة الفائتة، بدءا من المهندس يحيى عياش في عام 1996، ومرورا بصلاح شحادة عام 2002 وإبراهيم المقادمة عام 2003، ثم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين عام 2004 وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في العام نفسه. تمتد القائمة لتشمل القيادي نزار ريان عام 2009، وأحمد الجعبري عام 2012، ورائد العطار عام 2014. هذه الاغتيالات من المؤكد أنها أحدثت ارتباكا في صفوف الحركة لفترة من الوقت، لكن تأثيرها كان هامشيا جدا على المدى الطويل، فبعد أقل من عامين على اغتيال ياسين والرنتيسي مثلا، اكتسحت حركة حماس الانتخابات الديمقراطية الوحيدة التي أُجريت ذلك الحين، فيما لم تُفلح اغتيالات القادة والمهندسين العسكريين في منع التطور العسكري للحركة، وهو ما اختبرته إسرائيل بالتجربة الصعبة في السابع من أكتوبر.
الأمر نفسه ينطبق على حركة الجهاد الإسلامي التي اغتال الموساد مؤسسها فتحي الشقاقي عام 1995 في جزيرة مالطا، واستهدف عددا من كوادرها منذ ذلك الحين، ورغم ذلك فإن الحركة ما زالت حية، بل إنها حققت طفرة في حجمها وقوتها. وإذا حق لنا أن نستخدم المعيار ذاته للتنبؤ بما هو قادم، فلا نخطئ حين نقول إن سياسة الاغتيالات مهما كانت فعاليتها لا تغير كثيرا من الأوضاع الإستراتيجية، صحيح أن إسماعيل هنية قيادي مهم على المستويين العملي والرمزي كليهما، ومن المؤكد أن غيابه سيُسبب ارتباكا لفترة من الوقت، لكنه لا يلعب دورا واضحا في قيادة العمليات العسكرية في غزة، ما يعني أن الأوضاع الميدانية لن تشهد تغيرا كبيرا.
أبعد من ذلك، غالبا ما يُصنَّف هنية من قِبَل القوى العالمية والإقليمية بأنه “قائد أكثر اعتدالا ومرونة” مقارنة بقادة حماس في غزة، ولكن حتى إذا تجاوزنا هذا التصنيف “الغربي” بالأساس، فمن المؤكد أن القادة السياسيين غالبا ما يكونون أكثر انفتاحا على الحلول التفاوضية “الوسطى” بحكم مهمتهم، بعكس القادة العسكريين الذين يرغبون في “الحسم” من خلال المعارك، وهو ما يعني أنه إذا كانت إسرائيل تريد بحق التوصل إلى صفقة لوقف الحرب والإفراج عن الأسرى، فإن إزاحة هنية عن المشهد يجعل هذا الهدف أبعد من أي وقت مضى.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن حادثة الاغتيال ستجعل المقاومة الفلسطينية أكثر عزما على الرد في ساحة المعركة، ومع وجود اغتيالات على الساحة اللبنانية أيضا فإن ذلك يضيف جبهة إضافية محتملة للرد، أما الجبهة الثالثة فستكون إيران التي تعرضت لنوع من “الإذلال الأمني” لكون حادثة اغتيال هنية وقعت على أراضيها. وإذا استبعدنا أن تكون عملية اغتيال إسماعيل هنية تهدف إلى التأثير المباشر على ساحة المعركة في غزة، فيتعيَّن علينا البحث عن الأهداف الحقيقية والرسائل السياسية التي ربما تنطوي عليها هذه العملية وتداعياتها المحتملة على المشهد الأمني الأوسع في المنطقة.
رسائل نتنياهو السياسية
من المؤكد أن إحدى أهم رسائل هذه العملية موجَّهة لحركة حماس نفسها، وهي إعلان إسرائيلي واضح أن جميع قادة الحركة أهداف لنيرانها، وأن الأمر كله يتعلق بتحيُّن الفرصة والمكان المناسبين. لقد أكدت إسرائيل منذ فترة أنها وضعت هنية على رأس قائمة المستهدفين بالاغتيال، وها هي تنفذ تهديدها ومن قلب طهران، العاصمة الأكثر عداء لدولة الاحتلال في المنطقة.
وعلى نطاق أوسع، تعتقد إسرائيل أن اغتيال هنية قد يعطل الزخم السياسي الذي حصدته القضية الفلسطينية خلال الأشهر الماضية، عبر إقصاء قائد “كاريزمي” يُعتقد أنه بات يحظى بشعبية جيدة بوصفه ممثلا عن قضية بلاده، خاصة في دول ما يُعرف بـ”الجنوب العالمي”، ولا أدل على ذلك من الإدانات التي جلبها الحادث من القوى غير الغربية المهمة، بداية من الصين وروسيا، مرورا بتركيا، وصولا إلى ماليزيا والبرازيل. ويأتي الاغتيال بعد “اختراق” صيني برعاية اتفاق لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية في وقت سابق من الشهر الماضي، وقبيل زيارة مرتقبة لهنية إلى تركيا بدعوة من أحزاب محلية كان من المُنتظر أن تتحول إلى كرنفال شعبي وسياسي لدعم القضية الفلسطينية.
وبعيدا عن شخص هنية نفسه، يرغب نتنياهو عبر اغتيال هنية في خلق معضلة لحماس فيما يخص التفاوض حول صفقة الأسرى وإنهاء الحرب، ففي حال اختارت الحركة الانسحاب من المفاوضات احتجاجا، فإن بيبي يكون قد اكتسب “نقطة سياسية” بتحميل مسؤولية فشل المفاوضات للفلسطينيين، وتخلص من الضغوط المزعجة لإنهاء الحرب التي يرى أن مستقبله السياسي مرهون باستمرارها إلى الأبد. أما إذا اختارت الحركة استكمال التفاوض، فإن ذلك سيسمح له بالزعم أن “الضغط العسكري” يؤتي ثماره ويُجبر حماس على تقديم المزيد من التنازلات.
أبعد من حماس وفلسطين، تخلق حادثة اغتيال هنية معضلات لا تقل خطورة بالنسبة لإيران. إن إظهار طهران بمظهر العاجز عن حماية حليف بارز في قلب عاصمتها لا يثير فقط شكوكا حول تماسكها الأمني وقدرتها على التصدي للمخاطر الخارجية، لكنه يضرب “إسفينا” في علاقتها مع حلفائها ويشكك في صورتها بوصفها حليفا موثوقا، والأهم أنها تضع تحديا مبكرا على مائدة الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، المحسوب على المعسكر الإصلاحي، حول الطريقة التي سترد بها بلاده على الحادثة. وإذا اختارت إيران تنفيذ رد قوي أو واسع، فإن ذلك سيخلق توترات مبكرة للرئيس الجديد، ويعوق أي جهود محتملة للتقارب الإيراني الغربي الذي يُعَد منعه هدفا إستراتيجيًّا لنتنياهو.
تُعَد الولايات المتحدة أيضا أحد المستهدفين برسائل نتنياهو السياسية المخضبة بالدماء، بالنظر إلى أن الحادثة تأتي وسط الحملات الرئاسية الأميركية، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد. ومع انشغال الإدارة الأميركية بتداعيات انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، يأمل نتنياهو أن يحصل على الحد الأدنى من “التوبيخ السري” من الحليف الأميركي. في غضون ذلك، من المرجح أن تتحول الحادثة إلى مادة للنقاش السياسي في الولايات المتحدة خلال الموسم الانتخابي، وهو نقاش من المرجح أن يضر بحظوظ الديمقراطيين الذين سيتعرضون للتقريع من قواعدهم الانتخابية من السود والأقليات والمسلمين لعدم القيام بما يكفي لردع نتنياهو وحكومته، والابتزاز من جانب حلفاء إسرائيل الذين يرون أن الإدارة الديمقراطية لا تقدم لها ما يكفي من الدعم. في المقابل، سيكون النقاش مفيدا لصقور الجمهوريين الذين سيتنافسون في إظهار الدعم لإسرائيل، وفي مقدمتهم الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، الحليف المقرب لنتنياهو.
النصر “الصوري” في مستنقع الهزيمة
يُجيد نتنياهو التلاعب بالسياسة الأميركية، ولا مثال على ذلك أقرب من خطابه في الكونغرس منذ أيام، الذي حشد خلاله كبار رجال واشنطن حوله في لوحة سياسية لمباركة الإبادة الدموية. لكن المفارقة أن الحال ليس كذلك بالنسبة له في إسرائيل، ففي أعقاب العودة من أميركا، استُقبل نتنياهو باحتجاجات شديدة يومي 29 و30 يوليو/تموز الماضي بعدما اقتحم متظاهرون محسوبون على اليمين المتطرف قاعدتين عسكريتين، بما في ذلك معتقل سدي تيمان، ردا على اعتقال عدة جنود إسرائيليين متهمين بتعذيب أسير فلسطيني بطرق غير آدمية.
أثارت الحادثة ذعرا كبيرا في الأوساط السياسية الإسرائيلية، وعكست أزمة بين المجتمع وقيادته السياسية والعسكرية، خاصة أن التحرك جاء من حلفاء نتنياهو اليمينيين، وليس من خصومه الذين يتهمونه بالتلكؤ في صفقة الأسرى لخدمة مصالحه السياسية. أصبح نتنياهو محاصرا سياسيا بين المطرقة والسندان، بين حلفائه الذين لا يرونه حاسما بما يكفي مع الفلسطينيين، وبالأخص مع المقاومة، رغم كل القتل والدمار في غزة، وبين خصومه الذين يرون أنه مستعد للتضحية بالأسرى، وربما حرق البلاد بأسرها، من أجل البقاء في السلطة.
وإذا كان هناك ثمة أمر يتفق عليه هذان الطرفان في الوقت الراهن فهو أن إسرائيل “فشلت” و”هُزمت”، والسبب الرئيسي في ذلك هو نتنياهو. في مواجهة ذلك فإن أحوج ما يحتاج إليه رئيس الوزراء ومسؤولوه السياسيون العسكريون هو نصر -حتى ولو كان رمزيا- يعيد المياه إلى وجوههم. ويُمثِّل اغتيال هنية، وبدرجة أقل فؤاد شكر، حلا جزئيا لهذه المشكلة، ورغم أنه حل قادم من مستنقع الهزيمة، فإنه سيسمح لنتنياهو بالتبجح بقتل المسؤول السياسي الأبرز في حماس، بعد زهاء 300 يوم من الصفعات المتتالية القادمة من غزة.
سوف يسمح هذا “النصر الصوري” أيضا لأنصار اليمين الإسرائيلي أمثال الوزير المتطرف إيتمار بن غفير وزُمرته بالخروج على منصات التواصل وإلى الشوارع للتعبير عن ابتهاجهم بمقتل شكر أولا ثم هنية ثانيا. في المقابل، يدرك أهالي الأسرى الإسرائيليين والفئة الأوسع من مواطنيها أن نتنياهو ربما يكون ألقى بصفقة الأسرى تحت عجلات القطار ثمنا للبقاء في السلطة، يضيف ذلك طبقة جديدة من الانقسام لمجتمع متشرذم بالفعل، ارتدّت فئة كبيرة منه إلى نموذج “مجتمعات العصابات” الذي كان هو السمة السائدة خلال زمان النكبة وما قبلها.
سيناريوهات التصعيد والرد بعد اغتيال إسماعيل هنية
في الخلاصة، يُعَد اغتيال هنية، وقادة الفصائل المعادية لإسرائيل عموما، طريقة غير مُكلِّفة لإسرائيل لإعادة تعريف النصر، ولكنه في الوقت نفسه وصفة فعالة لإشعال حريق إقليمي. لا يمكن حتى الآن التنبؤ بالطريقة التي سترد بها الأطراف المختلفة، بداية من حماس والمقاومة الفلسطينية، مرورا بحزب الله وسائر الفصائل المعادية لإسرائيل، وصولا إلى إيران التي يُعتقد أنها ستكون في حاجة إلى الرد بنفسها أيًّا كان مستوى الرد، فضلا عن التكهن بالطريقة التي ستستجيب بها إسرائيل لاحقا لهذه الردود، لكن يمكن الإشارة إلى 3 سيناريوهات رئيسية تتفاوت في درجات رجحانها.
السيناريو الأول هو قيام حماس وحزب الله والأهم إيران برد مكافئ وواسع النطاق على الاغتيالات الإسرائيلية، وهو ما يعني بالضرورة ردا إسرائيليا مضادا وإشعال المزيد من الجبهات، وربما تورط المزيد من الأطراف في الصراع على الجانبين، ما يخلف المزيد من القتلى واضطرابات اقتصادية واسعة وتعثرا للملاحة الدولية. يُعَد هذا السيناريو مُحتملا ولا يمكن استبعاده بالنظر إلى صعوبة السيطرة على متوالية التصعيد والتصعيد المضاد، ومع ذلك فإن السيناريو الأكثر رجحانا هو أن المقاومة، المستنزفة بالفعل تحت وقع الحرب، لن يكون بمقدورها شن رد واسع في الوقت الراهن باستثناء استمرار العمليات على جبهة غزة، أما إيران فسوف تُفضِّل ربما ردا محسوبا ومُعايرا بدقة تجنبا للدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة في الأيام الأولى من عهد الرئيس الجديد.
ويبقى السيناريو الأقل رجحانا هو استئناف التفاوض الجدي حول صفقة الأسرى وإنهاء الحرب في الوقت الحالي، لأن المقاومة من المرجح أن تزداد تصلُّبا في التفاوض، في حين أن نتنياهو لا يرغب في هذه المفاوضات من الأساس. في غضون ذلك، سوف تستمر الحقائق الصلبة على الأرض في فرض نفسها، وهي أن إسرائيل لم تنتصر في هذه الحرب، وأن اغتيال هنية أو أي قائد آخر لن يكون كافيا لتغيير ذلك.